خبر تربية على البراغماتية -يديعوت

الساعة 07:56 ص|23 أغسطس 2011

تربية على البراغماتية -يديعوت

بقلم: يارون لندن

(المضمون: يرى الكاتب ان قادة حماس جميعا ما يزالون بعيدين عن البراغماتية ويرى القضاء الجسماني عليهم قبل ذلك - المصدر).

        يقول مبدأ معروف ان المنظمات المقاتلة تصبح معتدلة منذ تتولى الحكم. فالحماسة العقائدية التي تغلي فيهم تبرد من اجل الحاجة الى إرضاء جماهير الشعب التي تطلب الخبز والسكينة. فقادتهم ذوو الأمزجة الثورية ينشئون بيروقراطية ترتب الحياة اليومية المعتادة ويضطرون الى الهوادة مع الأعداء في الخارج والداخل، ويفسرون الوثائق التأسيسية لحركاتهم بحيل مدروسة تعادل بين المراد والممكن.

        إن طبيعة الانسان تُغير ايضا صبغة الحركات الثورية: فبعد سنين من معايشة الخطر في العصابات السرية أو في السجون أو في ميادين القتال، يحظى قادتها بوظائف حسنة، ويتمتعون بمعاملة احترام، ورويدا رويدا يصبحون برجوازيين ويتحولون من ثوار شباب متحمسين الى ساسة مرنين استقرار مكانتهم لا يقل أهمية عندهم من تحقيق الأحلام التي حلموا بها قبل أن ينتصروا على الشياطين الذين ورثوهم.

        يوجد من يزعمون انه ينبغي تطبيق هذا المسار المعروف ايضا على قادة حماس. فأول اهتماماتهم الآن هو تثبيت سلطتهم وأن يحظوا باعتراف الأمم وأن يتغلبوا على منظمة التحرير الفلسطينية في الصراع على رئاسة الشعب الفلسطيني. ويقولون ايضا ان حماس بخلاف منظمات فلسطينية عاصية ليست جيشا فقط بل حركة اجتماعية مهمة تستعمل مؤسسات دينية واجتماعية مثل الحركة الأم التي ولدت منها وهي "الاخوان المسلمون".

        من هنا ينبع استنتاج سياسي يؤمن به فريق من المختصين بل فريق من القيادة الاسرائيلية، فهم يرون انه ينبغي تفهم الواقع الاجتماعي الذي نشأت حماس على أساسه ومعرفة عمق جذورها التي لا يمكن اقتلاعها. ينبغي ترويضها بحذر من غير إفضاء الى انهيارها. لانه اذا انهار حكمها فسيسود القطاع اضطراب وستنافس منظمات ارهابية شتى صغيرة وفتاكة بعضها بعضا في هجومها على اسرائيل. وحينما تختفي العوامل القسرية البراغماتية التي تضائل حرية عمل حكومة حماس، سنضطر الى دخول القطاع بقوة عظيمة وطرد الارهابيين عديمي المسؤولية عن جمهور "الارهابيين ذوي المؤسسات". من الخسارة اضاعة الدم الذي دفعه اليهود والفلسطينيون مقابل الاستكمال العملي الذي جرى على "الممأسسين".

        ويقولون ايضا اننا سنحادث حماس "في نهاية الامر" واننا في الحقيقة نحادث الآن ناسها بواسطة ناس وسطاء. وعلى هذا يحسن أن نحادثها اذا احتاج الامر بشرط ألا نحتاج الى عملية "رصاص مصبوب" اخرى أو وهو اسوأ – الى عملية تحتاج منا الى بقاء طويل في جحر الأفاعي الغزي.

        يمكن التعرف على ضعف هذه المزاعم من تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية. كان للاستيطان اليهودي منذ بدئه محادثون في معسكر العدو غير انهم أُسكتوا بالرصاص والسكاكين على أيدي عناصر أكثر تطرفا منهم. وهذا ما كان في فترة "التمرد العربي" في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وكان في عشرات السنين التي مرت منذ تم انشاء فتح. لم تستطع منظمات ارهابية صغيرة، وقد ارتدى بعضها بفخر معطفا ماركسيا، لم تستطع ان تتحمل حتى حيل فنان الكذب ياسر عرفات برغم أن قادتها عرفوا (ما لم يفهمه أكثرنا) انه لا ينوي ألبتة الوفاء بالتزامه بانشاء سلام معنا.

        وها هو ذا تغيير في الظاهر. وممثلا التغيير البارزان هما أبو مازن وسلام فياض. إن رئيس حكومة السلطة الفلسطينية هو أول براغماتي بلغ سدة الحكم الكثيرة التأثير من غير أن يقتله مستعملو السكاكين، ويمكن ان نفسر هذا فقط بواسطة فرض ان شيئا ما قد حدث للوعي الشعبي الفلسطيني وأننا حطمنا ارادة الفلسطينيين في مناطق الضفة للانتصار علينا بقوة السلاح وحطمنا ارهاب المنتحرين ايضا.

استنتاجي هو أن قادة حماس ("الذراع العسكري"، و"الذراع السياسي" وسائر "الاذرع" التي تنبتها هذه الحركة) لم يُنهوا اعدادهم لسياسة براغماتية. والى أن يُنهوه يجب "فصل رؤوسهم عن أجسامهم"، كما قال وزير الدفاع، من غير تهذيب مبالغ فيه.