خبر سليم البيك يكتب..حل أحزاب اليسار الفلسطيني

الساعة 12:38 م|05 أغسطس 2011

سليم البيك يكتب..حل أحزاب اليسار الفلسطيني

'غرّدتُ' مرّة عبر التويتر محذّراً بأنني 'سأصلّي إلى أن يتوحّد اليسار الفلسطيني'. أمهلت هذا اليسار ثلاثة أسابيع، ولم يتوحّد، ولم أكن جدّياً في ذلك، فما كان لي إلا أن أتراجع عن تحذيري لقيادات الأحزاب اليسارية، وتراجعت عن 'التغريدة' الخارجة عن السرب الفلسطيني الأحمر، و(لا بدّ) المنحرفة يميناً.

سأسأل بكلّ وضوح، ما الذي يمنع الأحزاب اليسارية الفلسطينية في أن تتوحّد؟

لدينا الجبهة الشعبية، والديمقراطية، وحزب الشعب وآخرين، هي الأحزاب الأكبر - فيما بينها فقط - والأولى بالمبادرة لوحدة ما، لست أتكلّم عن مؤتمر أو تجمّع موحّد أو سهرة رفاقيّة أو أي من هذه التظاهرات الشكلية التي أظهر التاريخ الفلسطيني الحديث ركاكتها. سأتكلّم عن حلّ هذه الأحزاب في بعضها، ليشكّلوا حزباً واحداً زي الخلق والعالم.

أعي جيداً مدى الفئويّة (أو سمّها الولاء الحزبي أو مهما يكن) عند كوادر وقيادات هذه الأحزاب، وإن تفاوتت نسبها، وأن كلامي بالوحدة سيكون عبثياً بل ومثيراً للضحك، وسيُرفض مجرّد الحديث عن فكرة الحل، فكيف بالاندماج مع آخرين؟ فهنالك ما ينسف فرضيّة الحزب اليساري الموحّد قبل الحديث بها حتّى.

وطبعاً القيادات لن ترضى بها لأن عضو مكتب سياسي في أحد تلك الأحزاب سيخسر صلاحيات وربّما منصبه إن انحلّ حزبه ليتوحّد مع آخرين سيكون من بينهم أعضاء مكاتب سياسية سيرفضون الاتحاد للأسباب ذاتها، تماماً كقصّة ابريق الزيت. لكني (كفرد من هذا الشعب 'لن يخسر سوى قيوده' حسب ماركس) لن آخذ هذه الاعتبارات، البرجوازية بشكل أو بآخر، بعين الحسبان بل سأنطلق مما أراه الأنسب للقضية الفلسطينية ومنها إلى الصيغة المطروحة، أي الاتحاد.

كاتب هذه الأسطر إنسان يؤمن (على قَدّه) باليسار فكراً وممارسة، ويعرف بأن (رغم كل شيء) الأنسب لقضيته هو ما يطرحه اليسار، وقد أشارك بمقالي هذا الحزبيين، والشباب منهم تحديداً، في ما يتمنّوه، لكن الضمير الحزبي قد لا يطاوعهم على 'التغريد' بفكرة الحل والاندماج.

من بين ما 'يأخذ' به هذا اليسار هو الفكر الغرامشي ومفاهيمه الفلسفية ومنها 'الهيمنة: hegemony'، وهي الصيغة الأكثر ديمقراطية وتشاركية وانفتاحاً وتوسّعاً ومنطقيّة وعمليّة من المفهوم اللينيني 'ديكتاتورية البروليتاريا' والتي أيضاً (كان) يأخذ بها هذا اليسار ويُقصد بالهيمنة هنا السيطرة السلمية التراكمية 'لكتلة تاريخية' ما (المفروض أنها هنا أحزاب اليسار الفلسطيني) في المجتمع عبر 'احتلال المواقع' في المجتمعين المدني والسياسي (الفلسطيني). لكن ماذا لو لم يكن هنالك أساساً من كتلة تاريخية؟ أن تكون مفتّتة أولاً إلى أحزاب لم تعد فعّالة في المجتمع، وثانياً إلى أفراد ومنهم مثقفين كثر- مستقلّين يكادون أن ينسوا الأساس الوجودي لأحزاب، فضّلوا الحفاظ على سلامة يساريّتهم خارجها؟

إذن لا وجود لتلك 'الكتلة'، انتهى الأمر إذن. من سيقوم 'باحتلال المواقع' أو بفعل 'الهيمنة' حسب المفاهيم الغرامشية، وهي الأنسب للوضع الفلسطيني؟ هل تحاول الأحزاب إفهامنا بأن كلّ منها يقوم بدوره حالياً، منفرداً بذلك، وأننا يمكن أن نجري عملية جمع حسابية لما تقوم به مجمل هذه الأحزاب مجتمعياً وسياسياً؟ فليبشّروا غرامشي بذلك، لست واثقاً من جدوى فكرة فئوية وقصيرة النظر كهذه.

وقد أكون مغالطاً إن تواجدت، فعلاً، محاولات فلسطينية لتجديد الماركسية، ومفاهيم غرامشي تحديداً!

لمَ لا تغلّب هذه الأحزاب المصلحة الوطنية على الفئوية هي نفسها، بدل المطالبة اليومية لفتح وحماس بذلك؟ وضرب الميّت حرام بل وأصبح (هنا) مملاً. المصلحة الوطنية تستدعي يساراً قوياً، يمكنه أن يفرض مقاربة أكثر وطنية وأكثر عقلانية من كلا اليمينين: فتح وحماس. والمصلحة الوطنية تستدعي يساراً موّحداً لذلك، وتستدعي، بالتالي، وحدة عضوية لهذا اليسار 'كمثقّف جمعي' بالتعبير الغرامشي مجدداً، وهو ما يقابل التعبير الآخر 'المثقف العضوي' الملتحم بالناس -وهو ما ليست عليه أحزابنا- وكلّ ذلك لا أساس له إن لم يتوحّد اليسار، وكي لا تكون الوحدة ديكورية وبالتالي كاريكاتورية (ونضحّك الناس علينا)، لا بدّ من حلّها جميعاً أولاً، ثم يتوحّدون صباح اليوم التالي، كي لا تفتر همّتهم.

حسناً، ما الذي يفعله اليسار الآن، في هذه اللحظة، لحظة كتابتي أو لحظة قراءتكم لن يفرق كثيراً؟ ما الذي يمكن أن تفعله هذه القيادات؟ طيّب، فليفوتوا في التجربة (قاعدين وقاعدين) وإن لم يصيبوا فحسبهم أجر المحاولة، والله ولي التوفيق.

لعلّه يوافقني معظم اليساريين غير المحزّبين، وربّما (ضمناً) بعض المحزّبين وإن لم يكونوا متحمّسين للفكرة ولهم أسبابهم وأولويّاتهم، لكني واثق بأن حزباً يسارياً واحداً يشمل جميع تلوّنات اليسار في المجتمعات الفلسطينية، سيكون بداية خلاص ما (مهما اختلفنا على مفهوم الخلاص) يضع أمور هذه القضية في نصابها الصحيح سياسياً وثقافياً واجتماعياً. وعلى هذا الأساس، يتحمّل اليسار الفلسطيني، بقياداته، عدم مسؤوليته تجاه القضيّة قبل غيره، لأسباب أهمها أن الأمل يتعلّق بتيّار هم يقودون أحزابه، وأن هذه الأحزاب إن لم تحلّ نفسها في حزب واحد، ستبقى على حال البيروقراطية الوطنية منذ سقوط الاتحاد السوفييتي إلى تحرير فلسطين.

وعندها لن أسأل عليهم.

كاتب من فلسطين

عن صحيفة القدس العربي