خبر مناورة إلغاء اتفاق أوسلو ..عوني صادق

الساعة 05:46 ص|31 يوليو 2011

مناورة إلغاء اتفاق أوسلو  ..عوني صادق

يوم الاثنين الماضي نشرت صحيفة "هآرتس" (25/7/2011) خبراً مفاده أن رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو طلب من مستشار الأمن القومي "الإسرائيلي"، يعقوب عميدرور، أن يدرس إمكانية إلغاء اتفاق أوسلو إذا تقدمت سلطة رام الله بطلب إلى الأمم المتحدة للحصول على اعتراف منها بدولة فلسطينية على حدود 1967، مصادر ديوان رئيس الوزراء الصهيوني نفت، في اليوم نفسه، ما ذكرته (هآرتس)، لكنها قالت إن نتنياهو طلب من عميدرور "دراسة جميع الخطوات التي يمكن القيام بها إذا اتخذ الفلسطينيون إجراءات أحادية الجانب".

 

من جانبها رفضت سلطة رام الله ما اعتبرته "تهديدات "إسرائيلية"" على لسان مدير مركز الإعلام الحكومي، غسان الخطيب، الذي اعتبرها "تعبر عن ابتزاز "إسرائيلي""، معتبراً أن اتفاق أوسلو يفترض أن يخدم مصالح الطرفين "وبالتالي لا يجوز استخدامه للتهديد" متهماً الجانب "الإسرائيلي" بأنه "تعمد تنفيذ ما يخدم مصالح "إسرائيل" من بنود الاتفاق وأهمل بنوداً أخرى يعتقد أنها في غير صالحه".

 

ليس هناك من يجهل أن معظم أطراف الائتلاف اليميني الحاكم في الكيان الصهيوني الآن كانت ضد توقيع اتفاق أوسلو في حينه، ومؤخراً فقط أعلن نتنياهو قبوله، من الناحية اللفظية فقط، صيغة "دولتين لشعبين"، مع تأكيده في تصريحاته الأخيرة على قناعاته التي لا ترى إمكانية لتحقيق السلام مع الفلسطينيين. أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية الكيان، كان هو من بدأ هذه النغمة في آخر اجتماعاته مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، كاترين آشتون (في 17 حزيران 2011)، وفي الفترة نفسها طلب نتنياهو من مستشاره للأمن القومي القيام بدراسة إمكانية إلغاء الاتفاق.

 

الرد الذي جاء على لسان مدير مركز الإعلام الحكومي الفلسطيني، غسان الخطيب، والذي اعتبر التهديدات "الإسرائيلية" "ابتزازاً" قد يترك انطباعاً بأن اتفاق أوسلو انطوى على فوائد ومنافع لا تحصى للفلسطينيين، بالرغم من إشارته إلى أن ما كان لمصلحة الفلسطينيين قد أهملته الحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة. هنا لا بد من التشديد على أن اتفاق أوسلو على ما هو عليه من سوء، كان قد قتل تحت بلدوزرات جيش أرييل شارون أثناء الانتفاضة الثانية بدءاً من أيلول 2000، والذي أعاد احتلال الضفة والقطاع من جديد. مع ذلك، لا بد من التوقف عند ما حققه "الإسرائيليون" من فوائد استراتيجية جراء الاتفاق، وسنعتمد في هذا على "شاهد من أهلها" حتى لا يكون هناك مجال لأي تشكيك.

 

في مقال نشرت صحيفة "الأيام" (13/تموز 2011) الصادرة في رام الله، ترجمة له، عدد زكي شالوم تلك الفوائد على النحو التالي:

 

1) حرر اتفاق أوسلو "إسرائيل" من المسؤولية عن الأغلبية الساحقة من سكان قطاع غزة والضفة الغربية، فيما لم تتضرر المناورة العسكرية "الإسرائيلية" في هذه المناطق.

 

2) ساهم الاتفاق في زيادة الإجماع الداخلي في "إسرائيل" حول مستقبل التسوية.

 

3) عمق الخلافات داخل العالم العربي وفي أوساط الحركة الوطنية الفلسطينية حول التسوية ووسع من حرية مناورة "إسرائيل".

 

4) رسخ صيغة المفاوضات الثنائية برعاية دولية (كان عليه أن يقول برعاية أمريكية).

 

كل ذلك قدمه اتفاق أوسلو، إلى جانب أنه أعطى الحكومات "الإسرائيلية" كل الوقت المطلوب لتوسيع المستوطنات القائمة، وبناء مستوطنات جديدة، ومصادرة أوسع للأرض الباقية للفلسطينيين. والأهم من ذلك كله، وبسببه، ما أقامه من تنسيق أمني أدى إلى إنهاء المقاومة في الضفة الغربية وسهل ملاحقة المناضلين الذين يزداد يومياً عدد المعتقلين منهم. لذلك ليس غريباً أن تقول (هآرتس) إن أغلب الوزارات والمستويين العسكري والسياسي في الكيان يرفضون فكرة إلغاء الاتفاق. وبالتأكيد أسباب ذلك الرفض كثيرة في مقدمتها ما يمكن أن يترتب على إلغائه من قضايا شائكة مثل حل السلطة ومصير التنسيق الأمني المسؤولين عن "حرية المناورة" الممنوحة للسلطات "الإسرائيلية".

 

إلغاء اتفاق أوسلو كان منذ سنوات، ولا يزال، مطلباً لكل القوى الوطنية الفلسطينية التي اكتشفت مثالبه ورأت فيه عقبة كأداء في طريق نضالها الوطني. وبالرغم من أن سلطة رام الله قررت الذهاب إلى الأمم المتحدة بعدما يئست من استئناف المفاوضات، واقتنعت بعجز الإدارة الأمريكية عن فرضها بشروط معقولة، إلا أنها على ما يبدو لم تنتبه إلى أنها بخطوتها هذه تحكم على نفسها بالإعدام، ليس فقط لأن الكيان الصهيوني يمكن أن يلغي اتفاق أوسلو بل لأن ذهابها للأمم المتحدة يعتبر اعترافاً بفشل نهج المفاوضات الثنائية وعجز الولايات المتحدة عن رعايته، وبالتالي سقوط اتفاق أوسلو الذي لم يزد على كونه "برنامجاً لحل النزاع عبر المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية". وعلى ذلك فإن تأكيدات الرئيس محمود عباس بأن "لا تناقض بين المفاوضات والذهاب إلى الأمم المتحدة" هي تأكيدات لا أساس لها من الصحة، خصوصاً أنه طالما أعلن "لن نذهب إلى الأمم المتحدة إن تم استئناف المفاوضات"، وأنه "حتى لو حصلنا على اعتراف الأمم المتحدة سنعود إلى المفاوضات". وليس اكتشافاً أن يقال إن التفكير بالذهاب إلى الأمم المتحدة كان في الأصل محاولة للضغط على الحكومة "الإسرائيلية" وربما على الإدارة الأمريكية لاستئناف المفاوضات. وتهديدات الإدارة الأمريكية باستعمال (الفيتو) يأتي من هذا التناقض، ومن كون اللجوء إلى الأمم المتحدة يمثل إعلاناً لفشل وعجز الإدارة الأمريكية عن القيام بما كان يجب أن تقوم به.

 

وهنا يصح القول: "الجنازة حامية والميت كلب".