خبر السلطة واستحقاق أيلول.. .مؤشرات عدم الجدِّية ..صالح النعامي

الساعة 07:46 ص|06 أغسطس 2011

السلطة واستحقاق أيلول.. .مؤشرات عدم الجدِّية  ..صالح النعامي

 

على الرغم من أنَّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس يشدّد على عزم السلطة التوجُّهَ للأمم المتحدة وطلب عضويةٍ لدولة فلسطين في المنظمة الأممية، إلا أنَّ هناك بعض المؤشرات التي تَبْعَث على الشكِّ والريبة في جِدِّية هذا التوجُّه. أنَّ أحد المؤشرات التي تَبْعَث على الريبة هي التصريحات التي أدْلَى بها عضو اللجنة التنفيذية لِمُنَظّمة التحرير صائب عريقات، والتي أكَّد فيها أنه لم يتمَّ حتى الآن تحديد موعدٍ زمني للتوجُّه للأمم المتحدة، وذلك في خلاف تامٍّ لحديث قادة السلطة المتكرر عن أنَّ هذه الخطوة ستتم في أيلول القادم. لكن حتى لو تقدَّمت السلطة بالطلب للأمم المتحدة في أيلول فإنَّ هناك مؤشرًا واضحًا وصريحًا على أنَّ قيادة هذه السلطة عاقدة العزم على تجريد استحقاق أيلول من أي مفاعيل تَشِي بجدية السلطة، وتدلِّل على أنَّ هذه القيادة عازمة على بعث رسائل الطمأنة لكلٍّ من تل أبيب وواشنطن بأنَّ استحقاق أيلول لن يتجاوز مقر الأمم المتحدة، وأنَّ إسرائيل لن تُواجِه أي تَبِعات ميدانية على الأرض في أعقاب هذه الخطوة.

 

آلية تبريد

 

ولعلَّ أوضح دليل على ذلك، هو موافقة عباس على إرسال قادة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة إلى واشنطن لإجراء لقاءات مع نظرائهم الإسرائيليين برعاية دينس روس، مستشار الرئيس باراك أوباما، وذلك لأنَّ روس مَعْنِيٌّ بالتأكُّد من أنَّ أجهزة رام الله الأمنية لن تسمح على الإطلاق بأَنْ يشكِّل أيلول القادم نقطة تحوُّل في حجم المقاومة الشعبية الفلسطينية للاحتلال ومظاهره. يُدْرك الأمريكيون والإسرائيليون أنَّ الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة لن تسمح بحالٍ من الأحوال باستئناف العمل المسلَّح ضد الاحتلال ومظاهره في الضفة الغربية، لكنهم يَخْشون أن يشكِّل استحقاق أيلول منعطفًا نحو اندلاع هَبَّة جماهيرية تُفْضِي بدورها إلى انتفاضة ثالثة، وهذه تفتح الباب على مصراعيه نحو استئناف العمل المسلح ضد الاحتلال. لم يَسْتَدعِ روس قادة الأجهزة الأمنية فقط لكي يتلقَّى منهم تعهدات بعدم السماح باندلاع هَبَّة جماهيرية في أعقاب أيلول، بل لكي يكون شاهدًا على توافق القادة الأمنيين لأجهزة السلطة والجيش الإسرائيلي على خطة مُفَصَّلة تضمن تحقيق هذا الهدف. أي أنَّ الأمريكيين يريدون إسداء خدمة استراتيجية لإسرائيل عبر طمأنتها بألا تتجاوز الردودُ الفلسطينيةِ- في أعقاب أيلول- الحدودَ السياسية. وهذا يعني عمليًا أنَّ الأمريكيين مَعْنِيّون ببلورة آلية تبريدٍ لتصفية كل المخاوف الإسرائيلية من انفلات الأوضاع الأمنية بشكلٍ يهدِّد العمق الإسرائيلي ويرهق الجيش وقوى الأمن الصهيونية.

 

رسالة واضحة

 

لكن حتى قبل أن تلتئم اجتماعات واشنطن، فقد أرسلت قيادة السلطة رسائل واضحة وصريحة لطمأنة صناع القرار في تل أبيب وواشنطن بأنَّه لا توجُّه لديها لتغيير قواعد الاشتباك الحالية، وذلك عبر تكثيف عمليات الاعتقال ضد قادة ونشطاء حركة حماس، على الرغم من التوقيع على اتفاقية المصالحة. ومما يفسَّر على أنَّ المقصود من هذه الإجراءات التدليلُ على أنَّ السلطة مَعْنِيّة بإيصال رسالة للولايات المتحدة مفادها أنَّ استحقاق أيلول لن يفضي ليس فقط إلى الخروج عن السقف السياسي الذي التزمت به حتى الآن، بل إنَّها أكَّدت أنها ستواصل الحفاظ على الشروط والظروف التي شكلت رافدًا لهذا السقف، وكان أوضح تعبير على ذلك إفشال اتفاقية المصالحة عبر التشبُّث بتسمية سلام فياض كمرشحٍ لتشكيل الحكومة الانتقالية، رغم أنَّ تعيينَه يلقى معارضة داخل حركة فتح لا تقلُّ عن المعارضة التي تبديها حركة حماس.

 

شُبُهات حول الأزمة المالية

 

هناك ما يُثِير الريبة في الحديث المتواصل عن الأزمة المالية والتأكيد على عجز السلطة عن دفع الرَّواتِب على الرغم من أنَّ كل الخبراء الاقتصاديين يؤكِّدون أنَّ الأوضاع المالية للسلطة لم تتغيّر بشكل كبير، وبالتالِي لم يَسْتَجِدَّ تطور يبرِّر الحديث عن أزمة مالية، لا سيما بعد وصول المساعدات الجزائرية وقرار السعودية بتحويل مساعدات عاجلة. ولا يَتعلَّق الارتياب فقط بمسوِّغات يسوقها فياض فقط لكي يرغم الجميع على الاحتفاظ به كرئيس للوزراء، بل إنَّه قد يكون الهدف الأساس من افتعال هذه الأزمة هو إشغال الناس بأزمة الرواتب لتحقيق أحد هدفين؛ فإمَّا أن يكون المقصود هو تهيئة الأرضية لقرار فلسطيني بالتراجع عن التوجُّه للأمم المتحدة أو تأجيل الخطوة إلى أجل غير مسمًّى في أقل قدرٍ من الاهتمام الجماهيري الفلسطيني، على اعتبار أنَّ الجمهور الفلسطيني سيكون مهتمًا بالأزمة المالية؛ أو أن يكون المقصود تبريد ردّة الفعل الجماهيرية الفلسطينية على استحقاق، وعدم السماح بتوفُّر الظروف لاندلاع هَبَّة جماهيرية، عبر إلهاء الناس بأزمة الرواتب.

 

من الواضح تمامًا أنه بدون التلويح للمجتمع الدولي وتحديدًا للولايات المتحدة بأنَّ استحقاق أيلول يمكن أن يشكِّل نقطة تحول تؤثر سلبًا على استقرار المنطقة، فإنَّه لا يوجد هناك أي إمكانية أن يشكِّل هذا الاستحقاق رافعة للضغط على الغرب لتغيير أنْمَاط سلوكه مع إسرائيل، وبالتالِي فإنَّ أيلول لن يشهد عمليًا أي نقطة تحوُّل فارقة في التعاطي الدولي مع القضية الفلسطينية.

 

إنَّ التعاطي الرسمي مع استحقاق أيلول يدلِّل على اتجاه موازين القوَى داخل السلطة الفلسطينية؛ فسلام فيَّاض الذي يُعارض بشدة التوجُّه للأمم المتحدة هو الذي يفرض رؤيتَه على الجميع بدون استثناء، وضمن ذلك أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وأعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وعلى رأس هؤلاء عباس، وهذا المؤشِّر بِحَدِّ ذاته في حالَ ثبت بشكلٍ قاطعٍ يقضي على أيِّ أملٍ في خطوة فلسطينية جادة نحو الوفاء بِمُتطلبات إنهاء الاحتلال ومظاهره.