خبر عملية « إيلات ».. دلالات وتداعيات ..صالح النعامي

الساعة 09:25 ص|23 أغسطس 2011

عملية "إيلات".. دلالات وتداعيات  ..صالح النعامي

على الرغم من أن الغموض لا يزال يكتنف الكثير من التفاصيل المرتبطة بعملية إيلات، وعلى الرغم من أن هناك الكثير من المؤشرات التي تدلل على أنه لا يوجد أي أساس منطقي يدعم الزعم الإسرائيلي بأن منفذي العملية قدموا من قطاع غزة، إلا أن ما حدث يدلل على أن تل أبيب ستكون مطالبة بإعادة تقييم عقيدتها الأمنية، التي قامت على أساس أنّ توقيع اتفاقية مع مصر سيضمن هدوء الحدود الجنوبية للكيان الصهيوني إلى أمد غير محدد. لقد استفادت إسرائيل بالفعل من حرص الرئيس المخلوع حسني مبارك الخاص على فعل كل ما من شأنه التدليل على التزامه بالحفاظ على الأمن الإسرائيلي، مما جعل الحدود بين الجانبين هي الأكثر هدوءًا من بين الحدود الأخرى.

 

تحول هائل

 

وقد وجد هذا الواقع ترجمته بشكل واضح وجلي في تخصيص الجيش الإسرائيلي قوات محدودة جدًا للحفاظ على سلامة هذه الحدود. ومن المؤكد أنّ ما حدث يعطي مغزًى إضافيًا للعبارة الشهيرة التي أطلقها وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعازر في حينه عندما وصف مبارك بأنه "كنز استراتيجي" لإسرائيل.

 

ما جرى سيدفع صناع القرار في تل أبيب إلى إعادة تقييم بنود النظرية الأمنية، وهذا يعني أولًا وقبل كل شيء إحداث تغيير جذري في حجم القوات المخصصة لتأمين الحدود، علاوة على التوجه نحو إدخال تغييرات بنيوية في تركيبة الجيش الإسرائيلي.

 

إن أحد أهم الإجراءات التي سيكون الجيش الإسرائيلي مطالبًا بالقيام بها هو إعادة بناء قيادة المنطقة الجنوبية. فالعملية وما أسفر عنها من توتر غير مسبوق بين إسرائيل ومصر يشعل الكثير من الأضواء الحمراء في دوائر صنع القرار الصهيوني، وسيجبرها على التعامل مع سيناء على أساس أنها مصدر تهديد إستراتيجي، وعلى الرغم من أن إسرائيل ظلت تتحدث عن التحولات التي ستشهدها المنطقة في أعقاب ثورات التحول الديمقراطي التي تجتاح الوطن العربي، إلا أنها أخفقت في تقدير ردة الفعل المصرية الرسمية بعد أن قامت بقتل خمسة من جنودها، حيث لم تتوقع تل أبيب أن تقدم مصر بعد مبارك على خطوة ذات مغزى، مثل استدعاء السفير المصري من تل أبيب ومطالبة حكومة تل أبيب بتقديم اعتذار رسمي. وقد تنافس المرشحون للرئاسة في مصر على مهاجمة إسرائيل والمطالبة باتخاذ خطوات قاسية ضد تل أبيب، مثل إغلاق السفارة الإسرائيلية في القاهرة، في حين أن هناك أساسًا للاعتقاد بأن ردة الفعل الجماهيرية المصرية ستكون عاملاً مؤثرًا على مسار العلاقات الإسرائيلية المصرية بعد الثورة، وهو ما يعني أن هذه العملية تعكس حجم التغير الذي حصل في البيئة الاستراتيجية الإسرائيلية بعد ثورات التحول الديمقراطي في الوطن العربي.

 

تبرير ضرب غزة

 

لقد سارعت إسرائيل منذ اللحظة الأولى، وقبل أن تنتهي العملية، إلى الزعم بأن منفذي هذه العملية قدموا من قطاع غزة، بل ووصل الأمر إلى حد تبرير اغتيال القائد العام للجان المقاومة الشعبية أبو عوض النيرب بالقول: إن "اللجان" هي من خطََّط ونفَّذ العملية، في الوقت الذي نفت فيه "اللجان" ذلك بشدة بشكل رسمي. ولأن الحديث يدور عن عملية شارك فيها عدد كبير من المنفذين، فإن نفي "اللجان" المسؤولية عن العملية يكتسب مصداقية، ويفضح مزاعم إسرائيل، ويدلل على أن المسارعة إلى تحميل غزة المسؤولية عن الهجوم هدف إلى تبرير تنفيذ قائمة من الأهداف سعت إسرائيل إلى ضربها منذ وقت بعيد في قطاع غزة.

 

لكن على الرغم من كل ما تقدم، فإن إسرائيل على ما يبدو غير معنية بتنفيذ عملية واسعة النطاق في أعقاب ما جرى، على اعتبار أن هذا لن يخدم مصلحتها الاستراتيجية قبل استحقاق أيلول، حيث من المقرر أن تبحث الأمم المتحدة الطلب الفلسطيني بحصول دولة فلسطين على عضوية الأمم المتحدة، فمشاهد القتل والتدمير التي تطال المدنيين لن تخدم المصلحة الإسرائيلية في منع أكبر عدد من الدول من تأييد الطلب الفلسطيني.

 

الإيقاع بين حماس ومصر

 

ومما لا شك فيه أن تحميل غزة المسؤولية عن عملية "أم الرشاش" يهدف أولًا وقبل كل شيء إلى محاولة الإيقاع بين حماس ومصر. فإسرائيل تعتقد أن الحكومة المصرية سترى في توجه أي طرف فلسطيني للقيام بعمليات ضد إسرائيل انطلاقًا من سيناء أنه يمكّن إسرائيل من استدعاء الضغوط الدولية على مصر بعد الثورة ويقيد حركتها. وتعتقد إسرائيل أن الضغوط الدولية التي ستنهال على مصر ستخدم المصلحة الاستراتيجية المصرية، وقد تجبر الأجهزة الأمنية المصرية على مواصلة التعاون الأمني مع تل أبيب، بشكل يفضي إلى تحقيق أهداف ذات مستوى استراتيجي، لاسيما التعاون مع الإسرائيليين في القضاء على ظاهرة تهريب السلاح إلى قطاع غزة، ومحاولة تقييد قدرة أي حكم مصري في المستقبل على فتح صفحة جديدة في العلاقات بين القاهرة وحماس.