خبر كراهية مصر- هآرتس

الساعة 09:31 ص|28 أغسطس 2011

كراهية مصر- هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

علم اسرائيل، الذي انزله شاب مصري من نافذة السفارة الاسرائيلية في القاهرة كان علما باهتا ومهترئا، كان يرتفع عاليا على برج مكتبي قاتم، كان يصعب ملاحظته من الشارع بالعين المجردة. منذ أن عُلق هناك مرت الكثير من المياه العكرة: من يعتقد أن الكراهية المنبعثة الآن ضد اسرائيل هي قضاء من السماء، فرض من المصير أو جبار من الطبيعة، يجمل به أن يتذكر السنوات الاولى للسلام. في حينه، في الثمانينيات البهيجة، اندفع عشرات آلاف الاسرائيليين الى مصر واستقبلوا ببشاشة وفرح ظاهرين. بهجة كانت في حينه أن يكون المرء اسرائيليا في القاهرة بل واحيانا شرف عظيم. الجماهير التي تتظاهر الآن ضد اسرائيل هي ذات الجماهير التي استقبلت الاسرائيليين بالترحاب. وحتى لو تحولت "مظاهرة المليون" أول أمس الى مظاهرة الألف – فان الكراهية تتلظى. وهي لا يفترضها الواقع.

حقيقة أن ليس هكذا كان الامر دوما، كان ينبغي أن تثير التفكير في اسرائيل. ولكن كالمعتاد اسئلة لماذا ولأي سبب لا تطرح هنا على البحث. لماذا يوجد ارهاب؟ هكذا. ولماذا توجد كراهية؟ هكذا. من الأسهل التفكير بأن المصريين يكرهوننا وهذا هو، وهكذا نعفي أنفسنا من المسؤولية. السلام مع مصر، ذاك الذي حين يوجد في خطر فقط يعتبر ذخرا، كان السلام الذي خدعته اسرائيل وخرقته من بدايته. فقد التزمت بالاعتراف بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني ومنحه حكما ذاتيا في غضون خمس سنوات. وأدارت مفاوضات سخيفة برئاسة وزير داخليتها على أمل تذويبه، وأبدا لم تفي بتعهداتها. وكذا اجتياح لبنان، غداة استكمال الاتفاق، كان استفزازا وقحا وخطيرا. أما مصر فصمدت في ذلك، خلافا لكل الاحتمالات. من يسأل لماذا يكرهنا المصريون من الأفضل له أن يتذكر هذين الحدثين التأسيسيين، من عمل يد اسرائيل.

الذاكرة الجماهيرية قد تكون قصيرة ولكن ليس هكذا الكراهية: فقد اضطرمت منذئذ. من يرغب في أن يفهم لماذا يكرهنا المصريون، يجمل به أن يتذكر مشاهد "رصاص مصبوب" وصور "السور الواقي" وقصف بيروت بالطائرات وقصف رفح بالمدفعية. لو تعرض الاسرائيليون للصور التي تُظهر دولة ما تتعامل هكذا مع اليهود، فان الكراهية عندنا ايضا ستضطرم. الجماهير العربية شاهدت صورا قاسية فتعاظمت كراهيتها. لهذه الكراهية يوجد معنى مصيري مع حلول الربيع العربي.

قواعد اللعب في الشرق الاوسط الجديد تغيرت: اتفاقات السلام ووقف النار التي احتُرمت بشد على الاسنان من جانب طغاة في مصر، في سوريا وفي الاردن القديمة لا يمكنها أن تُحترم في الانظمة الديمقراطية، أو شبه الديمقراطية. من الآن فصاعدا الشعوب تتحدث، وهي لن تحتمل سلوكا عنيفا أو استعماريا تجاه العرب، وزعماؤها سيضطرون الى مراعاة ذلك. الاحتلال وردود الفعل بالقوة المبالغ بها من اسرائيل تقف الآن أمام اختبار الشعوب، وليس فقط اختبار حكامها. ثمة في ذلك جانب ايجابي، كفيل بأن يكبح جماح اسرائيل، مثلما سبق أن حصل في الايام الاخيرة في غزة: لولا مصر الجديدة، لكنا منذ الآن في ذروة "رصاص مصبوب 2" – ولكن على المدى البعيد لن يكون كافيا وقف القوات وايقاف النار.

بات منهكا تكرار ذلك، ولكن الآن يوجد للامور مفعول خاص: لم يعد لاسرائيل خيار العيش على حرابها فقط. المخاطر التي تعتمل في الواقع الجديد، الذي يُنسج أمام عيوننا المتعالية ليست مخاطر يمكن للقوة العسكرية وحدها أن تتغلب على مدى السنين. لن يعود ممكنا التمترس الى الأبد في قلعة مهما كانت محصنة ومسلحة. فالقيادات العربية الجديدة لن يكون بوسعها تجاهل مشاعر شعوبها، التي لن تقبل باسرائيل المحتلة والعنيفة في المنطقة. ليست "رصاص مصبوب" وحدها أصبحت شبه متعذرة، بل ان استمرار الاحتلال خطر على وجود اسرائيل. كلما استمر، يتعزز الاعتراض لمجرد وجودها.

ليس صعبا تخيل الامور وهي تبدو بطريقة مختلفة. يكفي أن نتذكر سنوات السلام الاولى مع مصر، أو سنوات اوسلو الاولى لدرجة أن العرب أنفسهم اعترفوا بهذا الضلال ايضا. ليس صعبا أن نتصور اتفاقات سلام كانت ستؤدي الى انتهاء الاحتلال، والاستجابة لمبادرة السلام العربية. السبيل الوحيد هو خلق اسرائيل جديدة في نظر العالم العربي الجديد. فقط اذا حصل هذا يمكننا العودة الى سوق خان الخليلي فنُستقبل فيه. عن البديل لا ينبغي أن نوسع الحديث؛ فهو ليس موجودا بالنسبة لاسرائيل.