خبر « إسرائيل » إذ تعادي نفسها أولاً ..عبدالوهاب بدرخان

الساعة 12:01 م|29 أغسطس 2011

"إسرائيل" إذ تعادي نفسها أولاً ..عبدالوهاب بدرخان

حين أغارت الطائرات الحربية الإسرائيلية على غزة، بعد عملية إيلات، لم تسع فقط إلى الانتقام بل إلى افتعال أزمة كبرى تبرر شن حرب جديدة على القطاع، والهدف غير المعلن من هذه الحرب دفن الخطة الفلسطينية – العربية بالتوجه إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف دولي بـ "الدولة الفلسطينية" وحين تقصد الإسرائيليون قتل جنود مصريين في سيناء كان الهدف اختبار المجلس العسكري الحاكم في مصر وكذلك الرأي العام المصري في التوجهات الجديدة بعد الثورة.

 

كان أيضاً بين الأهداف إخماد الاحتجاجات الداخلية ذات الطابع المطلبي والاجتماعي، وهو ما تحقق إلى حد ما، من دون أن يتأكد لحكومة نتنياهو – ليبرمان أنها تجاوزت فعلاً ما سمي "الربيع الإسرائيلي" لكن الأهداف الأخرى الخارجية، شكلت خيبة أمل، إذ اضطر نتنياهو للتصريح بأن حرباً على غزة لا مجال حالياً لأن تستند إلى تفهم دولي أو غض نظر أمريكي، أما العلاقة مع مصر فكان خطأ أن تبادر "إسرائيل" إلى زعزعتها وفي هذا الوقت تحديداً، بل على العكس كشف الحدث ما كان معروفاً، وهو أن "إسرائيل" لا تحسن التعايش حتى مع الدول المجاورة التي تربطها بها معاهدات سلام.

 

في غمرة "الربيع العربي" افتضحت "إسرائيل" بأنها لا تملك أي استراتيجية للتعامل مع المتغيرات، فهي حائرة بين خوفها من عرب ما بعد الثورات والانتفاضات، وبين سعيها إلى تحقيق مكاسب من هذه المرحلة العربية الغامضة، صحيفة "هاآرتس" نصحت في إحدى افتتاحياتها بأن أفضل ما يمكن أن تفعله "إسرائيل" الآن هو أن تخفض من استعراضات القوة التي تقوم بها، وأن تحاول رسم صورة جديدة لنفسها بأوضح ملامح سلمية ممكنة، أما صحيفة "نيويورك تايمز" فسلطت الضوء على البلبلة الاستراتيجية التي تمر بها "إسرائيل" التي تريد الشيء ونقيضه في آن، ذلك أن التغيير في مصر لم يعن بالضرورة أن "إسرائيل" باتت تواجه تجدد احتمالات الحرب، بل تواجه ما قد يكون أكثر صعوبة بالنسبة إليها، أي تجدد احتمالات "السلام الحقيقي" بما يعنيه من تحجيم ل"إسرائيل" وتقنين لجدوى قوتها العسكرية.

 

في هذا السياق يأتي الفشل الذريع في الحفاظ على العلاقة مع تركيا، فهذه دولة كانت "إسرائيل" تعتبرها حليفاً ولم تكن تراها أبداً ذات سياسة عربية، بل فهمت "التحالف" معها على أنه عنوان قطيعة دائمة وأبدية بين تركيا والعرب، الواقع أن أنقرة لم تغير سياستها جذرياً في مقاربتها لجناحها الشرقي الذي تخاصمت معه على خلفية التاريخ العثماني والتوجه الأتاتوركي إلى الغرب الأمريكي والأوروبي.

 

ثم أنها لم تر غضاضة في أن تحافظ على مصالحها مع الغرب فيما هي تتصالح مع العرب، والأهم أنها لم تجد تناقضاً بين أن تقيم علاقة كانت تتصف بالاستراتيجية مع "إسرائيل"، وأن تتعاطف في الوقت نفسه مع الحقوق الفلسطينية، فثمة خطيئة تاريخية ارتكبت في فلسطين ولابد أن الوقت حان لإصلاحها، هنا أيضا ليس وارداً أن ينزلق التغيير في السياسة التركية إلى حد تحوله تهديداً عسكرياً للدولة العبرية، لكن هذه رفضت الاعتراف بهذا التغيير، ولاتزال تنكر على أنقرة حقها في رسم السياسة العربية التي تحقق لها مصالح سياسية واقتصادية، وهذا في حد ذاته ينم عن عقلية مهترئة ومنفصلة عن واقع المنطقة وحركة شعوبها.

 

لعل الفشل الأكبر لإسرائيل يكمن في عدم وجود مفهوم واضح لديها لمسألة "التعايش مع الجيران"، وفقاً لتوصيف كتبه أحد المحللين الإسرائيليين.. وإلا فكيف يمكن أن ينطلق المصريون والإسرائيليون في وقت واحد لمطاردة "المجموعة المتطرفة" ذاتها ثم يقدم الإسرائيليون على قتل جنود مصريين، هل هذا نقص في التنسيق، أم مجرد تهور وجنون إسرائيليين، في أي مرة قادمة لا يمكن استبعاد حصول اشتباك قابل للتطور والتصعيد، الأخطر أن ما حصل إثر عملية إيلات، خصوصاً من الجانب الإسرائيلي، دل على أن "إسرائيل": تتصرف أكثر فأكثر كعصابة لا كدولة، ليس فقط في ما تعتبره ساحة حرب دائمة ومفتوحة وإنما خصوصاً في مجلس الوزراء، لكن حتى العصابة استنتجت أخيراً أنها لاتستطيع أن تكرر الحرب التي خاضتها قبل سنتين ضد قطاع غزة، رغم أن مجرم الحرب إيهود باراك لايزال في منصبه ولايزال يعتقد أن جيشه هو "الأكثر أخلاقية" مع كل ما ارتكبه في تلك الحرب، غير أنه في اختبار الحدود مع مصر كان فاشلاً حتى وهو يقتل أكثر.

 

أكثر ما يقلق "إسرائيل" أن يكون الشرق الأوسط في حدود التغير من دون أن يكون لها دور في هذا الحراك، ومن دون أن يسعفها تفوقها العسكري ولا انحياز أمريكا ولا التعامي الأوروبي لـ "قولبة" المنطقة وفقاً لمصلحتها، صحيح أن العداء لها ليس أولوية في مطالب الثورات، لكن التصالح معها وفقاً لشروطها وعلى أساس قبولها بجرائمها وعربدتها لا يمكن أن يكون بين أولويات الثورات أو ما بعد الثورات، إنها أمام وضع لا تستطيع فهمه بالعقلية التي أدارت بها شؤونها منذ نشأتها حتى الآن، لكنه وضع يحير الجميع بمن فيهم المنخرطون في الثورات ذاتها، والأفضل منحه الفرصة ليبلور مفاهيمه، فأهم ما فيه أنه يعد بتغيير في الاتجاه الصحيح، المبني على أنظمة مدنية منتخبة تطمح إلى بناء "دولة القانون" واحترام حقوق الإنسان، والتصالح مع العصر، كل ذلك ترى فيه "إسرائيل" تهديداً لا تستطيع شيئاً حياله.

 

خلال الأسبوع الماضي نشرت "يديعوت أحرونوت" تحقيقاً لمراسلها من طرابلس يقول فيه إن الثوار الليبيين استقبلوه بحرارة، وأنهم رحبوا به بعد ختم جوازه، لم يقل إنهم رحبوا به لكونه إسرائيلياً، أو أنهم ختموا جوازه الإسرائيلي، فهو على الأرجح استخدم جوازاً آخر، كما هي عادة الصحفيين الإسرائيليين.. مع ذلك، وعلى افتراض أنهم عرفوا هويته الحقيقية فإن الترحيب به في هذه الأيام لا يمكن أن يعني أن سياسة جديدة ودائمة باتت معتمدة في ليبيا ما بعد القذافي.

 

واستطراداً، بات معروفاً الآن مآل كل عمليات التطبيع التي حصدت فيها الحكومات العربية عداء مجتمعاتها من دون أن تتمكن من تحقيق أي من الأهداف التي قالت إنها تطبع من أجلها.. أكثر من ذلك، لا يمكن أن تعني شيئاً زيارة صحفي في ظروف كالتي تعيشها ليبيا الآن، طالما أن حكومة نتنياهو – ليبرمان تراكم فشلاً بعد فشل في التطبيع الرئيسي المطلوب منها.. مع الفلسطينيين.

 

صحيفة الشرق القطرية