خبر « استحقاق أيلول » بين إعلان دولة أو تحريك المفاوضات!! ..هيثم محمد أبو الغزلان *

الساعة 12:35 م|16 أغسطس 2011

"استحقاق أيلول" بين إعلان دولة أو تحريك المفاوضات!! ..هيثم محمد أبو الغزلان *

مرة أخرى تبرز مجدداً وتوضع على نار حامية مسألة إعلان دولة فلسطينية مستقلة في الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر. وحتى اللحظة ما زالت تمارس الولايات المتحدة الأمريكية ـ وبطبيعة الحال الدولة العبرية ـ ضغوطاً كبيرة بهدف التوصل لصيغة من شأنها تحريك المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية وتأجيل خطوة أيلول وفقاً لصحيفة معاريف العبرية (10-7-2011).

فيما أن الرباعية الدولية التي تتساوق سياساتها بشكل شبه كامل مع الولايات المتحدة دعت إلى إعادة إطلاق مفاوضات التسوية على أساس خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 19 أيار/مايو الماضي والذي دعا لإجراء مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين على أساس حدود ما قبل 1967 مع مبادلات للأراضي متفق عليها.

وكان صوت مجلس الشيوخ الأميركي بأكمله بالإجماع لصالح قرار يعبر عن «معارضته لضم حماس ضمن حكومة وحدة وطنية (مشيراً في الوقت ذاته إلى أن) الجهود الفلسطينية الرامية إلى الحصول على الاعتراف بدولة خارج مفاوضات مباشرة إنما تُبرز غياب التزام ينم عن حسن النية تجاه مفاوضات السلام... (الأمر الذي) ستكون له تداعيات على استمرار المساعدات الأميركية.

وقد ضغطت فرنسا بشدة على كاترين أشتون، المفوضة العليا للسياسة الخارجية والأمنية في الإتحاد الأوروبي وأعضاء اللجنة الرباعية لكي تُستأنف المفاوضات بين السلطة الفلسطينة وإسرائيل على أساس تصريحات أوباما على حدود عام 1967 وعلى الاعتراف باسرائيل كدولة يهودية.

وهذا ما يتساوق مع موقف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي الذي قال إنه "سيوافق على اجراء محادثات على قاعدة حدود 1967 مع تبادل للأراضي ويشمل ذلك الكتل الاستيطانية الكبرى بالضفة الغربية واعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدولة الفلسطينية المستقبلية".

 

 

نشأة الفكرة

نشأت فكرة الدولة الفلسطينية في أوائل العشرينيات من القرن المنصرم، مع بداية الصراع ضد الانتداب البريطاني (1922 ـ 1948)، وضد الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين. وجاءت ثورة الشيخ عز الدين القسام والانتفاضة الكبرى في العام 1936، لتؤكدان تصميم الفلسطينيين على مواصلة خيار المقاومة ضد الانتداب والهجرة معاً، من أجل تحقيق استقلال كامل يوقف الهجرة اليهودية ويزيل الانتداب البريطاني.

وأصبحت هذه المسألة جزءاً من الخطاب الفلسطيني، بعد إقرار ما أطلق عليه "البرنامج المرحلي" في العام 1974.

واستمر الشعب الفلسطيني بمقاومته والتي كان أبرز تجلياتها الانطلاقة المعاصرة للثورة الفلسطينية في العام 1965. وما بين الانطلاقة في العمل المسلح والانتفاضة الفلسطينية في العام (1987)، وانتفاضة الأقصى (2000)، والتي سجلَّتْ بروزَ دور الحركات الإسلامية في النضال التحرري الفلسطيني، مجددةً طاقات شعب فلسطين، بعد أنْ تَوَهَّم الأعداء بتلاشيها على وَقْعِ أوهام حلول التسوية التصفوية، حصلت أحداث جسام وتحولات كبيرة، وقضية الدولة إحدى هذه التحولات. فقضية الدولة لها جذور في فكر الحركة الوطنية الفلسطينية، تمثلت برفض قرار التقسيم الصادر في العام 1947، إلى القبول بفكرة الدولة الديمقراطية، إلى القبول بفدرالية أردنية ـ فلسطينية، إلى القبول بكونفدرالية أردنية ـ فلسطينية، وكرّت السبحة، حتى تم القبول بحكم إداري ذاتي علّه يوصل لإعلان دولة مستقلة!! وقبل ذلك وافق المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة، التي عقدت في قصر الصنوبر في الجزائر العاصمة على جملة قرارات منها:

إعلان الدولة الفلسطينية، وضمان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره، ورفض ما أسموه العنف بكل أشكاله. وفي الخامس عشر من تشرين ثاني (نوفمبر) 1988، أعلن رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات بيان «الاستقلال الفلسطيني» المستند لقرار الجمعية العامة رقم 181 الصادر عام (1947)، والذي قسَّم فلسطين لدولتين عربية وأخرى يهودية. وعلى الرغم من هذا الإعلان، ودخول مفاوضات مدريد وما بعدها والتي أوصلت لاتفاقية أوسلو وملحقاتها وتطبيق الحكم الإداري الذاتي في مناطق في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن الرئيس الفلسطيني الراحل هدد أكثر من مرة بأنه سيعلن الدولة، ومنها: قبل الرابع من أيار (مايو) 1999، الموعد الذي كان من المفترض أن تنتهي فيه الفترة الانتقالية لتبدأ المرحلة النهائية للمفاوضات لبحث القضايا الجوهرية المؤجلة، كالقدس، واللاجئين، والحدود، والمستوطنات... ومرّ هذا التاريخ ولم تعلن الدولة، بل دخلت السلطة مرة أخرى بسلسلة عمليات تفاوض مع الحكومات الإسرائيلية المختلفة ولم تحصل على أي إنجاز يدفع باتجاه إعلان الدولة.

ويعتبر البعض ومنهم مثلاً د. ابراهيم ابراش أن "الشرعية الدولية معركة يجب أن تُخاض ولكن كيف نخوضها؟ هذا هو السؤال... لا يوجد اتفاق على ما الذي نريده من الأمم المتحدة، ولا صيغة القرار الذي نريده، ولا احد متيقن بأن القرار الذي سيصدر سيكون متوافقاً مع القرار الذي سيقدمه الفلسطينيون من خلال المجموعة العربية، ولا أحد يعرف إن كان سيصدر قرار ملزم أم مجرد توصية".

ويضيف ابراش: "لأن قرار الذهاب للأمم المتحدة في أيلول يمس مصير القضية لأنه سيحدد الحقوق السياسية الفلسطينية ومن المحتمل أن يشكل القرار المُتخذ من مجلس الأمن أو الجمعية العامة مرجعية أية مفاوضات قادمة، فيجب أن يكون قرار الذهاب معبراً عن توافق وطني وأن يكون مصحوباً بحراك دبلوماسي وشعبي على كافة المستويات"...

ويبدو أن من سياق ما يتم من استدعاءات من قبل الولايات المتحدة الأميركية لكل من صائب عريقات، ممثلاً عن السلطة الفلسطينية، وإسحاق مولخو، ممثلاً عن إسرائيل، وخوض مفاوضات منفردة مع كل منهما، يشير إلى إمكانية تجاوز استحقاق ايلول، من خلال العودة إلى طاولة المفاوضات!!

واعتبرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني 'فتح' على لسان المتحدث باسمها فايز أبو عيطة في بيان (11-7)، أن أيلول المقبل اختبار للضمير العالمي ولكل دعاة الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأن دول العالم ستكون أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما التصويت لصالح الضحية وإما التصويت لصالح الجلاد؛ إما الوقوف إلى جانب الشعوب المظلومة أو الوقوف إلى جانب الاحتلال الظالم.

وأضاف أبو عيطة: إن الشعب الفلسطيني غير مسؤول عن الصورة السوداء التي تحاول بعض الدول أن ترسمها لنفسها من خلال وقوفها في مواجهة استحقاق أيلول، سيما الولايات المتحدة الأميركية، مذكرا بموقفها المنحاز لحكومة إسرائيل عندما استخدمت حق النقض وحيدة في مجلس الأمن الدولي في مواجهة الإجماع العالمي الرافض للاستيطان.

والاسرائيليون هم من أكثر الناس اهتماما باستحقاق أيلول. وهم يتحضرون لذلك الاستحقاق. وفقا لمبدأ «الاحتمالات المفتوحة». فرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ينشط سياسيا في عواصم القرار، في حملة دبلوماسية، جند لها كفاءات إسرائيلية وغير إسرائيلية، يدعو فيها إلى عدم التجاوب مع المطلب الفلسطيني في الأمم المتحدة. ويستند نتنياهو في تحركه هذا، إلى وعد أميركي باللجوء إلى حق النقض (الفيتو) لإسقاط الطلب الفلسطيني في مجلس الأمن. لكن يتخوف، من جانب آخر، من اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية (حتى ولو لم يؤدِ ذلك إلى نيلها عضوية الأمم المتحدة). لذلك يتحرك هنا وهناك، لقطع الطريق مسبقاً على الفلسطينيين حتى لا ينالوا اعتراف المزيد من الدول بهم كدولة مستقلة.

وفي (14/7/2011)، أعلن بنيامين نتنياهو أنه يريد جمع "غالبية معنوية" تضم ثلاثين دولة على الأقل معارضة لاعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطينية ضمن حدود 1967. وقال خلال لقائه رئيس البرلمان الأوروبي يرزي بوزيك "بحلول أيلول، نريد العمل على جمع 30 الى 50 دولة معارضة للاعتراف الأحادي الجانب بدولة فلسطينية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.. سيشكل الأمر غالبية معنوية".

وأضاف "إذا نال الفلسطينيون اعترافاً بدولتهم من الامم المتحدة، فسيواجهون بعد ذلك صعوبات لقبول التسويات الحتمية عبر التفاوض لإبرام اتفاق سلام" مع إسرائيل. "يجب قول الحقيقة، السلام لن يتحقق عندما تتنازل إسرائيل عن أجزاء من أراضيها بل عندما ينبذ الفلسطينيون رغبتهم في تدمير إسرائيل".

ومن الواضح أن نتنياهو لا ينام على وسادة من حرير. فإلى جانب التحرك الدبلوماسي، بدأت قيادة الجيش الإسرائيلي تدريباتها العملية لمواجهة انتفاضة ثالثة في الضفة الفلسطينية، واندلاع القتال على خطوط التماس في قطاع غزة. وتؤكد صحافة العدو أن قيادة الجيش الإسرائيلي وضعت على نار حامية خططها من أجل مواجهة الاضطرابات الأمنية، في مناطق السلطة، متخوفة من أن تفقد سلطة الرئيس عباس سيطرتها على الشارع الفلسطيني، إذا ما اسقط من خياراته الرهان على العملية السياسية ولجأ إلى خيارات أخرى.

ويبدو أن قيادة العدو تنظر إلى الأمر أبعد من ذلك، فتتخوف، في السياق، أن تنتقل الانتفاضة إلى مناطق 48، كما حصل عام 2000، وسقط يومها 13 شهيداً من الفلسطينيين في هذه المناطق، برصاص الشرطة. وتفيد صحافة العدو أن الشرطة الإسرائيلية، وأجهزة «مكافحة الشغب»، بدأت هي الأخرى تتدرب على كيفية التصدي لأية تحركات شعبية في المدن والأحياء والقرى الفلسطينية (في إسرائيل) تجاوبا مع الانتفاضة، ولقد بدأت في هذا السياق وضع الخطط الضرورية لمحاصرة هذه الأماكن إذا ما تطلب الأمر، وفرض القبضة العسكرية عليها. وعودة إلى الحشد الإسرائيلي لمواجهة الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، كشف الصحافي الإسرائيلي باراك رافيد في صحيفة "هآرتس" (10-7-2011)، النقاب عن تفاصيل خطة تحشد إسرائيل وفقاً لها جهود سفاراتها في مختلف أنحاء العالم لمحاربة اعتراف الأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية. وأمرت الوزارة دبلوماسييها بنقل رسالة مفادها أن ذلك سينزع الشرعية عن إسرائيل ويمنع أي فرصة لإجراء مفاوضات سلمية في المستقبل.

ووجه المدير العام للخارجية الإسرائيلية رافائيل باراك ورؤساء مختلف الدوائر في الوزارة برقيات سرية تحدد معالم خطة المعركة السياسية للسفارات، بعد الأوامر السابقة الموجهة لكل الدبلوماسيين الإسرائيليين بإلغاء أي إجازات يخططون لها في أيلول / سبتمبر. ووصلت محتويات تلك البرقيات لصحيفة "هآرتس" وقد نشرتها الصحيفة بكاملها.

وأورد عمر نجيب في مقال له بعنوان: (معركة الاعتراف بالدولة الفلسطينية)، أن مصادر رصد ألمانية أشارت إلى أن جهود تل أبيب لمهاجمة الخطوة الفلسطينية في الأمم المتحدة تمتد كذلك إلى الدول العربية والإسلامية عبر نشر شعور بالعجز والإحباط. والهدف هنا هو الإدعاء أن الخطوة الفلسطينية عبثية ولن تفيد القضية. ومن أجل نشر جو الإحباط كلفت قنوات معينة تتلقى الدعم من إسرائيل والولايات المتحدة بشن حملة إعلامية واسعة للطعن في الإجراء الفلسطيني.

هذه الحملة المدعومة أمريكيا تتضمن القول إن قياديين فلسطينيين يتخوفون من نتائج مسعى حكومتهم ومن تردي العلاقات مع الولايات المتحدة وخصوصاً مع الكونغرس، وحدوث تصعيد أمني بالضفة الغربية، كما يشككون في جدوى المسعى، وبعضهم بدأ يدرك أن التوجه إلى الأمم المتحدة ربما سيلحق ضرراً بإسرائيل لكن ليس بالضرورة أنه سيعود بالفائدة على الفلسطينيين، خاصة أنه بعد الحصول على اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية فإن شيئاً لن يتغير على أرض الواقع. كذلك سيقال إن المعارضين للمسعى يخشون من أن اعترافاً دولياً قد يمنح الفلسطينيين دولة بحدود مؤقتة فقط ويزيل قضايا أساسية مثل القدس واللاجئين عن الطاولة.

رغم محاولات التعتيم الصهيونية على الخطوة الفلسطينية، لم تنجح تل أبيب في اخفاء حجم القلق الذي ينتابها أو الأضرار التي ينتظر أن تلحقها.

ويبذل قادة في السلطة الفلسطينية منذ اكثر من عامين جهوداً دبلوماسية مكثفة لحشد تأييد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لأي طلب من الممكن أن يتقدمون به للمنظمة الدولية، حيث وصل عدد الدول التي أعلنت اعترافها المسبق بالدولة الفلسطينية حوالى 114 دولة.

ويحتاج الفلسطينيون إلى اعتراف 130 دولة للحصول على التأييد اللازم للمطالبة بالعضوية في الأمم المتحدة. وعليهم بعد ذلك ممارسة نشاط دبلوماسي آخر طوال العام المقبل بهدف دفع الأمم المتحدة للتوصية لمجلس الأمن بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة.

 

مساران ضروريان

الكاتب والمحلل السياسي هاني المصري، اعتبر أن الاعتراف بالدولة الفلسطينية أمر إيجابي، غير أنه أكد على ضرورة أن تأتي تلك الجهود في إطار إستراتيجية شاملة وألا تكون بديلاً عن الوسائل أخرى. وحذر من المبالغة في أهمية ودور هذه الخطوة على مستقبل القضية الفلسطينية، مستذكراً تجربة عام 1988 حيث اعترفت أكثر من 100 دولة بفلسطين، ولم يحقق ذلك تغييراً على أرض الواقع.

وأكد المصري أن هذه الخطوة غير قادرة على إنهاء الاحتلال وإحقاق الحقوق الفلسطينية. وشدد على أهمية أن تكون الجهود لنيل الاعتراف في إطار إستراتيجية شاملة تشمل تعزيز الصمود والمقاومة وإنهاء الانقسام الفلسطيني وإعادة اللحمة الوطنية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وإعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية، على أن تكون هذه خطوة مندرجة في إطار استراتيجية شاملة تهدف إلى تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بقضيتنا.

الكاتب والمحاضر في جامعة الأزهر في غزة: د. أسعد أبو شرخ، قال إن الجهود للاعتراف بالدولة الفلسطينية مباركة ولكن لا يجب أن تكون بديلاً عن نضال الشعب الفلسطيني من أجل رفع الحصار والتحرير والعودة، واعتبر أن الدول التي تعترف بفلسطين مرحب بها، لكن جهودنا يجب أن تنصب في نضالنا الوطني والتمسك بالثوابت.

 

استحقاق أيلول وخيارات عباس 

وتحت عنوان: (استحقاق أيلول وخيارات عباس) كتب: حسام الدجني (1/7/2011)، مقالاً مهماً جاء فيه: "... إن استحقاق أيلول/ سبتمبر هو مصلحة إسرائيلية بامتياز، فهو سيُعطي إسرائيل الشرعية السياسية والقانونية الكاملة على 78% من مساحة فلسطين التاريخية، وسيكون ثمن قبول الولايات المتحدة بمشروع القرار هو اعتراف العالم بيهودية الدولة، وإعادة رسم حدودها ضمن قاعدة تبادل الأراضي المقبولة من قبل المفاوض الفلسطيني، وبذلك تنتهي أزمة اللاجئين الفلسطينيين، وتكون العودة لأراضي الدولة الفلسطينية فقط، وربما تلجأ إسرائيل لضم المثلث العربي لحدود الدولة الفلسطينية كي تتخلص من القنبلة الديموغرافية".

ويضيف الدجني: "إن رفض إسرائيل والولايات المتحدة نابعان من مناورة سياسية تكتيكية تهدف لخفض سقف المطالب العربية والفلسطينية، وتحقق لإسرائيل أهدافها القومية.

ربما قرأ السيد محمود عباس المعادلة، وقد يكون تصريح مستشاره السياسي السيد نمر حماد بإمكانية عدم تقديم الطلب للأمم المتحدة في الساعات الأخيرة، فإن هذا يدعونا للتساؤل ما هي خيارات الرئيس محمود عباس؟

 

أربع خيارات أمام الرئيس هي:

1- المفاوضات

قد تكون العودة للمفاوضات إحدى خيارات الرئيس عباس، فالرجل يؤمن ايماناً عميقاً بالمفاوضات كخيار وحيد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو من يحفظ للسلطة الفلسطينية ديمومتها واستمراريتها في توفير الرواتب والمراتب والمشاريع وغير ذلك.

 

2- المصالحة

قد تعيد السلطة الفلسطينية تقييم مواقفها، وتدرس مدى حاجتها لحركة حماس من عدمه، وهذا الشيء هو من يقرر جدية الرئيس عباس بالمصالحة كخيار استراتيجي أم تكتيكي.

 

3- الاستقالة

يبقى الأمر وارداً ومطروحاً ولكن يتوقف ذلك على رأي المؤرخين في شخص ومسيرة محمود عباس السياسية، فالرجل لن يذهب للاستقالة إلا في حالة تحقيق انجاز سياسي، وربما تكون المصالحة وعودة الوحدة خطوة نحو تقديم السيد عباس استقالته من الحياة السياسية.

 

4- حل السلطة الفلسطينية

هذا الخيار يتطلب وحدة موقف فلسطيني عربي إسلامي، وقد تذهب إليه منظمة التحرير بعد إصلاحها وتفعيلها كونها صاحب الحق القانوني في حل السلطة، وهذا الخيار يبقى مطروحاً طالما أغلقت الولايات المتحدة والغرب كل الأبواب في وجه حل الصراع العربي الصهيوني.

 

ركوب مغامرة

تقدر أوساط رصد عربية وغربية أن اندلاع انتفاضة ثالثة بعد النجاح الفلسطيني المرتقب في أيلول /سبتمبر إضافة إلى تكثف الإنشقاق داخل الكيان الإسرائيلي حول سبل التعامل مع المعضلة الفلسطينية قد يدفع قوى أقصى اليمين الصهيونية إلى ركوب مغامرة إعادة الاحتلال الكامل.

وثيقة صادرة عن منظمة التحرير تفيد "ان إسرائيل ستقوم بإعادة إحتلال مناطق السلطة الفلسطينية وفق القرار العسكري الإسرائيلي رقم 1650 واعادة الادارة المدنية الإسرائيلية وسلسلة من الاجراءات الاخرى في محاولة لالغاء ولاية السلطة الفلسطينية".

وتضيف ان هذه الاجراءات "مخطط إسرائيلي لمنع قيام دولة فلسطين اي تفضيل تعميق الاحتلال من خلال الاستيطان وفرض الحقائق على الأرض".

وبناء على ماسبق يبدو من غير الواضح: هل ستبحث الجمعية العامة موضوع الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية أم أن مجلس الأمن وبضغط من واشنطن سيقطع الطريق على الجمعية العامة، وفي حالة صيرورة الموضوع عند الجمعية العامة فهل سيناقَش الموضوع ضمن اجتماع عادي للجمعية وفي هذه الحالة ستصدر الجمعية قراراً أو توصية غير ملزمة تضاف لعشرات التوصيات التي لم تنفذ حول الشأن الفلسطيني كقرار التقسيم 181 لعام 1947 وقرار عودة اللاجئين 194 لعام 1949؟ أم أنها ستصدر قرارات ملزمة؟!

كما أن صيغة القرار الذي سيقَدم للجمعية العامة غير واضحة حتى الآن وما هي التعديلات التي ستطرأ عليه داخل أروقة الجمعية، فهل سيكون القرار المطالبة بعضوية كاملة لفلسطين في الأمم المتحدة؟ أم الاعتراف بدولة فلسطينية على كامل أرضي الضفة وغزة عاصمتها القدس الشرقية وحق عودة اللاجئين؟ أم مجرد قرار ينص على حق الفلسطينيين بدولة فلسطينية على حدود 67 بدون التطرق للقدس واللاجئين؟، إذا كان القرار بالصيغة الثانية سيعتبر هذا تراجعاً عن الحد الأدنى للمطالب الفلسطينية.

 

 

الدولة أم إنهاء الاحتلال؟!

يكاد يصبح شعار الدولة الفلسطينية لدى البعض بديلاً لشعار إنهاء الاحتلال. وهذا يتضح من خلال الجهود الحثيثة المبذولة لـ "بناء دولة"!! من دون الاصطدام بالاحتلال، ومن دون إنهائه، عبر مشروع يطرحه الدكتور سلام فياض وحكومته.

وفي هذا السياق، يصبح من الممكن تقبل فكرة دولة مع الاحتلال وبوجوده. وتحويل السلطة التي توجد تحت الاحتلال، بشكل ما، إلى دولة. وهذا ما يتم تناوله من أفكار حول "دولة مؤقتة"... وبهذا يتحول الأمر من إنهاء الاحتلال إلى مجرد "نضال سلمي" لإقامة دولة...

وإقامة الدولة الفلسطينية، بحسب المواقف الإسرائيلية يتطلب أخذ الوقائع الإسرائيلية المفروضة على الأرض بعين الاعتبار. وبحسب تقرير لـ«مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي» بعنوان: "زوال حل الدولتين"، أعده " ناثان جي براون"، فإن على الولايات المتحدة أن تطلق مبادرات على أساس الحقائق الماثلة على الأرض بدلاً من الاستناد إلى آمال الأمس المتلاشية، أما المشكلة، بالطبع، فهي أن الخيارات المتوافرة لأي قيادة أميركية جديدة سوف تكون محدودة بالفعل.

 

وماذا بعد!!

منذ قيام الدولة الإسرائيلية على أرض فلسطين، وتشريد الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، عمل الإسرائيليون على ما اعتقدوا أنه يساعد على حل المشكلة الفلسطينية، تارة بتهجير الفلسطينيين وارتكاب المجازر بحقهم (دير ياسين، كفر قاسم، وقبية...)، وعمل آخرون منهم بعد هزيمة العرب في العام (1967)، والتي أسفرت عن احتلال باقي فلسطين وأجزاء من أراضي دول عربية أخرى، على طرح إقامة حكم إداري ذاتي فلسطيني. ومنذ ذلك الحين، بدأ هذا الأمر يبرز حيناً ويتوارى حيناً آخر بسبب وجود تخوف صهيوني حول العلاقة ما بين دولتهم والحكم الذاتي المطروح، بالإضافة إلى مستقبل الشعب الفلسطيني لأن ذلك قد يؤدي لقيام دولة فلسطينية مستقلة تهدد وجود دولتهم وقد طرح العمل بالحكم الذاتي ديفيد بن غوريون وكذلك موشيه دايان واشترط أن تسيطر دولته على الأمن والخارجية، وإيغال آلون، وكذلك مناحيم بيغن في العام (1977)، الذي اشترط أيضاً إبقاء الأمن وما أسماه النظام العام بيد جيشه، وأن يبقى لليهود ما أسماه الحق بإقامة المستوطنات وشراء الأراضي، والتنقل دون إيجاد عقبات في طريقهم.

ويلخص الكاتب الإسرائيلي أوري أفنيري حقيقة الموقف الإسرائيلي بشقيه اليساري واليميني بقوله: «الإسرائيليون لا يقبلون قيام دولة فلسطينية حقيقية، ولكنهم قد يرضون بما يسمى دولة طالما أنها ليست دولة بالفعل. وأن القيادة الإسرائيلية تسعى لإيجاد مخرج للأزمة ـ حسب تعبيره ـ، ولكن ليس حلاً حقيقياً. وهذا الحل أساسه عدم الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وعدم إعطائهم الأرض». ويتصرف القادة الإسرائيليون على هذا الأساس ومن هذه المنطلقات، والتدليل على هذا الأمر ليس صعباً، فما قدمه إيهود باراك للسلطة الفلسطينية في كامب ديفيد في أيلول (سبتمبر) 2000، لم يزد فعلياً عن خمسة عشرة بالمئة (15 %) من أرض فلسطين الجغرافية، وعلى شكل جزر يحيطها المستوطنون والجيش الإسرائيلي من كل ناحية.

ويصر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على عدم التنازل عن أي شيء، ولن يقبل بإقامة الدولة الفلسطينية، ولا الانسحاب من هضبة الجولان السورية أو من الضفة الغربية، ولا بالتخلي عن القدس الشرقية. كل ما يريده أن يقبل الفلسطينيون والعرب بيهودية الدولة مقابل ترتيبات أمنية!!

 

 

 

•       كاتب فلسطيني