خبر يا وطني...علي عقلة عرسان

الساعة 05:27 م|05 أغسطس 2011

يا وطني...علي عقلة عرسان

 

يا وطني العزيز.. أرضك مخضبة بدماء، ووجهك معفَّر بتراب موت ورماد حرائق، والفوضى تعربدُ في بعض جنباتك وتنشر ظلالاً قاتمات على جمالك وفي مجاليك، وقسماتك تكتنز المجهول ويتراءى فيها الغضب والخوف والتوق إلى الأمن من جوع وخوف.. وسماؤك يا وطني ملبدة بعهن منفوش مختلطة أطياف ألوانه وتدفعه الرياح باتجاهات شتى، والفضاء الحيوي فيك ومن حولك يعج بما لا حصر له من الافتراضات والتوقعات والادعاء والوعد والوعيد.. وكثير من الخلق يلوكون سمعتك.. فما الذي فيك يستعصي عليك وأنت التاريخ الحافل بالحل والعقد والحكمة والحنكة.؟َ! ما فيك يا وطني يقلقني منك ويقلقني عليك لأنه ليس لي سواك ألوذ به، فأنت المحيا والممات، والمهد واللحد، والمكان الوحيد الذي اخترت ألا يشاركني في حمل اسمه وحبه وطن.. ما فيك يقلقني منك ويقلقني عليك وليس لي إلا أن أتوجه إليك.. أنا الذي ألهث على دروبك طولاً وعرضاً في هذا الزمن الصعب وراء لحظة يتجلى فيها العقل والعدل مستنيرين بنور القلب والبصيرة، آخذين بحقيقة أن العروبة فيك جسد والإسلام روح.. لتئد الفتنة، وتحقن الدم، وتحفظ الكرامة، وتحيي الناس بعدل يقيم الدول ويحيي الناس!! فحيث يوجد العقل الحاسم والعدل الحازم والقلب الرحيم والبصيرة المستنيرة.. توجد الحياة بتنوعها وغناها، ويوجد الأمل بمستقبل واعد وعيش كريم، ويوجد التطلع المقتدر إلى الحرية والتحرير والمكانة بين الأمم والدول.. وحيث لا يوجد ذلك لا يوجد شيء مما نحب ومما يبني الحياة بحب، ويقيم علاقات الناس على الاحترام والمحبة والوئام!؟ ألهث في دروبك يا وطني وراء لحظة تهيمن فيها الحكمة على الإرادة والطاقة والانفعال لتمنع الاقتتال والقتل والظلم والرعب والغدر والمكر، لكي تنتصر أنت، أنت الوطن بكل قيمك ومقوماتك ومعانيك وثوابتك وأهدافك ومباديك، لكي تنتصر أنت بأبنائك كلهم، القاصي منهم والداني، على كل ما فيك من أزمات ومشكلات وانحرافات، وعلى كل من يحمل سيفاً ويحتطب بليلٍ ويضرب باسمك، وعلى من يظلم ويقهر وينهب ويفسِد باسمك، وعلى من يثير الفوضى ويؤسس للفتنة والأحقاد والثارات باسمك، وعلى من شوه صورتنا بين الناس، من خلال أفعال وأقوال يرفضها اسمك ويرتكبها باسمك.. وعلى يتآمر عليك ويستعدي عليك أعداءك باسمك، ويقتلك ليلاً نهاراً باسمك.. ألهث وراء لحظة ينتصر فيها كلُّ بنيك على كل ما فيك مما يرفضه كل بنيك، ويرتفع صوتُك، صوت الإنسان والحرية والحقيقة والعدالة والقانون، فوق كل الأصوات المنفلتة من أي التزام وطني وقومي وقانوني ومنطقي وأخلاقي واجتماعي وإنساني.. وأسأل يا وطني عند مفارق الحوادث والمآسي والدروب: أين أنت يتألق فيك الحق الصراح، والوعي الشامل، والوعد الصادق، والموقف الوطني الأصيل، والانتماء للأرض والأمة والعقيدة والتاريخ..ويعلو فيك الانتماء إلى العروبة والإسلام، بوصفهما جسداً وروحاً وبيئة وطنية شاملة لكل من هم فيها بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، يعلو فوق أي انتماء يضعف الوطن والجبهة الداخلية فيه.. ليعيد كل ذلك إلى الحضور المادي والمعنوي قيماً ووعياً ومسؤولية وأصالة وطمأنينة وإخاء ولحمة اجتماعية أخذنا نفتقد بعضها في هذا الزمن الرديء الذي نرزح فيه تحت أثقال ننوء بحملها، أثقال ترهق الكاهل والوجدان، وتبرِّح القلوب أشد التبريح، وتترك في الأنفس ما قد يفسدها مع الزمن فيفسد المناخ العام بفسادها، إذا لم يعالج ما تشكوا منه وما تعانيه بكل الجدية والسرعة والقدرة والحكمة والمسؤولية.. لكي نستعيد حضورنا النوعي في أرضنا التاريخية وتربتنا الثقافية والحضارية، أرض العرب والمسلمين جميعاً بكل عقائدهم وأصولهم وأطيافهم.. فالبيئة العامة الحالية، السياسية والإعلامية والاجتماعية والثقافية، لا تساعد على استعادة ذلك الحضور بل تساهم في إضعافه وتفتيته وتغييبه، بيئة يرقص في مغانيها من هو أقرب إلى غراب البين وبوم الخراب.. ومن يحمل شعلة ليحرق بها لا لينير حالك الظلمات!!.. ومن أسف يا وطني العزيز أن هناك من يعمل على بث كل ما يعادي العروبة والإسلام جذرياً في أرض العروبة الإسلام فيضع صورة متناقضة بين أيدي من يقارنون ويفاضلون ويحكمون!! وهناك من يصف العرب والمسلمين في هذا الوطن العريق بأنهم "متطفلون أو في أحسن الأوصاف ضيوف" على من يقول إنهم: " أهل البلاد الأصليين"؟! وفق تعبير أهل اللغو أولئك من أتباع برنارد لويس وبرنارد ليفي والمدارس الصهيونية ـ الصليبية الأخرى الذين تُفتح لهم منابر يغذون منها نزعات عرقية وطائفية متطرفة مقيتة، في أوقات لا تحتمل مطلقاً مثل هذا العبث الكريه بالقيم والتاريخ والحقائق والوقائع والمشاعر، وأولئك كما عرفناهم تاريخياً تجار في سوق الكلام، ويفعلون ذلك لضيفوا إلى أوراق اعتمادهم التي يراكمونها لدى الدوائر والأجهزة الصهيونية والغربية أوراقاً جديدة، يكون لها ثمنها في سوق الكلام المفتوح اليوم على مصراعيه أمام يكتب بدم الأبرياء ويصب على نار الفتنة زيتاً، يراكم رصيده الخاص عل حساب الوطن والمواطنين والقضايا المصيرية.

آن لنا يا وطني العزيز أن نراك في موقعك الذي نريده لك، موقع الأمن والقوة والمنعة والسؤدد والاستقرار والكرامة والحرية والازدهار.. وطن العدل والقانون، وطن الشعب السيد الممسك بكل مقاليد أموره والمتمسك بحقوقه ومبادئه وقيمه وثوابته، المتعلق بالحرية والتحرير والاستقلال، والرائد في مجالات كثيرة.. وطن يعز بعزة كل فرد من أبنائه وبغير ذلك لا يكون.. فالوطن الحر الكريم يقيمه ويبنيه أبناؤه الأحرار الكرماء وليس سواهم. إن على قائمة الأولويات الملحة قضايا تتصل بحياة الناس ومصير البلد، وهي تتداخل على نحو ما مع قضايا جوهرية ومصيرية في نضال العرب الحديث ولا يمكن معالجة طرف من أطراف الأزمة بصرف النظر عن تأثير ذلك عليها في مجملها، والوطن مؤثر، بعوامل داخلية وخارجية، في أمن المنطقة كلها ومتأثر بها.. ونواة قوته الصلبة التي تجمع حولها اللباب هي الأوضاع الداخلية فإذا كان قوياً من الداخل صمد أمام الهزات والأزمات وأثر أكثر وأكثر في محيطه الخارجي وفي القضايا المتصلة به.. وأوضاعنا الداخلية هي التي تحتاج اليوم إلى ما هو أبعد وأكثر من العمليات الجراحية التي تجرى في العراء، وإلى أكثر من المراهم والضمادات والأربطة الواقية.. ولا بد من معالجة القريب منها، أعني الذي نتج عن الأزمة الحالية منذ بدايتها وحتى الآن، بشجاعة وتسامح وبعد نظر ورحابة صدر ورغبة عليا في البناء على أسس وطنية قوية وسليمة ودائمة لا تستثني أحداً من الشرائح أو الأفراد في المجتمع كله.. وتلك مسؤولية أطراف عدة في الأزمة أتصور أن واجبهم الوطني يملي عليهم تدارس كيفية تحقيق ذلك لمصلحة الوطن والمجتمع الأمة. ولا بد من المضي إلى أبعد من السطح الحالي للحدث والأزمة لأنها ليست مجرد بيت عنكبوت هش بني على صخر أصم، فهناك أعماق وأبعاد تطال أموراً ذات تأثير جوهري في حياة الناس: سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وهي تحتاج إلى معالجة جذرية، وهناك ما لا بد من مقاربته أيضاً، حيث لا بديل لنا عن بلسمة جراح قديمة تعود إلى عقود من الزمن تركت تأثيرها في الأنفس، جراح شرائح وأفراد في مجتمعنا لها أسبابها وما زال لها عقابيلها وفعلها، ولا يجوز أن تبقى العقابيل وتُنسى الأسباب ويلحم الجرح على فساد داخلي، فلكل جرح تأثر في الجسم، ولكل جرح بلسم ينفع الجسم، ولكل شريحة اجتماعية كرامة وحق، ولكل فرد احترام ومكانة في وطنه وبين أفراد شعبه.. وإذا وضعنا ذلك كله أو قررنا وضعه على جدول أعمال المعالجات الوطنية الجذرية، فإننا نبدأ السير في طريق اجتثاث جذور الأزمات أو الظواهر التي تنم عن أزمات، وهي ظواهر وأزمات لها أسبابها البعيدة وجذورها العميقة في القديم من الحوادث والأزمات الداخلية التي مر بها هذا الوطن العزيز وما زالت تحتاج إلى معالجة سليمة بالعدل والحب. وبذلك تشفى نفوس مما يعتمل فيها ويفرخ داخلها أزمات ومشكلات.

إن هذا الوطن العزيز المحفوف بحب ملايين القلوب والعقول يحتاج إلى مناخ عام أفضل يتيح لكل مخلص قادر فيه أن يشارك في حل مشكلاته بمسؤولية وطنية وأخلاقية عالية، بعيداً عن ضجيج الإعلام وألاعيب السياسة وادعاء الأدعياء وصراخ من لا يهمهم إلا أن يظهروا على حساب الوطن والناس.. وهذا يحتاج إلى إبعاد الفاسدين والمفسدين والانتهازيين بعيداً عن ساحة الفعل المنقذ، والإقبال على الأمور بحسن نوايا واقتدار سياسي وفكري ومهني جيد وكفاءة عالية وضمير حي وعزم طيب..

وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، كما قال أبو الطيب.

دمشق في 5/8/2011