خبر ما بعد الاستعمار ..أيمن خالد

الساعة 02:33 م|26 أغسطس 2011

ما بعد الاستعمار ..أيمن خالد

أظن أننا دخلنا في مرحلة ما بعد الاستعمار. بمعنى أن زمن الاستعمار قد ولىّ، وما يجري لا يمكن أن نسميه إعادة إنتاج لمرحلة الاستعمار ذاتها، وإنما هو رحيل من هذه المرحلة، نحو عالم جديد، مؤكد أن لغة الهيمنة لا تغيب عنه، لكن شكل هذه الهيمنة وطرقها سيكون مختلفاً بكل تفاصيل المرحلة.

ما بعد الاستعمار أيضاً، تعني انحسار أشكال التطرف ولغة الغاب، لتكون هذه في جغرافيا محددة، وواسعة بآن معاً، لكن حجم لغة الغاب لن يكون تأثيره واسعاً على نمط سير الحياة الاجتماعية للبشرية، فالجغرافيا المتاحة لهذه المساحة، لن تكون عربية، فحركة الثورة العربية تثبت يومياً أن قدرتها على إنتاج الوعي يفوق حجم الخسائر التي يتركها خصمهم من الأنظمة، فالساحة الأكثر عرضة لتعريف قانون الغاب واكتساب معانيه ومعاييره، هي إفريقيا الغارقة بزمن القبائل وتاريخ ما قبل التاريخ.

نحن والغرب نتجه قسراً إلى مرحلة ما بعد الاستعمار، نحو نمط جديد من التفاهم، سيكون فيه وجود إسرائيل إشكالية كبرى ، فإسرائيل لا تستطيع في الزمن القريب القادم، أن تبقى إسرائيل خلال ستين عاما مضت، لان إسرائيل عمليا هي الكيان الذي يفوق جهل كيانات وقبائل مجاهل إفريقيا. فهي الكيان الذي ينتج كل يوم انزلاقا في تاريخ وهمي مظلم غير موجود، ومثل هذا التاريخ الافتراضي الذي لا يصلح لأي واقع مستقبلي.

كان يمكن أن يستمر هذا الواقع متاحا وأن يحافظ عليه الغرب الذي يحتاج كيانا بهذا التطرف، في وسط عربي مظلم يشبه مجاهل إفريقيا ولكن هذه الثقافة في ضوء الثورات تصبح متاهة الغرب وأزمته الحقيقية، وهو أمر لا نجزم أن الغرب لا يعيه، لكنه بكل تأكيد، ومن خلال الملموس في السياسة فهذه الكومة من المصالح الغربية المسماة إسرائيل، هي ذات الكومة من الهموم والمشاكل المسماة إسرائيل في المستقبل القريب، فما قبل الاستعمار يمكن أن يكون تعريف هذا الكيان أمراً غاية في الأهمية، وما بعد الاستعمار لا يكون هذا الكيان إلا عبئا على مجمل العقل الإنساني، في الغرب، في الشرق، في كل مكان، فما ينمو في عقول زعماء الكيان تطرف وتعنت، وحالة من هستيريا التمايز، لا ينفع في لغة المصالح، فالعالم في المكاشفة الإعلامية، بات يسير من مرحلة صناعة الحرب عبر الإعلام، إلى مرحلة هزيمة الحرب، فالحرب كان يراها من يشارك فيها فحسب، أو من يقع ضحيتها، لكن الحرب اليوم يشاهدها الجميع، ويذوق مرارتها الذين يشاركون والذين يتفرجون.

فمسألة وجود إسرائيل في بيئة نائمة، يختلف عن وجود إسرائيل وسط صحوة عربية، في بقعة مضيئة تغوص في التاريخ والحضارة، هنا لا قيمة لوجود إسرائيل، غير أنها تساهم في عتمة الليل الذي يقترب من أوروبا، ولا يعمل على نشر الظلمات في منطقة الشرق الأوسط كما أُعدت إسرائيل لهذه المهمة من قبل.

ما بعد الاستعمار نحن والغرب نتجه إلى جغرافيا سياسية فيها من تداخل المصالح والمشاركة اليومية، بكل تفاصيل المعيشة، ما يجعل وجود إسرائيل عبئا ثقيلا على الغرب نفسه، وهو منطق قد لا يكون واضحا الآن، لكن إسرائيل التي تملك لغة الاستعمار لا تستطيع إلا أن تكون نقيضا طبيعيا لعالم ما بعد الاستعمار.

ما بعد الاستعمار تعني أن الغرب يعرف أن ثمن الرفاهية في الغرب لم يعد ممكنا من خلال مفهوم الاستعباد، وما بعد الاستعمار تعني لغة المشاركة والاتفاق والبيع والشراء، لان الغبن في البيع والشراء يكون أسهل من دم لا ينتهي، ومن حرب لا تنتهي، فالاستعمار يعني في لغة محددة أن القوة تنتصر، وعندما تعجز القوة عن فرض النصر فهي تسقط وتسقط معها هيبة المستعمر، وإذا كان العالم قد أسرته الصورة والمعلومة والمعرفة، فالناس في زمن الصورة هم أكثر تسلحا بالمعرفة والوعي الذي يعيد صناعة السياسة وفق عالم المكاشفة المرعب.

ما بعد الاستعمار تعني أن القوة الكبرى والجيش العظيم الذي يمكنك امتلاكه لا يكون بالطائرات والأسلحة الفتاكة، فوسائل الإعلام هي القوة العظمى، والقنوات الفضائية التي تستطيع أن تحشد جيوشا من المشاهدين من كافة بقاع الأرض، هي بالضبط صاحبة القوة العظمى، لذلك فقناة الجزيرة اكبر من دول وأحزاب ومجموعة من المذيعين هم أهم من قادة مكثوا سنوات ينشدون التغيير ولكنهم أصابهم الهرم والشيخوخة وما فعلوا شيئا. ما بعد الاستعمار ستتغير فيه مصطلحات الغرب في عالم السياسة من لغة امن إسرائيل الى لغة ومفهوم امن المنطقة.

عندما تصحو من النوم، لا احد يعيدك إلى النوم إلا باختيارك، ونحن في صحوتنا العربية، لن يتكلم معنا الغرب كما لو كنا نياما.