خبر بين الاستقالة والاعتذار- نظرة عليا

الساعة 08:54 ص|18 أغسطس 2011

 

 

بين الاستقالة والاعتذار- نظرة عليا

بقلم: عوديد عيران وغاليا ليندنشتراوس

بيان رئيس الاركان التركي وقادة اذرع البر، البحر والجو في الجيش التركي عن اعتزالهم هو عمليا النهاية لعملية تحييد الجيش في تركيا كلاعب سياسي ذي مغزى. هذه العملية توجد في مركز الثورة الهادئة التي تمر على تركيا منذ صعود حزب العدالة والتنمية الى الحكم لاول مرة في اواخر 2002. فقد نجح هذا الحزب في قضم مكانة الجيش الذي اعتبر كـ "الدرع" العلماني في تركيا والمس بهذا الجانب وبجوانب اخرى من تراث أتاتورك. لعملية تحييد القوة السياسية الداخلية والخارجية للجيش توجد أهمية أولا وقبل كل شيء بالنسبة لما يجري داخل تركيا ولكن له معان أيضا في سياق سياسة الخارجية والامن، ولا سيما العلاقات مع اسرائيل.

التغييرات الدراماتيكية في تركيبة قيادة الجيش التركي تؤدي الى تبدد الآمال، هذا اذا كانت قائمة، في أنه يمكن اعادة احياء العلاقة الامنية بين اسرائيل وتركيا. التغييرات الشخصية في الجيش، الى جانب لوائح الاتهام التي رفعت بحق عشرات الضباط تؤدي الى وضع لا تكون فيه محاولة من جانب الجيش للتشكيك بسياسة الحكومة بالنسبة لاسرائيل. فضلا عن ذلك، بعد نجاح رئيس  الوزراء التركي رجب طيب اردوغان وحزبه في قضم مكانة الجيش، فانه سيبذل جهوده للحفاظ على هذا الانجاز ومنع الجيش من النمو من جديد كلاعب ذي نفوذ سياسي هام في الساحة التركية الداخلية.

في هذا السياق، يطرح السؤال هل في هذه الظروف يوجد معنى في أن تعتذر اسرائيل لتركيا عن نتائج السيطرة على مرمرة. فقد عادت تركيا لتشدد على أنها لن تتنازل عن شرط الاعتذار لغرض ترميم العلاقات، الى جانب تعويضات ورفع الحصار عن غزة. المندوب التركي للجنة التي عينها الامين العام للامم المتحدة للتحقيق في أحداث الاسطول، لجنة بالمر، في محاولة لتقليص شدة عمل الاتفاق بين الدولتين، شبه ما حصل بسكب كأس قهوة بالخطأ، في أعقابه يجب الاعتذار والدفع لقاء الغسيل الجاف. التشبيه غير دقيق لاسباب عديدة، ولكن هذا عمليا عمق الاعتذار الذي تستطيع اسرائيل اطلاقه اليوم. بمعنى، اعتذار محدود يتركز على الاخفاقات العملياتية.

الى جانب حقيقة أن الاعتذار، اذا ما اطلق، لن يؤدي الى تغيير هام في البعد الامني للعلاقات بين اسرائيل وتركيا، ثمة بضعة عوامل يمكنها أن تشرح الاستعداد الاسرائيلي لاعتذار محدود. هذه العوامل، من شبه اليقين ستؤثر على علاقات اسرائيل – تركيا في الزمن القريب القادم، حتى لو لم يتمكن الطرفان من الوصول الى تسوية الان.

العامل الاول هو ضغط من جانب الولايات المتحدة. فعلاقات اسرائيل – تركيا ليست متبادلة فقط، بل هي منذ سنين عديدة جزء من مثلث، تشكل الولايات المتحدة فيه ضلعا هي ايضا. "الربيع العربي" أكد أهمية تركيا كحليف اقليمي بالنسبة للولايات المتحدة. وينبع الامر من حقيقة أن الحلفاء الاخرين للولايات المتحدة في الشرق الاوسط ضعفوا جدا و/أو مروا بسياقات تغيير تجعلهم أقل مصداقية من ناحيتها. في هذا السياق، فان تدهور العلاقات بين اسرائيل وتركيا الذي سبق "الربيع العربي" واعتبر في نظر الولايات المتحدة كتطور سلبي، يعتبر اليوم اشكاليا أكثر بكثير. فالولايات المتحدة تمارس ضغوطا عديدة على اسرائيل وتركيا لترميم العلاقات بينهما. من ناحية الولايات المتحدة، بالقياس الى كل المشاكل العسيرة الاخرى القائمة في الشرق الاوسط، فان العلاقات العكرة بين اسرائيل وتركيا هي مثابة "خلل مؤقت" يجب معالجته قبل ان يحدث نتائج سلبية اخرى.

عامل آخر هو الحاجة لعلاقات عمل سليمة بين اسرائيل وتركيا في ضوء التغييرات التي وقعت في الشرق الاوسط، وعدم الاستقرار النابع من "الربيع العربي"، ولا سيما في سوريا. وكما اشير، فليس استئناف العلاقات الامنية في المستوى الذي كان قائما في التسعينيات هو الذي يجب ان يقف على جدول الاعمال، بل التعاون بالمستوى الاساس، مثلا، في حالة احتدام عدم الاستقرار في سوريا أكثر فأكثر. اسرائيل، مثلما قال مؤخرا وزير الدفاع ايهود باراك لا يمكنها أن تسمح لنفسها الا تكون لها علاقة مع واحدة على الاقل من الدول الاساس في المنطقة: مصر، ايران، السعودية وتركيا. التغييرات في مصر وانعدام اليقين بالنسبة لمستقبل الدولة، المواجهة العلنية مع ايران وحقيقة أنه لا يكاد يكون أي اتصال مع السعودية تملي تحسينا معينا للعلاقات مع تركيا.

عامل آخر، هو محاولة حماية الجنود الذين شاركوا في السيطرة على مرمرة من دعاوى قضائية. التخوف من أن يشكل تقرير بالمر – عند نشره – أساسا لدعاوى ضد جنود الجيش الاسرائيلي والمحاولة لنيل موافقة تركية على الا ترفع دعاوى كهذه تشكل عاملا آخر يساهم في الاستعداد الاسرائيلي لاعتذار محدود. يطرح السؤال فيما اذا كان هذا هو الدافع الاساس لاسرائيل ام ان هذا هو ايضا الطريق لتهيئة الرأي العام الاسرائيلي لقبول الاعتذار الذي تعارضه أغلبية الجمهور. يبدو مع ذلك أن الساحة القانونية في اسرائيل اقتنعت بانه لن تكون "ذيول" قانونية بعد الاعراب عن الاعتذار.

عامل آخر هو العلاقات التجارية بين الدولتين. العلاقات الاقتصادية تنجح في التطور والتوسع الى جانب التوتر السياسي، ضمن امور اخرى في ضوء كون تركيا واسرائيل اقتصادان مكملان بمفاهيم عديدة. حكومة العدالة والتنمية شددت جدا على استخدام أدوات السياسة الخارجية لغرض تطوير الاقتصاد التركي ايضا. اضافة الى ذلك، اذا احتدم التوتر بين الدولتين، فان المزيد فالمزيد من رجال الاعمال في الطرفين من شأنهم ان يخافوا التعاون.

من جهة اخرى، يجب الاخذ بالحسبان بان كل تفاهم في علاقات اسرائيل مع الفلسطينيين ولا سيما في قطاع غزة سيشطب قسما من النتائج الايجابية التي قد تنشأ عن الاعتذار، سواء زار اردوغان القطاع أم لا. فضلا عن ذلك فان اعتزال قادة الجيش وتخوف الاخرين سيقلصان الحوار بين اسرائيل وتركيا الى مستوى الموظفين في وزارة الخارجية مع كل ما ينطوي عليه ذلك من معنى.

وختاما، اعتزال قادة الجيش هو نهاية مسيرة تجري منذ عدة سنوات اساسها ضعف الجيش التركي كلاعب سياسي في الساحة السياسية الداخلية والخارجية لتركيا. هذا وضع غير مريح لاسرائيل كون الجيش التركي هو الذي دفع في الماضي نحو التعاون الوثيق معها. اضافة الى ذلك، يجب الاعتراف بان هذا وضع لا مرد له في المستقبل المنظور، وان القضم في القوة السياسية للجيش له تأييد واسع في الجمهور التركي. كما أن هناك اجماع جار في تركيا على أن اسرائيل يجب أن تعتذر عن احداث الاسطول. توجد علامات استفهام حول هل الاستعداد الاسرائيلي لاعتذار محدود سيرضي الجمهور في تركيا واصحاب القرار هناك. مثل هذا الاعتذار المحدود لن يعيد العلاقات الاسرائيلية – التركية الى الوضع الذي كانت عليه في التسعينيات. ولكن توجد أسباب هامة تدفع اسرائيل الى الاعراب عن الاستعداد لمثل هذا الاعتذار وهي تتعلق اساسا بالتغييرات الاستراتيجية ونشوء محتمل لميزان استراتيجي جديد في المنطقة.