خبر أكثر سياسية من السياسي.. هآرتس

الساعة 02:46 م|27 يوليو 2011

بقلم: ميخال شمير

تدرس علوم السياسة في جامعة تل أبيب

(المضمون: يجب ان تعود القضايا التي يثيرها احتجاج السكن في اسرائيل الى مركز الحياة الديمقراطية فيها والا ابتلع مرة اخرى في الجدل المعتاد في مستقبل المناطق المحتلة -  المصدر).

إن إحتجاج السكن سياسي. فالسياسة كما قال الباحث في الاتصالات هارولد لاسفل هي "من يحصل على ماذا ومتى وكيف". فكل عمل يتم من أجل التأثير في سياسة هو فعل سياسي، ولا يوجد شيء أكثر سياسية من جوادّ الخيام في انحاء البلاد.

والاحتجاج السكني ايضا مقولة يسارية واضحة: ففي عالم الافكار السياسية فان طلب العدل الاجتماعي ومسؤولية الدولة عن رفاهة مواطنيها ومضاءلة الفروق والمساواة هي جوهر اليسار. وفي عالم العمل السياسي وفي أكثر الديمقراطيات في العالم؛ هذه هي الموضوعات التي يجري فيها الجدل السياسي وهذا هو التقسيم المركزي بين الاحزاب المتنافسة في الانتخابات وهذه هي القاعدة للتعريف الرائج لليسار واليمين.

لماذا لا يكون هذا مفهوما من تلقاء نفسه؟ لان اليسار في اسرائيل يعني أن تكون حمامة ومؤيدا للسلام والمصالحة مع الفلسطينيين، ويعني اليمين ان تكون صقرا وان تقسم يمين الولاء لارض اسرائيل الكاملة. منذ حرب الايام الستة أصبح النظام الحزبي ومعه السياسة والنقاش السياسي حبيس الانقسام السياسي الذي يعرفه الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني.

وهذا الشيء بارز وحاد على نحو خاص في المجال الاقتصادي – الاجتماعي الذي يعرف السياسة في أكثر الدول. ففي اسرائيل لا توجد فروق واضحة بين الاحزاب المركزية في هذه القضايا. والاحزاب المركزية لا تعرض خيارات حقيقية مبلورة. ولا يوجد نقاش متصل واعٍ يستطيع ان يساعد المواطنين على فهم القضايا وصياغة نظرية منظمة وربطها أيضا في التفضيل الحزبي وبالتصويت. تعرف أسئلة السياسة الاجتماعي – الاقتصادية بسهولة بانها شؤون اختصاصية. وان الويل للسياسة اذا تطرقت اليها.

ولما كانت موضوعات هذا الاختلاف لا تطرح للنقاش في النظام الحزبي وفي المعارك الانتخابية فانه لا يوجد عرض لتفضيلات الجمهور في هذه المجالات. ان الاكثرية الكبيرة من الجمهور بعيدة جدا عن قيادها وعن السياسة الليبرالية الجديدة المطبقة منذ سنين، وتريد سياسة رفاهة ومساواة وتقليص الفروق. لكنه لا يعبر عن هذه التفضيلات في الكنيست وفي السياسة ايضا.

ان 60 في المائة تقريبا من أعضاء الكنيست الـ 18 يعدون في احزاب تؤيد على نحو واضح موقفا رأسماليا ليبراليا جديدا (الليكود وكديما واسرائيل بيتنا – فهم 70 نائبا). لكن الجمهور في مكان مختلف تماما وتشهد على ذلك أبحاث كثيرة. ففي استطلاع الانتخابات الاسرائيلي في 2009 كررنا السؤال الذي يُسأل في الاستطلاعات منذ أربعين سنة وهو: "بشأن بنية الحياة الاقتصادية في البلاد، ما الذي تؤيده أكثر: التوجه الاشتراكي أم التوجه الرأسمالي؟" ومن بين المستطلعة اراؤهم الذين أجابوا عن السؤال اختار 32 في المائة فقط التوجه الرأسمالي وأيد 68 في المائة التوجه الاشتراكي.

هذه هي النقطة الدنيا من جهة تأييد التوجهات الرأسمالية منذ منتصف الثمانينيات حينما جرى تطبيق خطة اقرار الاوضاع الاقتصادية التي كانت نقطة تحول في السياسة الاقتصادية في اسرائيل – من سياسة ذات طابع اشتراكي الى سياسة ليبرالية – رأسمالية. في ذلك الاستطلاع للرأي رأى 74 في المائة أن "على الحكومة أن تهتم بان يكون لكل انسان  عمل ومستوى عيش معقول"؛ واعتقد 9 في المائة فقط ان "على الحكومة ألا تتدخل وانه يجب على كل انسان أن يدبر اموره بنفسه".

ان كون الجهاز الحزبي والنقاش السياسي حبيسي الانقسام السياسي للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني قد مكن من تنفيذ الانتقال الحاد من مجتمع تكافل ومساواة في مقاييس عالمية في السبعينيات الى مجتمع غير متساوٍ كثيرا يقف في صف واحد مع الولايات المتحدة، بصورة "طبيعية" وسهلة جدا.

كي ينجح الاحتجاج يجب ان يعرف بانه سياسي ويجب أن يترجم بصورة سياسية. يجب ان تقف القضايا التي يثيرها احتجاج السكن في مركز الحياة الديمقراطية في اسرائيل. ويجب ان يعود الجدل فيمن يحصل على ماذا الى مقدمة السياسة ويجب لذلك ان تعبر عنه احزاب سياسية وانتخابات والا فسيبتلع في الثقب الاسود للجدل في المناطق، مرة اخرى.