خبر عهد جديد في تركيا- هآرتس

الساعة 08:21 ص|31 يوليو 2011

عهد جديد في تركيا- هآرتس

قمة القيادة العسكرية تستقيل

بقلم: تسفي برئيل

لأول مرة في التاريخ الحديث لتركيا، تكون القيادة العسكرية هي التي تستقيل بسبب خلاف مع الحكومة، وليس الحكومة هي التي تُزاح. يوم الجمعة، بعد جلسة طويلة مع رئيس الوزراء، رجب طيب اردوغان، قرر رئيس اركان الجيش التركي، ايشيك كوشانر، رفع استقالته. ومعه استقال ايضا قادة أذرع البحر، الجو والبر. في ذات اليوم عين اردوغان قائد الشرطة العسكرية، الجنرال نجدت أوزال – مقربه والمسؤول الكبير الوحيد الذي لم يستقل – قائدا لقوات البر وبعد ذلك رئيس الاركان بالوكالة.

اردوغان لا يضيع وقتا. فرصة تاريخية سقطت في يده وهو يمسك بها بشدة. هذه المرة ينجح في أن يفرض بشكل نهائي الحكومة المدنية على الجيش فيحطم أحد المباديء الأساس التي أقام عليها مؤسس تركيا الحديثة، كمال أتاتورك، النظام. المبدأ الذي يمنح الجيش الصلاحية في حماية أسس الدستور وبالتالي الشرعية لصرف حكومات لا تتصرف حسب مباديء أتاتورك.

للاستقالة الجماعية، التي وصفت رسميا بأنها "خروج الى التقاعد" لن يكون معنى من ناحية أداء الجيش وتنفيذ مهماته، ولكن آثارها بعيدة المدى من ناحية سياسية، ويمكن وصفها كثورة في مبنى علاقات القوى في الدولة.

في خطاب انفعالي ألقاه يوم الجمعة أمام الضباط شرح كوشانر بأنه قرر الاستقالة لانه لم يعد يستطيع الدفاع عن مرؤوسيه أمام تنكيل المؤسسات المدنية. "14 جنرالا و58 عقيدا فقدوا حقهم في أن يترفعوا في رتبهم بسبب الاتهامات التي لا تستوي مع القانون"، شرح قائلا. رئيس الاركان المستقيل، الذي عُين قبل سنة، وشكل بتعيينه نهاية عصر النفوذ العسكري على السياسة، يجد نفسه، بزعمه، ضحية السياسة التي ينتهجها اردوغان.

المعركة العسيرة التي تدور بين الجيش واردوغان تجري حول قضيتين: ارغنكون و"مكيفت"، بدأتا في العام 2003. حسب الشبهات ولوائح الاتهام، حاولت مجموعة من الضباط، المفكرين، السياسيين السابقين والصحفيين الاطاحة بحكومة اردوغان، التي تشكل بالنسبة لهم خطرا على استمرار وجود تركيا كدولة تعتمد على مباديء أتاتورك، ولا سيما التهديد على مبدأ العلمانية. وحسب وثائق عرضتها النيابة العامة، اعتزم "المتآمرون" المس بالمساجد والمؤسسات الدينية لاحداث استفزاز يؤدي الى استيلاء الجيش على الحكم. وفي السنوات الثلاث الماضية اعتقل مئات المشبوهين للمشاركة في القضيتين والآن يمكث في المعتقل 173 ضابطا في النظام و77 ضابطا متقاعدا بانتظار محاكمتهم.

ويصف معارضو اردوغان القضية المتفرعة بأنها اضطهاد سياسي من الجيش ومحاولة لتطهير صفوف القيادة العسكرية. بالمقابل، فان مؤيدي اردوغان يشيرون الى التضارب في ادعاءات من يسعون الى الحفاظ على مكانة الجيش بصفتها المكانة العليا على المؤسسات المنتخبة، وذلك لأن تدخل الجيش في السياسة يتعارض مع الديمقراطية. أما عمليا، فقد كان الاتحاد الاوروبي هو الذي طلب من الحكومة التركية قطع الجيش عن السياسة، كأحد الشروط الأساسية لضمها الى الاتحاد. وأدى مطلب الاتحاد الى أنه منذ العام 2004 تقلص تواجد الجيش وممثلي مجلس الامن القومي في المؤسسات المدنية مثل التلفزيون الرسمي ووزارة التعليم كما ألغيت الرقابة العسكرية على السينما والموسيقى.

توقيت الاستقالة قريب من الموعد الذي كان يفترض بالمجلس العسكري الأعلى أن ينعقد فيه، مثلما في كل سنة، في بداية آب، للبحث في التعيينات والاقالات في الجيش. في السنة الماضية ايضا سعى رئيس الاركان الى عرض سلسلة من التعيينات، ولكن معظمها رفضها اردوغان بدعوى أن بعضا من المرشحين مرتبطون بقضية ارغنكون. وقبل رئيس الاركان في حينه هذا الادعاء وانتظر سنة كي يقترح مرشحيه. هذه السنة، قُبيل البحث يوم الاثنين، أبلغه اردوغان بأنه "لا يريد أن يرى مفاجآت في قائمة المرشحين".

كوشانر ما كان يمكنه أن يوافق على تدخل فظ بهذا القدر من اردوغان في التعيينات العسكرية فقرر الى جانب قادة الأذرع الاستقالة.

اردوغان، الذي حظي بأغلبية جارفة في الانتخابات ويعتزم من الآن فصاعدا حث الاصلاحات الدستورية التي حظيت بتأييد الاغلبية بين الجمهور في استفتاء شعبي، يستكمل سيطرته على الجيش ايضا، وهكذا يجعل نفسه نوعا من "أتاتورك الحديث"، مثل الزعيم التاريخي يسيطر هو ايضا من خلال نظام حزب واحد لا معارضة حقيقية له.