خبر الاهانة والحساب -يديعوت

الساعة 09:14 ص|01 أغسطس 2011

الاهانة والحساب -يديعوت

بقلم: يرون لندن

سكنت في طفولتي مع والدي بشقة من ثلاث غرف مساحتها نحو من سبعين مترا مربعا. وقد اجرت واحدة من غرفها لزوجين من المهاجرين. وفي الغرفتين الاخريين سكن ابناء عائلتنا الخمسة وفيهم عمي الذي خشي الزواج. وفي كل مساء كان أبي وعمي يفرشان فراشا على البلاط وكانت اختي الكبرى تفتح حمالة جرحى وتضعها في الممر. كنا محظوظين لانه كانت لنا شقة خاصة بنا. وكنا سيئي الحظ لان شقتنا اشتريت بمال جدي وجدتي. وقد كانا يودان الهجرة الى البلاد ولم يستطيعا. ففي بدء الحرب هشم جيرانهما الليتوانيون رأسيهما.

لم نكن فقراء وان يكن والدايّ خشيا بين الفينة والاخرى من انه قد اقترب اليوم الذي تنفذ فيه قروشهما الاخيرة. كان الفقراء ابناء عائلتي "اليمنية"، المساعدة في البيت التي أتت الى بيتنا مرة كل اسبوعين لمساعدة امي في "يوم غسل". وأظن انني حتى مطلع بلوغي سن الرشد لم أرى في عيني شخصا غنيا حقا. فقد كان الاغنياء الكبار قلة بل كانوا أخفياء. والغنى لم يزد اصحابه كرامة.

ان ذكرياتي التي لا تختلف بشيء عن ذكريات ابناء جيلي، ترمي الى تعزيز دعوى ان الضيق الاقتصادي في المجتمعات المتطورة هو شعور أكثر من أن يكون ماهية. قذف افيغدور ليبرمان المحتجين بان مطالبهم غير الواضحة هي نزوة أغنياء. ان شخصا يجرؤ على ان يقول ان ابنته ابنة العشرين قد جمعت عشرة ملايين شيكل بسرعة خاطفة بفضل مواهبها الاعمالية، يصعب عليه أن يفهم ان هذا المال الدنس يوميء الى جذر الازمة. فليس الاحتجاج نابعا من غلاء أجرة شقة بل من الشعور بان مجتمعنا غير عادل.

ان المجموعتين الافقر في المجتمع الاسرائيلي أي العرب والحريديين، لا تشاركان في حركة الاحتجاج. اما العرب فلانهم لا يتوقعون ان تثير اقامة خيام احتجاج في أرض الجلاء البدوية او في بلدة عربية في الجليل أي انتباه. وأما الحريديون فلانهم غير قلقين. فهم على ثقة بان ممثليهم في السياسة سيعصرون الدولة مثل الاسفنجة. وهذا يدل على أن الغضب الذي يولد العصيان لا يشعله الفقر بل الاهانة. فالازمة الاقتصادية تنبع من قلب غامض لا من قلة حساب البنك.

ان مصدر الاهانة لا تسده سوى ثورة لكنني اخمن أن موعد نشوبها قد انقضى. وبيان هذا انه لا يوجد تلاؤم بين القرارات السياسية الحاسمة المطلوبة وبين ميزان القوى السياسية. فالسياسة يصوغها ائتلاف أقليات تكره الحداثة من الجهلة والمتطرفين الدينيين ومتطرفي الاحتلال ومضطهدي العرب ومضطهدي النساء ومبغضي العمل. وتنضم اليهم طبقة صغيرة من الاثرياء زيادة ثرائهم رهن في الحفاظ على صور النظام القائم. والزيادة السكانية تعمل في مصلحة ائتلاف الاقليات وهي تعمل في مصلحة الزيادة السكانية. ولست أنجح في أن اجد استراتيجية سياسية تكسر هذه الدائرة بالوسائل التي تقترحها الديمقراطية.

واليكم اختصار تاريخ الانقسام: ان المجتمع الاسرائيلي غير متجانس جدا وقد نقصت رؤيا "بوتقة الصهر)، التي كانت ترمي الى التقريب بين اجزائه أمام تعتعات "التعدد الثقافي". وعدم التجانس يعمل بزيادة الفروق الاقتصادية. ان أبناء قدماء البلاد ورثوا أملاكا تمكنهم من زيادة تفوقهم من جيل الى جيل. واليهود الغربيون هم الكثرة الغالبة بين القدماء. وتبنى العلمانيون انماط سلوك تلائم المنافسة في ميدان الاقتصاد الحديث. والعولمة تساعدهم. اما الحريديون فيكثرون الولادة ويقلون العمل في كسب عيشهم. وأما العرب فانهم مسحوقون لانهم أبناء مجتمع قروي سلبت اراضيه ولان اليهود ما يزالون يطأونهم. وأما أكثر من أتوا من البلدان العربية فيجهدون في تخطي تخلفهم الذي هو نتيجة ظلمهم ومحافظتهم. وفيهم من ينجحون في هذا لكن كثيرين جدا اغرتهم سخافات "اعادة المجد الى ما كان عليه".

لن تجدي اصلاحات توجدها الحكومة بين عشية وضحاها خشية فقدان السلطة. الامكان الوحيد لتغيير عميق يكمن في انشاء ائتلاف ثوري. ولست أومن كما قلت آنفا باحتمالات نجاحه. لكن لا تقبل كلام متشائمين مثلي. ان قطرة تفاؤلي تنبع من أملي أنني مخطيء.