خبر الطفل دبابش في مستشفى إسرائيلي: « ألمي أنني لن أحضر العيد في غزة »

الساعة 01:25 م|07 أغسطس 2011

الطفل دبابش في مستشفى إسرائيلي: "ألمي أنني لن أحضر العيد في غزة"

فلسطين اليوم: مصطفى قبلاوي

لم نكن نعي أثناء صعودنا درج مستشفى "هعيمك" في العفولة لنصل إلى الطابق الثاني فيه، أننا بصدد اللقاء بطفل استثنائي سيغيّر مجرى نهارنا الاعتيادي ويجبرنا أن نتطلع إلى هذه الحياة من زاوية أخرى غير تلك التي اعتدناها ..

فعند وصولنا إلى باب الغرفة التي تضم بين جدرانها أغراض محمد دبابش، البالغ من العمر 15 عامًا، وأدويته، لم نجده بداخلها، واستقبلنا، عوضًا عنه، والده عارف الذي رحب بنا بود كبير وبابتسامة عريضة ارتسمت على وجهه. لكن، ومن فرط شوقنا للتعرف إلى محمد، سألناه عن مكان وجوده في تلك اللحظة، خاصة وأن المعلومات التي عرفناها قبل وصولنا إليه تؤكد أن محمد مصاب بسرطان في فكّه العلوي وأنه وصل من قطاع غزة برفقة أبيه ليتلقى العلاج في مستشفى "هعيمك"، وهو ما أثار قلقنا من سر اختفائه..

طمأننا الوالد معلنًا أن محمد خرج للعب قليلاً في الساحة المجاورة لقسم الأطفال في المستشفى وسيعود بعد دقائق. وبالفعل، دخل محمد إلى الغرفة بعد وقت قصير ووجدنا جالسين على سريره ننتظره فابتسم لنا بهدوء وبراءة واقترب منّا مصافحًا دون أن ينبس بكلمة...

بعد قليل من الكلام، وكثير من السلام، طلبنا من محمد أن يحدثنا قليلا ، فوافق على الفور، وفتح لنا قلبه ليمنحنا بطاقة دخول إلى عالمه الخاص ويحكي لنا عن أحلامه، آماله وآلامه...

قالوا لي: "عندك سرطان يا محمد"، لكنني لم أفهم..!

بدأ محمد حديثه مستذكرًا: "في الشهر الأخير من العام الماضي اكتشف الأطباء في (غزة التفاح)، مكان سكناي، أني مصاب بمرض السرطان في الفك العلوي، وتحديدًا في الجزء الأيسر منه. لكنني لم أعِ مقدار التحديّات التي تنتظرني أمام هذا المرض حينها. يومها تقبلت هذه (المعلومة) على مضض، لكنني لم أستوعبها بالشكل المطلوب. ودون أن أدري وجدت نفسي هنا في إحدى غرف مستشفى "هعيمك" في العفولة أتلقى علاجًا كيميائيًا كنت أعرف سلفًا أنه سيؤدي إلى أن أفقد شعر رأسي وحاجبي، غير أني لم أعترض على الأمر لأن هذه مشيئة الله الذي لا حول ولا قوة لنا إلاّ به. وبعد مرور شهور ثلاثة على بدء العلاج الكيميائي، قرر ألأطباء أن علي الدخول إلى غرفة العمليات في محاولة منهم لاستئصال المرض من فكّي. وبالطبع، دخلت غرفة العمليات في الوقت الذي حددوه لي وأنا أحمل أملاً بالخروج منها معافى. وبالفعل، بعد استيقاظي من تأثير المخدر قال لي الطبيب المشرف على حالتي أنه قد تم استئصال المرض بنجاح لكن علي البقاء هنا حتى انتهاء مدة برنامجي العلاجي"..

لا أعرف إن كنت سأحتمل البقاء بين الأدوية والأطباء خلال العيد..

تابع محمد حديثه ليخبرنا عن كيفية قضائه أيام رمضان داخل أروقة المستشفى بعيدًا عن حضن والدته وأخوته الثمانية، فأجابنا بينما حارت في مقلتيه دمعة شوق يحاول أن يخفيها بصعوبة: "إن أيام رمضان تمر علينا، أنا ووالدي، بشكل جيّد والحمد لله. فنحن لا نستطيع إحصاء عدد الوجبات التي تهطل على غرفتنا في المستشفى عند رفع أذان المغرب، فأهل الخير كثيرون في هذه البلاد، لكن الوجع الحقيقي الذي أحمله هو أني لن أشارك عائلتي وأصدقائي الموجودين في غزّة فرحة عيد الفطر. أشتاق إليهم كثيرًا ولا أعرف إن كنت سأحتمل البقاء هنا بين الأدوية والأطباء بينما أتذكر أجواء بيتنا صباح يوم العيد وجلسات الأصدقاء خلال لياليه". (هُنا أجهش محمد بالبكاء ، شاهدوا الفيديو المُرفق ، ولم يتمكن من متابعة الحديث من فرط شوقه لعائلته وأصدقائه).

والد محمد: ادعوا لولدي بالشفاء من هذا المرض اللعين..

هنا، تولى والد محمد، عارف، مهمة متابعة الحديث معنا قائلاً: "إن محمد أقوى وأصلب مما تتخيلون، فقد تمكن من اجتياز مراحل صعبة من البرنامج العلاجي بشجاعة وإصرار. لكن فكرة بقائه في المستشفى لعشرة أسابيع متواصلة دون السماح له برؤية والدته وإخوته وأصدقائه تعتبر صعبة بالنسبة له. والحقيقة أنه لا يُلام. لكنني واثق من أنه سيجتاز هذه المدة بالصلابة ذاتها".