خبر بين المضيقين- هآرتس

الساعة 09:24 ص|12 أغسطس 2011

بين المضيقين- هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

رئيس الاركان، بني غانتس توقف للحظة امام شاشة التلفزيون في قاعدة سلاح الجو في سديه دوف، حيث بثت محاكمة الرئيس المصري السابق حسني مبارك. واطلق غانتس تنفس صعداء طفيف مشكوك أن يكون يشارك فيه أسى الزعيم الذي ينهي طريقه هكذا، ملقيا على سريره ومهانا في قفص، مشكوك أن يفكر بوجع الرأس الذي بانتظار الجيش الاسرائيلي في السنوات القريبة القادمة في الساحة الجنوبية.

في صيف 2011 قال غانتس مؤخرا للجنة الخارجية والامن في الكنيست، عدم الاستقرار هو الامر المستقر في المنطقة. في الوقت الذي ينشغل فيه الجمهور الاسرائيلي باحتجاج الخيام، يتابع الجيش الاسرائيلي بقلق التوتر المتعاظم بين الحكم الانتقالي العسكري في مصر والاخوان المسلمين يحصل قتلى المذبحة التي يرتكبها الرئيس السوري بشار الاسد بحق ابناء شعبه ويستعد لاحتمال مظاهرات فلسطينية جماهيرية في ايلول.

من زاوية النظر الاسرائيلية يتطور الوضع في مصر الى مشكلة أكبر مما كان يمكن تصورها في البداية. فسيناء هي الان منطقة سائبة تعيش فوضى تامة وسلطات القاهرة لا تتجرأ على التصدي للقبائل البدوية المركزية فيها. في الجيش الاسرائيلي وفي المخابرات لم يعودوا يتحدثون عن تهريب سلاح من سيناء الى قطاع غزة، بل عن نقل سلاح، في اجراء مرتب ومخطط على خلفية رفع تام لليدين في مصر. في حماس بدأوا يستخدمون خطوط انتاج للسلاح في قلب سيناء انطلاقا من الفهم بان هذه ستكون محمية اكثر في الاراضي المصرية منه في القطاع، وذلك لان اسرائيل ستخشى من قصفها.

في المدى الابعد، حتى لو كان المصريون منشغلين في هذه اللحظة بانفسهم أساسا، فان اسقاط نظام مبارك يفسر في هيئة الاركان كتحذير استراتيجي للساحة الجنوبية. وان لم يكن للحرب، ولكن بالتأكيد لامكانية اشتعال في ساحة اخرى (الشمال، المناطق او كلاهما) يؤدي الى حشد قوات مصرية في سيناء. بعد 30 سنة لم تبحث اسرائيل تقريبا بوحدات الى الحدود الجنوبية وابقت في الجوارير الخطط العملياتية، صار مطلوبا انعاش من الاساس. من المعقول الافتراض بان احدى الافكار التي تدرس هي اقامة قيادة فيلق جديد للجبهة الجنوبية.

في سوريا كل المؤشرات تدل على استمرار الانهيار السريع لنظام الاسد، الذي ودع هذا الاسبوع وزير دفاع.  في شعبة الاستخبارات العسكرية يقولون انه رغم التغطية الاستخبارية الفاخرة في الساحة السورية، لا يمكنهم ان يتوقعوا الموعد الدقيق للانهيار ولكن التطورات تسير في اتجاه واحد فقط. اعادة سفراء عرب من دمشق، وكذا الخط المتصلب لتركيا تجاه جارتها الجنوبية، يدلان على أن الاسد يواصل الانزلاق في المنحدر. انشغال مصر وسوريا بنفسيهما يقلص ظاهرا الخطر الامني الفوري على اسرائيل، ولكن عدم الاستقرار يزيد عدم اليقين ومن شأنه ايضا ان يؤثر على الوضع في لبنان.

الخطر عاجل وفوري اكثر في الساحة الفلسطينية، حيث يحتمل ان تكون المواجهة توجد خلف الزاوية. السلطة الفلسطينية وان كانت ابلغت اسرائيل في الاسابيع الاخيرة بان في نيتها السيطرة على المظاهرات حول خطوة الاعلان عن الدولة في الامم المتحدة في نهاية ايلول، الا انهم في الجيش واعون للخطر في أن تنتقل المسيرات غير العنيفة بسرعة الى صدامات في الحواجز وحول اسيجة المستوطنات. في جلسة الثمانية أول أمس ضغط وزراء اليمين لاستخدام "العصي"، خطوات عقاب تجاه الفلسطينيين حتى قبل أن يتوجهوا الى الامم المتحدة. وزير الدفاع، ايهود باراك حذر من انهيار السلطة الفلسطينية. احد لا يعرف بان يتوقع كيف ستنتهي الازمة.

على هذه الخلفية، ورغم انخفاض خطر حرب واسعة في المدى الفوري، فثمة شيء تبسيطي في الادعاء بان الوضع الامني بالضرورة يتحسن بفضل ربيع الشعوب العربي. بالمقابل، احتجاج الخيام سيلزم الحكومة بتغييرات في سلم الاولويات الاقتصادي. ميزانية الدفاع توجد هذه المرة على بؤرة الاستهداف اكثر مما في الماضي. الحل البسيط للعقدة الاسرائيلية (ارسال الاصوليين الى العمل) غير قابل للتطبيق من ناحية سياسية داخلية. الحل الثانوي (تقليص المال للمستوطنات) لن يمر في اليمين الايديولوجي. ولا غرو ان رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو الذي تحدث قبل شهرين فقط علنا عن زيادة ميزانية الدفاع بسبب التحولات في العالم العربي، معني الان بتجميدها.

الذخيرة المضافة لجهاز الامن في الجدال الحالي هزيلة جدا. في الماضي، عرف الجيش الاسرائيلي كيف يتجاوز تقليصات مخططة بترتيبات غير مباشرة، بعيدا عن عين الجمهور. واذا كان حتى شاؤول موفاز، رئيس لجنة الخارجية والامن وقبل الاجماع الامني، اوقف هذا الاسبوع مثل هذه المناورة، فيبدو أن العصر اياه انقضى. سلسلة اجراءات التقليص التي عرضتها هذا الاسبوع وزارة الدفاع تضمنت اعتباطا متجددا لايجاد حلول سريعة معظمها تتجول في هذه القناة قرابة عقد من الزمان. "واضح لنا جميعا أننا نسير نحو تلقي الضربة"، قال لواء في هيئة الاركان.

في الخلفية يحتمل هبوط في الدافعية للخدمة من جانب جنود الاحتياط، اذا انتهى احتجاج الخيام بلا شيء. هذا الخطر سيحتدم اذا ما شك رجال الاحتياط بان نتنياهو يشعل عن قصد نار المواجهة مع الفلسطينيين في الشهر القادم. ولكن رئيس الوزراء، خلافا لوزير خارجيته، الذي يلعب بالنار بحماسة ظاهرة، بقي حذرا في كل ما يتعلق باستخدام القوة العسكرية. مشكوك أن يختار نتنياهو المبادرة الى التدخل الذي لا يعرف كيف ينتهي.

بدون اصلاح

اختطاف رجلي الاحتياط اودي غولدفاسر والداد ريغف في تموز 2006 لم يورط اسرائيل فقط في حرب فاشلة جدا مع حزب الله. بل ضيع هباءا منثورا المحاولة الاخيرة، حاليا، لاجراء اصلاح بنيوي ذي مغزى في صفوف الجيش الاسرائيلي. دان حلوتس، رئيس أركان حرب لبنان الثانية، اضطر الى الاستقالة بعد بضعة اشهر من انتهائها. وبرحيله، توقفت التغييرات الثورة التي خطط لها. وحتى ما تمكن من تحقيقه في السنة والنصف اللتين ادى فيهما مهام منصبه كرئيس للاركان، الغاه في معظمه خليفته، غابي اشكنازي.

عهود اشكنازي تميزت بتدريبات نشيطة وبميزانية سخية. رئيس الاركان السابق تلقى وسام بطولة جماهيري مبرر على اعادة بناء الجيش بعد صدمة لبنان، ولكن زخم الاهلية والجاهزية استخدم ايضا لتبرير نفقات طائلة ووهن آخر للرقابة الخارجية على الجيش. عمليا، كفت القيادة السياسية عن المطالبة بالنجاعة من الجيش رغم ان المسألة بحثت بتوسع في تقرير لجنة برودت عن ميزانية الدفاع، والذي نشر بعد نحو سنة من الحرب. كما أن الخطة اللازمة لتقليص الخدمة النظامية ادخلت الى التجميد العميق.

احتجاج الخيام اندلع عشية التقدم بالخطة الطموحة متعددة السنين من الجيش الاسرائيلي "حلميش" للمجلس الوزاري المصغر لاقرارها. في الجيش عولوا على العلاوة التي وعد بها نتنياهو وبلوروا خطة تسليح فيها الكثير من كل شيء: تعزيز العناصر الهجومية والمناورة البرية، مشتريات كثيفة لمنظومات اعتراض الصواريخ وتخصيص مقدرات كبيرة للاستخبارات وللحرب السيبرية (الالكترونية التلقائية). والان، عندما يسعى نتنياهو الى تجميد العلاوة (حاليا دون تقليص ميزانية الدفاع)، يقترح باراك حلا مؤقتا: "تصوير الوضع" لسنة واعادة النقاش للخطة في صيف 2012. الاستثمار في مجالات حرجة، مثل التدريبات ومنظومات الاعتراض، سيستمر كما كان مخططا له. هذه صيغة اضطرارية واشكالية، ولكن يبدو أن هيئة الاركان ستسلم بها لانعدام البديل.

في نظرة الى الوراء، تضخم الجيش وتقلص على مدى السنين بناء على الصدمات التي خلفتها الحروب على المجتمع الاسرائيلي. بعد 1967 تقلص الجيش قليلا بالذات، ولكن صدمة حرب يوم الغفران أدت الى خطوة هائلة لتوسيع الفرق القتالية. وتوقفت المسيرة في الثمانينيات ووصلت الى تقليص كبير في حجوم القوات حتى حرب لبنان في 2006. منذئذ، تجدد التوسع، الذي كانت ذروته في الخطط الحالية، التي تتضمن التسلح بمنظومات سلاح نوعية ولكنها تحتاج الى ميزانيات كبيرة كأسراب طائرات اف 35 وغواصة "دولفين" سادسة. مقابل ذلك، فان معالجة نقاط الخلل باهظة الثمن والزائدة (مثل امكانية اعتزال ضباط دائمين في سن مبكر الى التقاعد الكامل من المناصب في الجبهة الداخلية، تمت بتقنين فقط. يخيل أن هذه المشاكل الاساسية لن تعالج أيضا في الجولة الحالية ولكن لاحقا لن يكون مفر. جهاز الامن سيضطر الى مراجعة ذات مغزى أكبر، ولا سيما اذا ما طالت الازمة الاقتصادية العالمية.

معركة سكاكين

تحت رعاية الانصات الذي تطالب به حركة الاحتجاج الاجتماعي مرت باهتمام بالحد الادنى جولة التعيينات الاولى لغانتس كرئيس للاركان، قبل اسبوع. في البؤرة كان التعيين موضع الخلاف للعميد (قريبا لواء) رام روتبرغ قائدا لسلاح البحرية. روتبرغ، الذي قاد الكوماندو البحرية في سلسلة عمليات ناجحة معروفة بينها هي عملية السيطرة على سفينة السلاح "كارين إيي" يذكر الان بالاساس قصور البارجة حنيت. فحين أصاب الصاروخ الايراني البارجة، في اليوم الثالث من حرب لبنان كان روتبرغ على رأس شعبة الاستخبارات في سلاح البحرية. واظهر التحقيق في الحدث بانه لم يستجب لتحذير احد رؤساء الفروع في الشعبة، قبل بضع ساعات من الاصابة بانه يجب الاخذ بالحسبان امكانية أن تكون ايران زودت حزب الله بصواريخ شاطىء – بحر. روتبرغ تلقى توبيخا ولكن ترفيعه لم يتوقف.

أكثر من الاهمال الاستخباري، فان الخلل المركزي لسلاح البحرية في تلك القضية كان عملياتيا، في الشكل الذي تصرفت فيه البارجات امام شواطىء بيروت وكأنها لا خطر يهدده. يوجد منطق كبير في قول باراك وغانتس انه لا ينبغي استبعاد ضابط ممتاز بسبب خطأ في الفتال وانه يمكن الافتراض بانه تعلم منذئذ من خطأه. روتبرغ هو ضابط مثير للانطباع اكثر من انتقاد سلوك السلاح في السنوات الاخيرة وهي حقيقة لا بد ساهمت في المعارضة الشديدة للقائد الحالي اليعيزر تشيني مروم لتعيينه. تسلمه مهام منصبه سيبشر على ما يبدو بتغييرات ربما أيضا في وحدة الام الخاصة به، الوحدة البحرية 13، التي لا تزال تشهد ازمة قيادية معينة كنتيجة لقضية مرمرة. وهو يجلب معه الى السلاح قدرة قيادية ثابتة وتجربة عملياتية واسعة، وهما أمران هيئة الاركان الحالية لا تملك الوفير منهما بعد.

بقدر كبير، هذه نتيجة تراكم بالصدفة للاحداث، الى جانب قرارات اتخذها رؤساء اركان سابقون. فضلا عن شريحة بارزة في القيادة، تضم ضمن آخرين نائب رئيس الاركان يئير نافيه، بديله المرشح غادي أيزنكوت، قائد الجبهة الشمالية يئير غولان ورئيس شعبة الاستخبارات أفيف كوخافي، فان غانتس يقود الان هيئة اركان ذات تجربة قتالية ضيقة نسبيا. احد العناوين بعد جولة التعيينات تحدث عن أنه لم يتبقَ في الجيش الاسرائيلي سوى لواء واحد خريج حرب يوم الغفران. ولكن هذه ليست الحقيقة ذات المغزى. النقطة الاساسية هي أنه حتى في نوع القتال الاساس الذي واجهه الجيش الاسرائيلي بعد 1973، النشاطات ضد الارهاب والعمليات التي لا تصل الى حرب شاملة، فان بعضا فقط من الالوية القائمين شاركوا فيها مشاركة مباشرة تتجاوز مستوى قائد سرية.

لجملة اسباب، فقد الجيش الاسرائيلي على الطريق عصبة الجيل الوسط، مجموعة قادة الالوية وقادة الفرق في منظومة سلاح المشاة والوحدات الخاصة التي كان ينبغي لها في معظمها ان تجلس الان حول طاولة هيئة الاركان. وهذه تضم ايرز غيرشتاين (الذي سقط في لبنان في 1999)، درور فينبرغ (الذي قتل في معركة في الخليل في 2002)، شموئيل زكاي (الذي اضطر الى الاعتزال بسبب اشتباه عابث بالتسريب)، غال هيرش وايرز تسوكرمان (لبنان الثانية)، تشيكو تمير (قضية التراكاتور والطفل) وعماد فارس (السيارة والزوجة). القاسم المشترك في كل هذه العصبة، مثل روتبرغ، هو التجربة المتراكمة الواسعة في جبهات هامة في العقدين الاخيرين، المناطق وجنوب لبنان. في جولات التعيينات القادمة، في غضون بضعة اشهر، يحتمل أن يفكر غانتس "بالترفيع بالقفزة) لجيل شاب الى الامام بل وربما باعادة واحد أو اثنين من العمداء المنفيين الى الديار.

هيئة اركان غانتس تتصرف حاليا في اجواء طيبة، مهنية، ولكن قد تنشأ لرئيسها مشكلة صورة معينة. اختياره في ادارة "ناطق يقول الحقيقة" جدير بالتقدير (دوما توجد مرة اولى)، ومثلها ايضا الابتعاد عن التلاعب. غانتس لن نراه، كأحد اسلافه، يتجول في سوق محنيه يهودا في منتصف مواجهة علنية مع الوزير المسؤول عنه او يوصي رئيس الوزراء امام ميكروفون مفتوح مثل رئيس أركان آخر بانه حان الوقت لمعالجة رئيس السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، فان مزيج الهدوء الامني السائد في هذه اللحظة، جدول أعمال اجتماعي في هذا الصيف والصورة البارزة لرئيس الاركان يخلق له مصاعب من نوع آخر.

ما ينعكس في وسائل الاعلام ليس بالضرورة الجدول الزمني الفتاك الذي أخذه على عاتقه غانتس في زياراته لوحدات الجيش الاسرائيلي، بل بالذات ظهوره بلا بزة أو في محافل مدنية. عينة من صحف الاشهر الاخيرة تتضمن صورا لرئيس الاركان يشتري هدية في مجمع عزرئيلي التجاري. يقف مع ابنه في "مخرج المعسكر"، يستجم مع العائلة في الجليل وفي ايلات، يقدم وردة لناجية من الكارثة و "يمسح دمعة" في لقاء مع خريجي المدرسة التي تعلم فيها في صباه. لم يأتِ النشر في أي من هذه الحالات بمبادرة عسكرية. من الصعب اخفاء رئيس الاركان بطول متر وتسعين زائد ولا يمكن التوقع من قائد الجيش ان يتزوج بباروكة وشارب كلما خرج من أسوار وزارة الدفاع. احيانا، نشر الصور هو ركب بالمجان قام به رجال علاقات عامة على تواجد غانتس في اماكن عامة. ولا يزال، وحتى لو لم يكن اديبا ذكر ذلك، ينبغي لرئيس الاركان على ما يبدو ليس فقط بث الامن في أهالي الجنود (وهذا يفعله غانتس جيدا)، بل ان يفزع الجيران قليلا.

أول أمس أفادت "معاريف" بان غانتس يخطط لامسية رص صفوف اجتماعي للالوية وزوجاتهم وفي اطارها منافسة على نمط برنامج الطبخ "معركة سكاكين". في هيئة الاركان يدعون بان الامر لم يحسم عد ومع ذلك يخيل انه ينبغي الامر في شيئين: في الوقت الذي يتسلى فيه الالوية في معركة السكاكين، الا يبدأ احد في المنطقة حربا حقيقية واذا ما اندلعت واحدة كهذه، يكون غانتس يحفظ لديه في الاتصال المختصر رقم تشيكو تمير.