خبر أين أصبح اتفاق المصالحة الفلسطينية؟ ..علي بدوان

الساعة 12:18 م|10 أغسطس 2011

أين أصبح اتفاق المصالحة الفلسطينية؟ ..علي بدوان

تسود الحالة الفلسطينية على كل مستوياتها الشعبية والفصائلية، أجواء من القلق بعد مرور فترة لا بأس بها من توقيع اتفاق المصالحة دون أن ترى أي من بنود هذا الاتفاق الترجمة على الأرض، خصوصاً بالنسبة لمسألة تشكيل الحكومة الموحدة في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة.

 

كما تتجه أنظار الفلسطينيين إلى الاجتماعات الحمساوية والفتحاوية الأخيرة التي عقدت في القاهرة مؤخراً، وشبح التشاؤم يسيطر على المناخ العام الفلسطيني نتيجة تخوف البعض من وقوع انتكاسات أو ارتدادات سلبية في مسار تنفيذ الاتفاق، إضافة للسواد العام الذي غيم على الأجواء الفلسطينية والعلاقات بين بعض القوى بعد الحادث المؤسف الذي وقع مؤخراً في مخيم اليرموك، وكاد بتفعيلاته أن يؤدي بالفلسطينيين في سوريا باتجاه فتنة جديدة لا تحمد عقباها، فأين وصلت الأمور، وما الاستعصاءات الحقيقية التي تعترض طريق تنفيذ اتفاق المصالحة كاملاً على الأرض..؟

 

في البداية ننطلق من الحادث الأخير الذي وقع في مخيم اليرموك بعد ظهر يوم الاثنين الواقع في السادس من يوليو الماضي، بعيد تشييع الشهداء الأبطال الذين سقطوا على أرض الجولان وعلى تخوم الوطن الفلسطيني في مواقع: مجدل شمس، والحميدية، والقنيطرة، وهو حادث مؤسف بكل ما للكلمة من معنى، ولسنا هنا في وارد إيراد تفاصيله الدقيقة التي نعرفها ونعلمها ونحن في غنى عن ذكرها على متن هذه الصفحات، وقد أدانت الحادث إياه جميع القوى الفلسطينية بلا استثناء، لكنها تفاوتت في تقديراتها بشأن من يتحمل مسؤولية ما وقع.

 

فالذي وقع في مخيم اليرموك، كان بالنتيجة عملاً بشعاً، ومداناً، عملاً يكرس ثقافة متخلفة بعيدة عن إعمال العقل وعن التوافق والاتفاق، إضافة لكونه استهدف ومس حرمة الدم الفلسطيني، وحرمة المكان والصالح العام (سقط من الجبهة الشعبية - القيادة العامة ثلاثة شهداء، وشهيدان من عامة المواطنين) وقد أريد منه عملياً دفع الفلسطينيين في سوريا نحو أتون نار جديدة لا تبقي ولا تذر، خصوصاً بعد أن استطاع فلسطينيو سوريا اشتقاق واتخاذ الموقف الحكيم والعاقل تجاه ما يجري داخل سوريا الشقيقة.

 

الاتفاق واستعصاءات التنفيذ

 

وعليه، إن التوتر والتوتير الذي أصاب الحالة الفلسطينية بعد حادثة مخيم اليرموك، ترافق مع وجود استعصاءات على ما يبدو في مسار تطبيق اتفاق المصالحة. فعملية تنفيذ بنود اتفاق المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية تجري على نار أقل من هادئة أو بالأحرى على ماء بارد، فالقضايا المستعجلة التي كانت تبدو إبان توقيع الاتفاق بأنها محسومة سلفاً، تراوح الآن مكانها دون مبرر، كان أولها مسألة تشكيل حكومة وحدة وطنية بالتوافق من شخصيات مستقلة من الكفاءات الوطنية والتكنوقراط، على أن يتم تسمية رئيسها ووزرائها بالتوافق بين الحركتين (فتح وحماس) وبالتشاور مع كل القوى الفلسطينية المعنية.

 

وكان ثانيها مسألة إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين في سجون الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنهاء منطق ومبدأ الاعتقال السياسي، ووضع حد له. وكان ثالثها مسألة تحديد موعد الاجتماع الرسمي الأول للإطار القيادي المشكل من كافة الفصائل الفلسطينية التي شاركت في الحوارات الفلسطينية في القاهرة ووقعت على الاتفاق.

 

فالإطار القيادي المؤقت والمفترض أن تضم عضويته رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، وأعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، والأمناء العامون للفصائل الفلسطينية وشخصيات مستقلة، يعتبر بمثابة القيادة الفلسطينية الانتقالية، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية، والتشريعية، وانتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، بالتزامن، بعد عام من الآن.

 

إن الاستعصاء الأساسي الراهن في انطلاق الترجمة العملية للاتفاق يتمحور حول شخص رئيس الوزارة، فاللجنة المركزية لحركة فتح وعلى لسان جمال محيسن، قررت رسمياً في اجتماعها قبل أيام في رام الله، ترشيح سلام فياض لتولي رئاسة الحكومة الانتقالية المقبلة، فقد قررت حركة فتح رسمياً وبعد (أخذ ورد) ترشيح سلام فياض لتولي رئاسة الحكومة الانتقالية المقبلة فيما رفضت حركة حماس ذلك قطعيا وفق ما أشارت إليه العديد من المصادر انطلاقاً من الملاحظات التي سجلتها حركة حماس على أداء سلام فياض، ومسؤوليته عن رعاية واحتضان عملية التنسيق الأمني مع الاحتلال.

 

ومن المعلوم أيضاً أن دواخل حركة فتح ومجلسها الثوري تعارض عملياً ترشيح سلام فياض، وقد أثيرت زوبعة فتحاوية كبيرة من قبل الكوادر المختلفة لفتح على سلام فياض خلال السنوات الماضية، حيث تنتظر تلك الكوادر الفتحاوية أن يتم رفض تولي سلام فياض رئاسة الوزارة الانتقالية من قبل حركة حماس، لكنها سلمت برغبة الرئيس محمود عباس باعتبار أن الحكومة انتقالية ولفترة محدودة إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية بعد عام واحد من توقيع الاتفاق كما هو مقرر.

 

أما الرئيس محمود عباس فيعتبر سلام فياض الرجل المناسب الذي يتمتع بإجماع المجتمع الدولي والعربي، وأن أي مرشح آخر «لن يحوز على ما يتمتع به فياض». فالرئيس محمود عباس يحبذ تجنب أي تصادم مع أي من المؤسسات أو الجهات الدولية وخصوصاً منها الدول المانحة التي ترى سلام فياض «رجلاً مناسباً مائة بالمائة» وصاحب باع طويل في العمل مع المؤسسات والهيئات الدولية ومنها البنك الدولي سابقاً.

 

إن المعلومات المتوافرة تقول بأن حركة حماس مصّرة على رفض تولي سلام فياض رئاسة الحكومة الانتقالية، لكنها قد تقبل بتشكيل حكومة تكنوقراط جديدة، فحركة حماس ومن موقعها في إطار عضويتها في المجلس التشريعي باعتبارها تحظى بالأغلبية (74 عضواً) ترى بأن الأمر يجب أن يتم بالتوافق وليس تبعا لموقف أحد الطرفين، كما في التوافق مع باقي الفصائل بالنسبة لتحديد أسماء الوزراء المفترضين.

 

مستقبل اتفاق المصالحة والاحتمالات المختلفة

 

من ذلك، نستنتج، أن عملية المصالحة الفلسطينية والتي مازالت في مراحلها الأولى، بحاجة فعلية لحماية وصون ولرعاية، ولعناية خاصة حيث يقابلها استعصاءات فلسطينية معينة يجب تذليلها، كما يقابلها الرفض والعناد الإسرائيلي، وإعلان تل أبيب إمكانية قيامها بممارسة ضغوط على حركة فتح والرئيس محمود عباس، ورفضها إشراك حركة حماس في أي حكومة فلسطينية ما لم توافق على شروط اللجنة الرباعية الدولية المعروفة وعلى رأسها وهي «نبذ العنف» والاعتراف بـحق "إسرائيل" في الوجود.

 

ومن المؤكد أيضاً، بأن التطبيق العملي لعناوين اتفاق المصالحة وبتفاصيله على أرض الواقع يحتاج لاشتقاق مواقف شجاعة وعملية إن كان من قبل حركتي حماس وفتح، أو من قبل باقي القوى والفصائل الفلسطينية التي كانت بدورها جزءاً أساسياً من الاتفاق. كما يحتاج لنوايا جديدة تقفز عن الحسابات التنظيمية والفئوية الضيقة لصالح المصالحة الوطنية العليا لكل الشعب الفلسطيني، والتي هي في نهاية المطاف الأساس الوطني.

 

إن المصالحة وحتى تنتهي إلى خواتيمها المرجوة، تقتضي تغييب الأجندة الخاصة لكل فصيل أو حركة فلسطينية وتغييب الحزبية الفصائلية الضيقة لمصلحة القضية الوطنية الفلسطينية، مع ضرورة إشراك الفعاليات الفلسطينية المغيبة في الساحة الفلسطينية، وهو ما يطلق عليها القوة الصامتة في المجتمع الفلسطيني، مثل الإعلاميين والمفكرين والتكنوقراط والمؤسسات المستقلة وجمهور المهنيين، وهيئات المجتمع المدني والشخصيات الوطنية الفلسطينية في الداخل الفلسطيني والشتات، حيث يمكن من خلال ذلك استكمال أوراق القوة لدى الشعب الفلسطيني ، عوضاً عن استفراد حركتي حماس وفتح بتطورات المشهد السياسي والقضية الفلسطينية برمتها. كما لا يمكن الحديث عن مصالحة فلسطينية حقيقية دون الوصول إلى قواسم مشتركة سواء حول توصيف وتعريف المقاومة أو عملية التسوية ومآلاتها المحتملة.

 

إن المصالحة التي وقعت في القاهرة، يفترض بها أن تؤسس لحالة جماهيرية فلسطينية موحدة خاصة، وان تنتفي معها المساعي والطموحات والأغراض التنظيمية الضيقة لهذا التنظيم أو ذاك، وأن تنتفي مخاوف البعض مما يطلقوا عليه «المحاصصة» واقتسام الكعكة. وحتى تستكمل تلك المصالحة الفلسطينية مسارها المطلوب، وكي تصل إلى غاياتها المرجوة، لابد لها من أن تؤسس لمقاربات سياسية بين مختلف الأطراف خصوصاً بين حركتي حماس وفتح وباقي القوى الفلسطينية، فأي تقارب وطني ومصالحة فلسطينية حقيقية يجب أن تكون وفق رؤية تؤسس لعقد سياسي جديد بين فئات وتيارات وقوى الشعب الفلسطيني.

 

أن المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية فتحت الأبواب على مصراعيها لتوحيد الأداء والفعل السياسي الفلسطيني، على كل مستوياته، كما فتحت الأبواب أمام إزاحة التحفظات الدولية خصوصاً الغربية منها تجاه بعض القوى الفلسطينية ومنها حركة حماس التي تمثل جزءاً أساسياً من النسيج الوطني الفلسطيني كما كرر أبو مازن أكثر من مرة خلال الأسابيع الأخيرة.

 

إن مستقبل اتفاق المصالحة بيد القوى الفلسطينية وتحديداً حركتي حماس وفتح، فمع كل المصاعب التي قد تنتج عند الخوض في التفاصيل، فان عملية المصالحة الفلسطينية - الفلسطينية، وترجمة الاتفاق إلى واقع على الأرض أمر يحتاج إلى نوايا سليمة والى إرادات حازمة ولن تعيقه أية ملفات إشكالية عندئذ.

 

أخيراً، كان من الأفضل أن يتم الذهاب الفلسطيني الرسمي للأمم المتحدة في سبتمبر القادم كما هو مقرر بقرار توافقي موحد، وبإرادة فلسطينية موحدة، وبوحدة وطنية منجزة. فالفعل السياسي الفلسطيني لا يعطي مفاعيله المطلوبة حال استمر الانقسام سائداً في البيت الداخلي الفلسطيني.