خبر السعودية تعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة- نظرة عليا*

الساعة 08:58 ص|15 أغسطس 2011

السعودية تعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة- نظرة عليا*

بقلم: يوئيل غوجنسكي

   (المضمون: المملكة السعودية بموقفها الحازم من أعمال القمع السورية بحق المواطنين، تبدو مستعدة أكثر من أي وقت مضى لوضع كل ذخائرها الاقتصادية والسياسية، وهي لا بأس بها، تحت تصرف الجهد للتصدي للتطلعات الاقليمية الايرانية - المصدر).

خلافا لرد الفعل العربي والدولي على القذافي، ترددت حتى الان دول عربية من اتخاذ موقف حازم ضد الاسد. بعد خمسة اشهر واكثر من الفي قتيل، بدأت تصدر أصوات مغايرة. بداية، التصريح المشترك لـ "مجلس التعاوني الخليجي" الذي دعا سوريا الى "الكف عن القمع الاجرامي للمواطنين" وبعده، التصريحات الاستثنائية في حدتها للملك السعودي الذي أعلن بان ما يحصل في سوريا "ليس مقبولا على السعودية التي تطالب بوقف آلة القتل". والخطوة هي دليل على وقفة اخرى للسعودية، بعد أن فعلت ذلك في البحرين ايضا، ضد الجبهة الراديكالية برئاسة ايران، لفهمها أن الاحداث في سوريا وصلت الى مستوى حرج كفيل بترجيح الكفة في طالح سلالة الاسد. الامر ينسجم مع تبني موقف تأكيدي أكثر مما في الماضي من جانب السعودية، منذ بدء الاحداث في العالم العربي، ومحاولة لاعادة تصميم خريطة التحالفات في المنطقة وفقا لمصالحها.

عبدالله الذي جلس حتى الان على الجدار يسعى الان الى أن يرى في سقوط الاسد وان كان بسبب حقيقة أن بذلك ستفقد ايران حليفا مركزيا، ستتضعضع المنظومة الراديكالية وتعطي السعودية فرصة لقيادة معسكر سني كبير وأكثر تبلورا مما في الماضي، وذلك اذا كان السنيون بالفعل، الذين يشكلون الاغلبية في الدولة، سيحتلون الحكم في سوريا. حتى الان فشلت السعودية في محاولة لانقاذ سوريا من براثن ايران وخلق كتلة مناهضة لايران متراصة الصفوف تتشكل من دول سنية، مؤيدة للغرب. الاحتجاج في سوريا، في مستواه الحالي، يمنح السعودية فرصة استثنائية لتحقيق امنيتها.

رغم ان السعودية تحاذي عدة بؤر نزاع شديدة للغاية في الشرق الاوسط، فقد فضلت حتى الان شل مخاطر الامن القومي لديها من خلال الامتناع عن استخدام الوسائل العسكرية العلنية ومحاولة التملص من أدوار الريادة والقيادة. الدبلوماسية والتمويل كانا الادوات المفضلة. منذ بداية الاحداث التي تسمى "الربيع العربي" تفهم النخبة السعودية الشائخة بان من شأنها أن تجد نفسها بعد عدة سنوات في محيط سياسي مختلفة يصبح فيه من جهة الرعايا بالتدريج مواطنين متساوي الحقوق ومن جهة اخرى تحتدم المواجهة الطائفية فتؤدي الى عدم استقرار. في رؤيتها لا يوجد ما يكفي من الوسائل التقليدية التي بواسطتها صممت المملكة محيطها الاستراتيجي وان عليها الخروج من السلبية النسبية لتحييد مخاطر على أمنها القومي بل وعند الحاجة محاولة قيادة المنطقة العربية.

في هذا السياق، تخرج السعودية عن طورها كي تمنع مصر من الاقتراب من ايران. ثمة تخوف في الرياض من أن القيادة "الجديدة" في مصر ستميل أكثر نحو ايران، وذلك ايضا كي ترضي الرأي العام الذي يميل أكثر اليها. في الاشهر التي تلت سقوط مبارك اطلقت في القاهرة تصريحات بشأن الحاجة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع طهران. ورحب مسؤولون ايرانيون بهذه التصريحات في القاهرة، بالنسبة لنيتها فتح صفحة جديدة في العلاقات معهم بل وقالوا ان معارضة مصر لاسرائيل و "تبنيها نموذج الثورة الاسلامية" يخلقان قاسما مشتركا بينها وبين ايران. اضافة الى المساعدات بمبلغ 4 مليار دولار التي تستهدف مساعدة الاقتصاد المصري "للطوف فوق الماء" نفضت الرياض الغبار عن سلسلة مشاريع مشتركة ترمي الى تعزيز العلاقات بين الدولتين، بما في ذلك الاقتراح القديم لبناء جسر يربط بينهما من فوق مضائق تيران. بالتوازي مع المحاولة السعودية لتوحيد الصفوف بين دول الخليج، تسعى الى ضم الاردن (وربما ايضا المغرب) الى كتلة الملكيات وذلك لمنعها من اجراء اصلاحات وربما، مثلما بدأ الملك المغربي، تثبيت فصل بين السلطات بل والتحول في المستقبل الى ملكية دستورية. فالرياض التي تسعى الى "تطعيم" الانظمة الملكية ضد مخاطر محتملة على استقرارها، ستقود قريبا المفاوضات مع الاردن لضمه، بهذا الشكل أو ذاك، الى النادي الاعتباري "لمجلس التعاون الخليجي". وذلك رغم تحفظ بعض اعضاء المنظمة (كما أنها منحت الاردن 1.5 مليار دولار).

ليس واضحا كم هو الموقف المعلن الحازم للسعودية مسنود، مثلا بتأييد ذي مغزى من حركة الاحتجاج السورية (الرياض تدعم منذ زمن بعيد المعارضة في الدولة)، ولكن لا بد ان فيه ما يعطي تسويغا عربيا واسلاميا لاعمال لم تتخذ حتى الان. رغم المساهمة الايجابية في بلورة المعسكر المناهض لايران، فان خطوات عبدالله من شأنها ايضا ان تقلل من حرية المناورة لديه هو نفسه، في الداخل وفي الخارج. فهو سيجد صعوبة في اعادة بناء علاقاته مع سوريا اذا ما تمسك الاسد ومقربوه بالحكم. فهل أمل الملك في ابعاد الانتقاد عن نفسه؟ يحتمل. ولكن اذا ما دق الاحتجاج بابه، كيف سيشرح لماذا لا يطبق توصياته هو نفسه؟ السقوط المحتمل للاسد من شأنه أن يكون حجر دومينو آخر يؤدي في نهاية المطاف الى المملكة نفسها.

كي يسند تصريحاته ("التاريخية" حسب الصحافة السعودية)، اعاد الملك سفيره للتشاور، في خطوة كفيلة بان تمنح "ريح اسناد" للاحتجاج والشرعية لدول اخرى لتشديد الضغط على سوريا. وبالفعل، بعد يوم من خطاب عبدالله أعلن البحرين والكويت، الدولتان المقربتان جدا من السعودية بين دول الخليج، اعادة سفيريهما من دمشق كاحتجاج على القمع العنيف للمتظاهرين (وبذلك فانهما ينضمان الى قطر التي فعلت ذلك من قبل). خطاب الملك أدى منذ الان الى سلسلة مظاهرات ضد النظام السوري في الخليج وتشديد التصريحات في هذا الشأن في العالم العربي السني. كما أن عبدالله كفيل بان يشك الطريق الى تغيير في السياسة الامريكية المترددة، ومنح الرئيس اوباما فرصة لتشديد اللهجة حيال المذبحة المستمرة.

لماذا انتظر عبدالله حتى الان؟ الموقف الحازم تجاه سوريا يرتبط بغضب الملك من قتل السنة المتواصل، وذلك في الفترة الحساسة من شهر رمضان، ولا سيما في أوساط عناصر قبلية قريبة من المملكة، وعلى ما يبدو أيضا باحباطه من فشل محاولاته تحقيق "صفقة" مع الاسد واحداث تهدئة من خلف الكواليس.

الموقف الحازم للسعودية بالنسبة للاسد يمكن أن يفسر كاعتراف بعدم قدرتها على التأثير في اتجاه الاحداث. في سوريا مثلما في لبنان، او كما يذكر كاعتراف بان الميزان يميل اكثر مما في الماضي في صالح المتظاهرين السوريين. حسب هذا المنطق، السعودية حتى الان "جلست على الجدار" كي تتأكد الى أن يميل الميزان السوري الداخلي. عبدالله تردد في العمل ايضا لتخوفه من رد فعل ايران وعدم اليقين بالنسبة للسياسة الامريكية تجاه نظام الاسد، ولكنه غير موقفه بسبب الطابع الطائفي الذي يتلقاه الاحتجاج. في خطوته هذه يأمل عبدالله في ابعاد نفسه عن الاسد انطلاقا من الفهم بان نظام الاقلية العلوية (اقلية كافرة في نظر عبدالله، بسبب علاقتها بالشيعة ايضا) سيضعف جدا بل وربما ينهار في المستقبل، وان على السعودية ان تعد نفسها لهذه الامكانية.

يدور الحديث عن خطوة دراماتيكية وبالتأكيد بالنسبة للملك السعودي، الذي هو ضابط للنفس بشكل عام. خطوة ذات امكانية كامنة لاحداث انعطافة حقيقية في ضوء وزن السعودية في العالم العربي والاسلامي. ليس القلق على حقوق الانسان هو ما يقف في رأس اهتمام الملك، وعليه فانه لا تناقض ايضا في رؤيته بين تأييد الاحتجاج في سوريا وبين المساعدة التي منحها لقمع الاحتجاج في البحرين. اعتبارات ميزان القوة كلاسيكية وخصومة بين الطوائف مرتبطة معا "في النشاط" السعودي – محاولة لصد ايران وبلورة جبهة سنية كوزن مضاد لنفوذها. سقوط الاسد سيكون الامر الافضل بالنسبة لعبدالله، فقط بعد سقوط الجمهورية الاسلامية نفسها، حتى وان كان يفهم، على حد قول تركي الفيصل بان "الاسد سيقاتل حتى السوري الاخير". مهما يكن من أمر، فان المملكة تبدو مستعدة أكثر من أي وقت مضى لوضع كل ذخائرها الاقتصادية والسياسية، وهي لا بأس بها، تحت تصرف الجهد للتصدي للتطلعات الاقليمية الإيرانية .