خبر ماذا لو نجح مبارك في قمع الثورة ؟ ..د. عبد الله الأشعل

الساعة 01:14 م|27 يوليو 2011

ماذا لو نجح مبارك في قمع الثورة ؟ ..د. عبد الله الأشعل

 

عندما انفجر الغضب الشعبي العارم يوم 25 يناير 2011م كان ذلك إعلانًا بعد إعلانات أقلّ وإنذارًا بعد إنذارات متتالية بأن القهر وانسداد الأفق والفجور السياسي والأخلاقي قد بلغ مبلغه، وكان النظام ينظر إلى الشعب على أنه نجح في تفجيره بالقهر والمرض واليأس حتى صارت بضاعة النظام هي إشاعة اليأس من الحياة والإصلاح والمخرج بل ومن رحمة الله تعالى.

 

على الجانب الآخر أدرك الشعب هذه الحقيقة، فلم يعد لديه ما يخشاه أو يخشى زواله سوى الذل والحرمان والفقر.

 

كان النظام قد أفسد كل شيء ونشر الفساد في جزء كبير من جسد المجتمع، ونظم كل ذلك في منظومة أمنيَّة وسياسيَّة حجبت عموم الشعب عن دولتهم، فامتلك النظام كلَّ مقومات الحياة، وكل مقومات الفناء وعمل وفق خطة مدبَّرة تؤدي في النهاية إلى إبادة المجتمع، واستمرار الحكم بتحالفاته الخارجيَّة مع استمرار تدهور الأوضاع.

 

كان الجميع يتوقعون أن ينفجر المجتمع انفجارًا أفقيًّا، ويبدو أن هذه كانت أمنية النظام حتى يتفرغ النظام لمؤامراته وفساده، ولا أستطيع أن أغالب شعورًا عبَّرت عنه قبل الثورة، وأصبح يقينًا بعدها، وهو أن نظام مبارك كان مكلفًا بالقضاء على المجتمع المصري قضاءً منظمًا، ويبدو لي أن هذا النظام الذي كان أقرب إلى العصابة ينفذ هذا التدمير وفق مخطط وُضع بالكامل في الخارج؛ ولذلك فنحن بحاجة إلى العثور على الشفرة التي عمل بها النظام خلال العقود الثلاثة الأخيرة حتى نتمكن من إعادة البناء.. عند هذه النقطة لتواجه فيها النظام مع المجتمع.

 

كان المجتمع يتمنى زوال النظام بأي طريقة حتى لو كان بانقلابٍ عسكري بعد أن سدَّ النظام جميع المنافذ، كما كان النظام يتفنَّن بالإضرار بمصر والمصريين، وأصبح النظام عدوًّا للشعب وأصبح الشعب مستعدًّا للموت لاستخلاص حريته وتحرير إرادته والتخلص من العصابة التي احتلَّت مصر بالتواطؤ مع أمريكا وإسرائيل.

 

هذا هو الموقف النفسي يوم التقى الجمعان: النظام مسلح بالحقد والاستعداد لإفناء الشعب وإسكات صوته إلى الأبد بأسنانه الأمنيَّة والإعلاميَّة والحزبيَّة ومستعد لارتكاب كل الجرائم في سبيل بقائه، والشعب مستعد للتضحية حتى الموت.

 

وكان تقدير النظام أن المزيد من القوة والعنف يمكن أن يرهب أفواج الثورة الأولى، ولكن الغريب أن الشعب الذي خرج سلميًّا يطالب بحقه عرض صدره للرصاص والقتل فداءً للوطن، وكان يزداد شراسةً في مواجهة الرصاص، وقرَّر الشعب كله بعد المواجهة الأولى يوم 28 يناير أن يتحرك في كل الميادين حتى قدّر عدد الناس في الميادين بأكثر من 20 مليونًا؛ أي ربع عدد السكان، أما الباقي فكان مساندًا ومتابعًا، ولو قدر للأرض أن تنطق وللحيوانات أن تتكلم لشاركت الشعب في لعنة النظام.

 

وهكذا خاب فأله وارتدَّ أمله وأسقط في يده.. فماذا لو كان بطشه قد تغلَّب على شجاعة الثوار فارتدوا على أعقابهم بحسرتهم وجراحهم؟ الإجابة ليست صعبة؛ لأن النظام دمَّر الشعب قبل أن يطالب الشعب برحيله.. فما بالنا وقد قرر إزاحته؟

 

المقطوع به أن النظام كان يعدّ لنصب المشانق والمحارق في جميع الساحات، وتقرَّر أن يكون يوم قمع الثورة هو العيد الوطني لمصر، ولما تردد القضاء في الحكم على الثوار بالإعدام دفاعًا عن الوطن وردًّا لفتنة خارجيَّة.

 

أقول ذلك حتى يقارن الناس بين ثورة تنشر العدل والحرية حتى مع نظام أساء إلى نفسه ووطنه وبين نظام لا تحده حدود أخلاقيَّة أو دينيَّة أو قانونيَّة، ومع ذلك يتحدث البعض عن التسامح، والعفو عند المقدرة، وكأنَّ الثورة تريد أن تنتقم من الجلادين، ولكنها في الحق تريد محاكمة عاجلة، ولكنها ناجزة تطفئ النيران في الصدور، وتردع من تسوِّل له نفسه أن يجترئ على الوطن ولكي يكون لمصر حياة في هذا القصاص.

 

ويبقى التطهير والقصاص والأمن والعدالة هي أولويات المرحلة، وهي رسالة الشعب إلى المجلس الأعلى.

 

بغير تطهير مصر من رجال وقوانين وسياسات النظام الذي استمرَّ عقودًا لا يمكن أن نبني نظامًا جديدًا؛ لأن البناء يتطلب أولًا الهدم والتنظيف ووضع الأساس الصالح.

 

ويرتبط بالتطهير أن يلقى كلٌّ جزاءه العادل في محاكمة عادلة؛ فإن الذين اجترءوا على المصريين في الحياة والحرية لا بد أن ينالوا جزاءهم وبغير خطة أمنية متكاملة تناسب مصر الحرة يتم بها إعادة الأجهزة أسهل من إعادة بناء الثقة؛ لأن الثقة لم تكن أصلًا قائمة بين الشعب والأمن، خاصة أن الأمن كان يد السلطة الظالمة والقاتلة، فلا بد من إعادة البناء بعقيدة جديدة، فقد سقطت الشرطة مع نظام فصَّلها على مقاسه، ولا تصلح لغيره، لهذا يجب أن تخضع للتطهير والمحاكمة، أما البلطجة فمن الواضح أنهم طبقة ونمط حياة، فيجب إجراء دراسة اجتماعيَّة نفسيَّة لهم ومعالجتهم اقتصاديًّا؛ لأن المعالجة الأمنيَّة وحدها لا تكفي تمامًا مثلما كانت الإدارة الأمنيَّة للمجتمع وسيلة للقضاء عليه وصارت المعالجة الأمنيَّة لثورته جريمة مركبة يجب المحاسبة عليه.

 

ثم تأتي بقية المطالب، وهو البدء في إعادة هيكلة الاقتصاد ووقف النزيف وتشجيع السياحة ومعالجة البطالة ووقف الهدر في الموارد والإنفاق، وأظن أن تأجيل ذلك أمرٌ غير مقبول وينطوي على سوء نيَّة، ويؤدي إلى دخول مصر في دوامة بين نظام هُزِّم أخلاقيًّا ولكنه لا يزال متربصًا وبين أمل يصبو إليه.

 

القاعدة العامة إذن هي أن الثورة يقاس نجاحها بتحقيق أهدافها وليس بالتغلب على النظام السابق، كما أن الثورات المسلَّحة تتطهر بالقوة وإذا فشلت تحوَّل أعضاؤها من طلاب الحرية إلى خارجين عن القانون.. لحسن الحظ فإن الثورة المصريَّة هي ثورة شعب غلب النظام المسلح بسلميتِه.