خبر المفاوضات ... المصالحة ... التّدويل .. هاني المصري

الساعة 11:04 ص|17 أغسطس 2011

المفاوضات ... المصالحة ... التّدويل .. هاني المصري

إذا كانت العوائق النفسية والخلافات القابلة للجسر والحكومة المتطرفة الإسرائيلية الحالية ما يمنع توصل المفاوضات إلى حل، فيمكن إزالة هذه العوائق من خلال "مفاوضات" تسمى مباحثات ولقاءات يعقدها الرئيس الفلسطيني مع الرئيس الإسرائيلي، أو يعقدها رئيس الوفد المفاوض الفلسطيني مع مستشاري رئيس الحكومة الإسرائيلية، أو من خلال المبعوثين الأميركيين والأوروبيين والدوليين، أو من خلال المناداة باعتماد خطاب أوباما الذي لا يصلح أساسًا ولا مرجعية للمفاوضات حتى لو وافقت الحكومة الإسرائيلية عليه.

وإذا كانت العوائق السابقة هي التي منعت في السابق وستمنع لاحقًا نجاح المفاوضات، فلا يكون التدويل في هذه الحالة متناقضًا مع المفاوضات، ولا يستهدف المس بشرعية إسرائيل وعزلها، بل يمهد الطريق لاستئناف المفاوضات قبل أو بعد اللجوء إلى الأمم المتحدة. فالبديل عن المفاوضات هو المفاوضات "زائد" التدويل، وفي هذه الحالة يكون تقطيع الوقت لحين تغيير الحكومة الإسرائيلية الحالية بحكومة قابلة للتوصل إلى تسوية هي السياسة الحكيمة التي يمكن اتباعها.

إن الذي منع وصول المفاوضات إلى حل، أنّ إسرائيل في المحصلة، وليس الحكومة الإسرائيلية فقط، معادية للسلام، وتقطع الطريق على التوصل إلى تسوية متوازنة تستند إلى القانون الدولي وميثاق وقرارات الأمم المتحدة.

فإسرائيل متعنتة، وتعتقد أنها من خلال القوة والعدوان ودعمها المطلق من الولايات المتحدة الأميركية، وتمتعها بتفوق كاسح في ميزان القوى، وفي ظل التواطؤ الدولي معها، وفي ظل حالة الهوان والتبعية والفساد والتجزئة العربية، والانقسام الفلسطيني بين سلطتين يشغلهما الصراع فيما بينهما عن مواجهة ما يفترض أنه عدوهما المشترك، وهو الاحتلال الإسرائيلي.

في ظل هذا الواقع إسرائيل لا تجد نفسها مضطرة لقبول تسوية متوازنة للصراع، بل تطمع وتلح وتعمل من أجل فرض الحل الإسرائيلي، وإذا تعذر ذلك فليبق الوضع الراهن (في ظل "عملية سلام" دون سلام ومع استمرار المساعي الدولية لإدارة الصراع لا حله) لأن هذا الواقع يساعد إسرائيل على توظيف المفاوضات والجهود الدولية والدعم الدولي للسلطة، لإزاحة عبء الاحتلال عن إسرائيل ويساعدها على التغطية لاستكمال تطبيق مخططاتها التوسعية والاستيطانية والعنصرية، وقطع الطريق على جميع الجهود والمبادرات والخيارات والبدائل الأخرى المفضلة لدى الفلسطينيين والمرفوضة إسرائيليًا.

في هذا السياق، فإن أهمية التوجه إلى الأمم المتحدة في ألا يمس جميع الحقوق الوطنية الفلسطينية خصوصًا حق العودة ومكانة منظمة التحريرالفلسطينية السياسية والقانونية، وأن يكون جزءًا من إستراتيجية بديلة متكاملة عن إستراتيجية المفاوضات الثنائية، أي بداية لتغيير المسار الراهن بمسار جديد مختلف كليًا. فهناك فرق جوهري حاسم بين اعتبار تدويل القضية استمرارًا أو تكتيكًا لتحسين شروط المفاوضات، أو مجرد رد فعل على فشل المفاوضات، أو اختيار أهون البدائل الممكنة وليس أنجعها، أو أن يكون في هذه الحالة مجرد استراحة وتقطيع للوقت يتبعها العودة إلى المسار العقيم عند توفر الوقت المناسب، أو أن يكون إحدى ثمرات اعتماد مسار جديد يعطي الأولوية لإعادة الاعتبار للبرنامج الوطني وللكفاح من أجل تحقيقه ولإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الحقيقية والبعد العربي الضروري لإنجاز القضية الفلسطينية.

إذا كان التدويل استمرارًا لمسار المفاوضات الذي أوصلنا إلى ما نحن فيه، إلى الكارثة، فإ، ما سيناسبه ما يأتي:

عدم خوض مجابهة مع الإدارة الأميركية سواء في مجلس الأمن من خلال تقديم طلب الحصول على العضوية الكاملة والإصرار على التصويت عليه أثناء الدورة القادمة للأمم المتحدة، أو فيما يتعلق بالإصرار على تدويل القضية واستعادة مرجعية القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة كشرط ملزم لاستئناف المفاوضات على أسس وشروط جديدة.

عدم التوجه الجدي لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وجعلها وحدة حقيقية، بل يناسبه تعليق المصالحة، وتحويلها إلى "عملية" بدون مصالحة مثل عملية السلام التي تحولت إلى عملية دون سلام، وركزت مثلما تم الاتفاق بالاجتماع الأخير في القاهرة بين فتح وحماس على تنفيذ خطوات بناء الثقة وتأجيل القضايا الجوهرية حتى إشعار آخر.

عدم إعطاء الأولوية لتعزيز عوامل الصمود وتنظيم مقاومة شاملة تتجاوز "المقاومة المختبرية" و"الرمزية" و"المحلية" التي يشارك فيها جزء صغير من الشعب، بينما بقية الشعب يبقى في حالة انتظار بين مؤيد ومصفق وبين منتقد ومستخف على أساس أنّ لا جدوى إلا بالمقاومة المسلحة، وبين من يريد تحويل المقاومة الرمزية إلى مقاومة شعبية شاملة.

لا يمكن أن يكون الشغل الشاغل للسلطة هو الخوف من المقاومة الشعبية والاستعداد لحصرها في تظاهرات في المدن بعيدًا عن نقاط الاحتكاك مع المستوطنين وحواجز وجنود الاحتلال، والتوقع مع ذلك بأن التدويل سيحقق الأهداف المتوخاة منه، فالدولة تقام هنا على أرض فلسطين وعلى أساس إنهاء الاحتلال وليس في أروقة الأمم المتحدة مع أهمية أي إنجازات سياسية يمكن الحصول عليها هناك.

إذا كان التدويل جزءًا من إستراتيجية شاملة طويلة الأمد متعددة الفصول والمستويات والأشكال، فلا بد من الإسراع في المصالحة حتى يخوض الشعب الفلسطيني معاركه مجتمعًا، وإلا فالنتيجة المنطقية أن يتم البحث عن مخرج من الدعوة إلى اللجوء إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة.

من المفارقات المدهشة، أن المصالحة تجمد خشية من أن تؤدي إلى عقوبات أميركية إسرائيلية، بينما يتم الإعلان عن المضي بالتوجه إلى الأمم المتحدة رغم إمكانية أن يؤدي إلى عقوبات أميركية وإسرائيلية أيضًا، فإذا كان تجنب العقوبات هو الهدف فهذا يقتضي التفكير مليًا قبل تدويل القضية وإنجاز المصالحة، أما إذا كان الهدف اختيار مسار جديد قادر على تحقيق الأهداف الوطنية التي عجز المسار القديم عن تحقيقها يمكن دراسة كيفية تجنب العقوبات أو تخفيفها أو إيجاد بدائل لها.

لا أقلل، ولا أنصح أحدًا أن يقلل من عواقب تنفيذ العقوبات الأميركية الإسرائيلية التي يتم التهديد بتنفيذها، سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو أمنية، بما فيها إلغاء أوسلو وقطع المساعدات ووقف تحويل العائدات الجمركية.

إن التقليل من مخاطر تنفيذ العقوبات لا يعني استمرار الارتهان للمساعدات المالية، وإلى الشروط الأمريكية الإسرائيلية، سواء عبر ما يعرف بشروط اللجنة الرباعية أو عدم إنجاح المصالحة والاستمرار في التنسيق الأمني وتطبيق الالتزامات الفلسطينية ولو من جانب واحد.

يمكن القبول بأن الانتقال من مسار المفاوضات الثنائية وما انتهى إليه من وقائع وحقائق والتزامات أمنية وسياسية واقتصادية لا يمكن أن يتم بقفزة واحدة، شرط أن تكون القناعة قد توفرت بضرورة تغيير المسار. بعد ذلك يمكن الاتفاق على أن يتم ذلك بالتدريج وعلى مراحل، بحيث نعرف أين نقف الآن، وإلى أين نسعى لكي نصل.

أما التذرع بالمساعدات والاتفاقات والالتزامات وقبول المجتمع الدولي، فيعني في أحسن الأحوال استمرار الوضع الراهن إلى الأبد، وفي أسوأ الأحوال سيؤدي إلى فرض حل استسلامي يصّفي القضية الفلسطينية من مختلف جوانبها.

إن الاعتراف بالواقع شرط ضروري للتعامل معه والتأثير عليه وتغييره، ولكن إذا كان الهدف النهائي معروفًا وهو تغيير واقع الاحتلال والسعي إلى توفير متطلبات تحقيق هذا الهدف مهما كان الثمن، فإن هذا يجب أن يحكم كل السياسات والإجراءات والخطوات.

أما التهديد الإسرائيلي بإلغاء اتفاق أوسلو، فهو تهديد مثير للسخرية؛ لأن ما تبقى من أوسلو هو المكاسب الإسرائيلية الهائلة من هذا الاتفاق، وإذا ألغت الحكومة الإسرائيلية أوسلو رسميًا، الذي تجاوزته هي والحكومات التي سبقتها عمليًا، فإنها مثل الذي يطلق الرصاص على قدميه، فكما قال حاييم رامون: إن احتمال تسليم مفاتيح السلطة لإسرائيل يرعبه، وكما قال دوف فايسغلاف أقرب مستشاري شارون: إن إلغاء اتفاق أوسلو حماقة أخرى، وستجلب أضرارًا فظيعة لإسرائيل.

إسرائيل تفكر مليون مرة قبل أن تلغي اتفاق أوسلو رسميًا، لأن هذا يمكن أن يؤدي إلى انهيار السلطة وعودة الصراع إلى مجراه الطبيعي كصراع بين الاحتلال والشعب الواقع تحت الاحتلال، والفلسطينيون هم من يجب أن يفكروا بالمرحلة الانتقالية وتجاوز أوسلو، وتغيير شكل ووظائف السلطة حتى لو كان هذا يحمل في طياته خطر احتمال انهيارها في غمرة الصراع المستدام مع الاحتلال الإسرائيلي.