خبر من السابق لأوانه تأبينه... معاريف

الساعة 12:26 م|21 أغسطس 2011

من السابق لأوانه تأبينه... معاريف

بقلم: عميت كوهين

(المضمون: يُجمع الخبراء الاسرائيليون والامريكيون في الشؤون السورية على أن الرئيس بشار الاسد لا يزال يستطيع حماية نظامه من الانهيار - المصدر).

في بداية الشهر ظهر سفير الولايات المتحدة في دمشق، روبرت فورد، أمام لجنة خاصة بمجلس الشيوخ. الاضطرابات في سوريا استمرت أكثر من اربعة اشهر، دون أي تغيير من جانب النظام السوري أو من جانب الاسرة الدولية، ولكن فورد سمح لنفسه بأن يكون متفائلا. فقد قال فورد انه "حان الوقت لأن نبدأ بالتفكير باليوم التالي للاسد. 23 مليون مواطن سوري بدأوا منذ الآن يفكرون بذلك".

"أعتقد أننا والشعب السوري شركاء في الرؤيا بأن سوريا يمكنها أن تصبح دولة حرة وديمقراطية يقوم فيها الحكم على أساس ارادة الناس"، قال فورد، "مثلما قال الرئيس (اوباما) فان سوريا ستكون مكانا أفضل عندما يبدأ تحولها نحو الديمقراطية". وأعرب الدبلوماسي الكبير عن أمله في أن تبدي سوريا، بعد الاسد، تسامحا دينيا وتؤدي دورا ايجابيا في المنطقة.

وجاءت اقوال فورد بالتوازي مع بدء رمضان، الشهر المقدس للمسلمين. منذئذ قتلت قوات الحكم السوري قرابة 500 مواطن. الجيش السوري واصل استنزاف مدينتي حماة ودير الزور، اللتين تتصدران المظاهرات. في الاسبوع الماضي أُرسل سلاح البحرية ايضا الى المعركة وبدأ يقصف الأحياء الجنوبية من مدينة اللاذقية. وكما يبدو الامر حاليا، فان "اليوم التالي للاسد" قد يتأخر قليلا.

أتذكرون حماة؟

"اذا كنا قبل سنتين واثقين من أن نظام الاسد سيبقى الى الأبد، فاليوم بات هذا بلا ريب واقعا آخر"، يقول البروفيسور إيال زيسر، عميد كلية العلوم الانسانية في جامعة تل ابيب، "أن نقول هذا هو؟ لا أدري. كل شيء لا يزال مفتوحا، الاسد يقاتل في سبيل حياته، وهو نازف، ولكنه لا يزال صامدا. لا يزال لا يوجد تفكك تام. اليوم من الواقعي الحديث عن اليوم التالي، فنحن في وضع لم يعد يفاجيء أحدا، ولكني أتردد في أن أقول إننا قريبون من ذلك".

اعمال القتل الجماعية في مدينة حماة والتي بدأت تماما مع بدء رمضان، تخلق احساسا معينا بالحدث المتكرر. في العام 1982 بعث حافظ الاسد الجيش الى حماة كي يسحق نهائيا تمرد منظمة الاخوان المسلمين. وذبح رجال الاسد سكان حماة وخلفوا وراءهم أعدادا شبه خيالية من القتلى – بين عشرة آلاف وثلاثين ألف قتيل.

ولكن د. يهودا بلنغه، من دائرة دراسات الشرق الاوسط في جامعة بار ايلان، يذكر أن مذبحة 1982 كانت ذروة تمرد بدأ في العام 1976. "انتفاضة الاخوان المسلمين استمرت ست سنوات"، قال د. بلنغه. "في حينه ايضا تحدثوا عن اليوم التالي للاسد، حافظ الاسد. قالوا انه لن يخرج من هذا. ولكن بعد أحداث حماة انتعش الاسد من الازمة بل وخرج معززا".

كما أن د. بلنغه يعتقد بأن التغيير السلطوي في سوريا ليس واقعا منتهيا. "يحتمل أن يمر وقت طويل الى أن يحدث التحول الذي يريد الامريكيون والاوروبيون أن يروه"، يقول بلنغه، "فالاسد يستخدم اساليب قمع وحشية، فظيعة، ولكن في نهاية المطاف ينجح في البقاء. فهو يقمع بعنف البؤر الأساس، ولا يسمح للاحداث بالانتقال الى دمشق نفسها. حلب ايضا، المدينة الثانية في حجمها في سوريا، بقيت هادئة".

جهاز شمولي قيد العمل

في محاولة لقمع الاضطرابات واحتوائها، يستخدم الاسد منظومة متفرعة من اجهزة الاستخبارات التي هدفها الأساس – على مدى عشرات السنين – هو حماية النظام. وتنتشر الاجهزة في كل حي، في كل قرية، بل ويراقب الواحد الآخر، لمنع الانقلابات الداخلية. أساس القمع تنفذه الاستخبارات العسكرية وقسم الاستخبارات في سلاح الجو. حسب الشهادات، فهي تنشغل باعمال الاعتقال وبالقتل المقصود للمتظاهرين على حد سواء.

تحت قوات الامن الرسمية يعمل "الشبيحة"، ميليشيا شبه عسكرية، تتكون أساسا من نشطاء حزب البعث. رجال "الشبيحة" الموالون للاسد تماما، يلبسون المدني، وينفذون أساس "العمل القذر". اجهزة الامن و"الشبيحة" يحاولون منع الاحتجاج في مهده، من خلال الاعتقالات أو تصفية النشطاء المركزيين، وفي الاسابيع الاخيرة، عندما شعر النظام بأنه يفقد السيطرة في مدينة معينة، أُرسلت وحدات الجيش لممارسة القمع الوحشي غير مكبوح الجماح.

المدينة الاولى التي استقبلت هذا التكتيك كانت درعا، جنوبي الدولة. في الاسبوعين الأخيرين جرت حملة عسكرية واسعة ضد بضع مدن، وعلى رأسها حماة، دير الزور والآن اللاذقية ايضا.

صحيح حتى الآن، يستخدم الاسد 9 فرق لقمع الثورة. القوة الأساس تعود الى فرقة المدرعات 4، الموالية لماهر الاسد، شقيق الرئيس. هذه الفرقة استخدمت ضد مدينة درعا، ومؤخرا نفذت مذبحة في مدينة حماة. كما أن الاسد بعث الى المدن السورية بفرقة من الحرس الجمهوري وفرقتين من القوات الخاصة.

جفري وايت، خبير في شؤون الشرق الاوسط في Washington institue، يعتقد ان تكتيكات النظام السوري تلبي تعريف جرائم الحرب. "اعمال العنف والقتل ضد الشعب السوري منظمة، مراقبة ومنهاجية"، يقول وايت، "اعمال قمع النظام والتكتيكات القديمة تمثل جهازا شموليا قيد العمل".

وحسب وايت، فان حجم النشاط، دور بعض الوكالات بتكليف من الحكومة السورية، التخطيط، التحكم والجهود اللوجستية، تُبين بأن هذه الاعمال موجهة، منسقة ومنفذة من الجهات الأعلى في النظام. وهو يقول انه "لا يدور الحديث عن عنف بالصدفة أو عن اخطاء، مثلما يدعي النظام احيانا. فالقوة الفتاكة تستخدم عن عمد، انطلاقا من النية لسحق الاحتجاج الموجه للنظام".

الأمل الكبير في اوساط خصوم الاسد من الداخل ومن الخارج هو نشوء شروخ داخل الجيش. السيناريو المعقول يتحدث عن "بطانية قصيرة"، تؤدي الى تآكل قدرة الاسد على استخدام الوحدات المختارة والموالية له فقط. حتى الآن برز خمسون رقم بؤرة مظاهرات في كل أرجاء سوريا. والمعارضة انتقلت الى مراكز المدن، الامر الذي اضطر فيه النظام الى العمل في محيطات أكثر تعقيدا. جراء ذلك، ازداد عدد القتلى في اوساط المدنيين. واضافة الى ذلك، اضطر النظام الى بذل الجهود في حراسة حدوده. فمن جهة، يحاول السوريون منع اللاجئين من الفرار الى تركيا لتقليص الأدلة، الامر الذي يخلق حرجا ومسا شديدا بصورة دمشق. وبالتوازي، يحاولون منع دخول رجال المعارضة ولا سيما السلاح والوسائل. التخوف هو من تسلل متطرفين اسلاميين من لبنان ومن العراق لمحاولة ضعضعة الاستقرار في الدولة أكثر فأكثر.

"رغم أن قوات النظام لم تُهزم، وامكانيات الشروخ في الجيش تبدو طفيفة، فان الآلية نحو مشاكل أكبر لا تزال قائمة"، يقول جفري وايت، "بسبب الطابع الواسع لاعمال الاخلال بالنظام، لا يمكن للنظام أن يحشد الجنود في عدد أكبر من الاماكن. الضغط المتواصل من المظاهرات سيزيد بقدر أكبر جهود الجيش، واحتمالية أعلى لمزيد من الفرار من الجيش، كلما شدد النظام العنف. اذا ما تضرر ولاء الجيش، فان النظام سيستخدم قوات الامن بقدر أكبر الامر الذي سيدفعها الى التآكل ويستنزفها. كما انه قد تنشأ معارك بين وحدات الجيش وقوات الامن".

حتى الآن الأدلة على الفرار هامشية تماما. فعندما أُرسلت الفرقة 5 لقمع الاضطرابات في مدينة درعا، فر ضباط وجنود. وتتحدث التقديرات عن العشرات حتى المئات. ومع ذلك، فليس هذا هجرا لوحدات كاملة، تقاتل الآن الى جانب الثوار، مثلما حصل في ليبيا.

وحسب د. بلنغه، فان الحكم العلوي يسيطر في دائرتي القوة الرئيستين. ولكن الدائرة الثالثة التي تسيطر في وحدات مركزية في الجيش، يديرها مسلمون سنة تحالفوا مع حزب البعث. "وهم منفذو ارادة الحكم"، يقول بلنغه، "وهم يعوضون بكثير جدا من المال، من ناحيتهم هذا النظام هو نظام جيد. نحن لا نرى كل السنة يقاتلون ضده. ولكننا نرى انه ينجح في أن يخرج من الباقين مئات آلاف الاشخاص في مظاهرات تأييد في دمشق. ليسوا جميعهم علويين. هذا النظام يؤدي دوره في نظرهم. وهم يواصلون العيش ولا يتضررون من النظام".

مؤخرا نفذ الاسد تغييرات في القيادة الامنية. وزير الدفاع علي حبيب أُطيح من منصبه، وبدلا منه عُين رئيس الاركان داود رجحة. اختيار رجحة، ضابط عديم الاهمية ظاهرا، لم يكن بالصدفة. رجحة هو المسيحي الاول الذي يُعين في المنصب الرفيع. فور ذلك عين الاسد في منصب رئيس الاركان جاسم فريج، مسلم سني من مدينة حماة. وهكذا سعى الى الاشارة بأن سلطته توجد فوق خلافات الرأي الطائفية، وألمح للأقليات بألا تغريهم المغامرات.

وبالفعل، مثلما قال البروفيسور زيسر، فان صورة الاحتجاج في سوريا ليست الأقلية العلوية (التي تبلغ نحو 12 في المائة) ضد باقي الدولة. "نصف السكان السوريون هم مع الاسد"، يقول زيسر، "الدروز والمسيحيون يفضلونه على الآخرين. هم يفضلون حكما علويا علمانيا برئاسة بشار على حكم الاغلبية السنية. تاجر مسيحي في دمشق لن يقاتل من اجل بشار، ولكنه لن يخرج للتظاهر ضده. أجزاء كبيرة يفضلون أن يبقى". وفي اوساط السنة ايضا لا يسارع الجميع الى التغيير. فالسنة في المدن الكبرى، ولا سيما في دمشق وحلب، يشكلون القطاع التجاري. وقد عقدوا تحالفا مع الحكم العلوي ويسرهم الاستقرار الذي يتيح لهم مواصلة نمط حياتهم. تخوفهم هو بالطبع من سيطرة التيار الاسلامي. ويقول زيسر ان "هذه قصة محيط فقير حيال المركز الغني".

لن تكون ديمقراطية

أحد الاسباب المركزية للغموض حول مستقبل سوريا هو هوية المعارضة. التقدير هو مثل الاحداث في مصر وفي تونس، لا توجد منظمة واحدة أو قيادة موحدة تقود الاحتجاج. "المعارضة السورية هي علبة سوداء"، يقول جوشوع لندس، مدير مركز بحوث الشرق الاوسط في جامعة اوكلاهوما.

وحسب لندس، بعد اربعين سنة من القمع، أحد لا يعرف كيف تبدو المعارضة، ولكن التقدير هو ان الحديث يدور عن شظايا منظمات، كل واحدة ذات أجندة مختلفة، توحد الآن صفوفها.

أساس المظاهرات تنظمها لجان محلية، تستغل شبكة الانترنت في محاولة لخلق جبهة واحدة مع رسائل موحدة. هذه اللجان، التي بدأت بتنسيق أحداث الاحتجاج داخل الجماهير المحلية، تحولت بالتدريج الى "لجان التنسيق المحلية لسوريا"، منظمة عليا للتنظيمات من معظم المدن والبلدات في أرجاء الدولة. "المنظمة تقدم المساعدة في تنسيق نشاطات اللجان المختلفة، في التحرك الميداني، في نشر البيانات المشتركة بمواقفنا السياسية"، كما يدعي رجال المعارضة السوريين في موقعهم على الانترنت، "نحن صوت المواطن الصغير، الذي يتظاهر في الشارع".

ابراهيم حزان، الناطق بلسان لجان التنسيق المحلية، يوافق على أن المعارضة السورية غير منظمة جيدا، ولكن في نظره هذا جزء من قوتها. على حد قوله الامر يدل على أصالة الاحتجاج. ويوضح حزان بأن كل معارضي النظام موحدون حول ثلاثة مطالب: الوحدة الوطنية، معارضة التدخل الدولي والمظاهرات غير العنيفة. "السيناريو الليبي هو تهديد. نحن لا نريد أن يحصل شيء كهذا في سوريا"، يقول حزان.

البروفيسور زيسر هو الآخر يُقدر بأن يحتمل أن يتصاعد العنف، ولكن سوريا لن تنتقل الى حرب أهلية. "أنا ايضا لا أرى سيناريو انقلاب بلاط"، يقول، "الحكم العلوي يعرف بأن المشكلة ليست لدى بشار نفسه، بل في طبيعة الحكم". د. بلنغه يرى امكانية مثل هذا الانقلاب، فقط اذا ما وصلت محافل داخل الطائفة العلوية الى تسوية ما مع السنة، تُغير تماما طبيعة الحكم في الدولة.

"أنا لا أرى سيناريو تصبح فيه سوريا بعد الاسد ديمقراطية"، يقول بلنغه، "لا اعتقد ان الشعب السوري ناضج لذلك. أفترض أن منظمات المعارضة التي دعت الى تغيير وطني ديمقراطي، ستحاول العمل. ولكن بين اسقاط النظام وبين تثبيت الوضع في اليوم التالي، كل شيء يمكن أن ينهار. من الصعب التخمين ماذا سيحصل هناك". ويذكر بلنغه بأن الاكراد مثلا ينتمون الى تحالف معارضة النظام. "الاكراد، الذين هم 10 في المائة من السكان، يتطلعون الى الحكم الذاتي"، يقول بلنغه، "ولكن من غير المعقول أن السنة الذين يحلمون بسوريا الكبرى، سيسمحون لهم بالانفصال لاقامة كيان سياسي". تركيا هي الاخرى بالطبع، سترى في مثل هذا السيناريو تهديدا مباشرا عليها، الامر الذي سيضعضع الاستقرار.

في ضوء انعدام اليقين، من الصعب القول ان سقوط الاسد سيخدم المصلحة الاسرائيلية. داخل اسرائيل هناك من يعتقد بأن بالذات الحفاظ على الوضع القائم قدر الامكان هو الخيار الافضل، وذلك لانه يدفع الحكم السوري الى الانشغال في الشؤون الداخلية، ويخلق توترا في اوساط حلفائه الطبيعيين ايضا: ايران، حزب الله وحماس.

"رأي اسرائيل غير ذي صلة لان الوضع ليس في يدها"، يقول البروفيسور زيسر. ومع ذلك، فانه يقدر بأن سقوط بشار من شأنه أن يعرض للخطر الهدوء على طول الحدود السورية.

"نحن لا نعرف من سيصعد مكانه، وأي قوة سيُدخل"، يوافق د. بلنغه، "بشار نحن نعرفه. صحيح انه يخضع لنفوذ ايران وحزب الله، ولكنه احيانا يعمل ايضا كعامل معتدل. نحن نعرف السلوك العسكري والسياسي لديه. بل اننا تحدثنا معه في الماضي. يحتمل ان يكون من الافضل في هذه اللحظة أن يبقى هذا الرجل. بالتوازي، على اسرائيل ان تعمل في كل سبيل ممكن كي تحاول الاستعداد لما يحصل في اليوم التالي. في هذه اللحظة من الصعب جدا وصف هذا اليوم".