خبر حول القبول الإسرائيلي الأمريكي بمبدأ الدولة الفلسطينية../ علي جرادات

الساعة 09:30 ص|27 يوليو 2011

حول القبول الإسرائيلي الأمريكي بمبدأ الدولة الفلسطينية علي جرادات

استهدف قبول أحزاب صهيونية، بمبدأ قيام دولة فلسطينية، بدءاً بحزب العمل، إخفاء مواقفها الفعلية، وإحاطتها، (لغرض التسويق)، بضبابية مدروسة، قشعتها تجربة عشرين عاماً من التفاوض، انكشف خلالها أن النظام السياسي الإسرائيلي ككل، ما زال في غير وارد الاعتراف بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية، كجزء من رفضه لجميع الحقوق الوطنية الفلسطينية: العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، التي تعترف بمشروعيتها وعدالتها قرارات لهيئة الأمم المتحدة، بل، وجاء اعترافها بدولة إسرائيل، مشروطاً بتنفيذ أحد هذه القرارات، أي القرار 194، القاضي بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم التي شُرِّدوا منها.

وللدقة، فقد تكشَّفت حقيقة الموقف الفعلي للنظام السياسي الإسرائيلي، الرافض لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية، (رغم لثام القبول بمبدئها)، مبكرا، وبعد شهور على إطلاق "مسارات" التفاوض بين إسرائيل و"الأطراف العربية"، (في مؤتمر مدريد عام 1991)، حين رفض الوفد الإسرائيلي مطلب الوفد الفلسطيني، برئاسة المرحوم الدكتور حيدر عبد الشافي، آنذاك، وقْفَ عمليات استيطان الأرض وتهويدها، استناداً لمبدأ "الأرض مقابل السلام"، الذي انعقد مؤتمر مدريد، وأطلق المفاوضات، على أساسه، علاوة على أنه بلا معنى القبول بمبدأ قيام دولة فلسطينية، مع مواصلة ابتلاع الأرض، الشرط الأول لقيامها، كأية دولة.

 بل، وتكشَّفت حقيقة الموقف الإسرائيلي من إقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية أكثر في مفاوضات أوسلو، على الأقل، حين رفضت حكومة رابين الخوض في قضايا القدس والحدود والمستوطنات والمياه، وأصرت على دحرها، مع حق اللاجئين في العودة، إلى المرحلة النهائية.

وقد تبين المغزى السياسي لهذا الدحر أكثر، حين لم تعترف حكومة رابين، بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، بل بمنظمة التحرير الفلسطينية، (كإطار سياسي)، مقابل اعتراف الأخيرة كممثل للشعب الفلسطيني، ونيابة عنه، بــ"حق دولة إسرائيل، (غير محددة الحدود)، في الوجود الآمن".

 أفصح الإصرار السياسي على دحر القضايا الجوهرية للقضية الفلسطينية، ورفْضِ وقْف عمليات استيطان الأرض وتهويدها، وعدم الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، عن المنطلق الأيديولوجي الصهيوني الكامن خلف رفْض قيام دولة فلسطينية مستقلة وسيادية، المتمثل في اعتبار أن الفلسطينيين، (بعد اختزالهم في سكان غزة والضفة، ومن دون المقدسيين أيضاً)، ليس شعباً، بل، مجرد "مجموعات سكانية غير يهودية تعيش على أرض دولة إسرائيل"، وتحت سيادتها، غير محددة الحدود، خلافاً لما حددته لها هيئة الأمم من حدود، ومنحتها الاعتراف على أساسها.

هذا هو المنطلق الأيديولوجي الصهيوني الناظم لموقف النظام السياسي الإسرائيلي الرافض لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية. إذ وفقاً للأعراف الدولية فإن الإقرار بوجود الشعوب، شرط للاعتراف بحقها في تقرير المصير، وتجسيده في دول مستقلة وسيادية. ما عنى أن قبول الأحزاب الصهيونية اللفظي بمبدأ الدولة الفلسطينية ، كان مجرد طُعْمٍ مدروس لتسهيل وضع ملف القضية الفلسطينية تحت رحمة مفاوضات ثنائية عقيمة برعاية أمريكية معادية، (وإن مع شاهد زور)، وجرجرة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية إليها، التي، من أسف، استعجلت، وقدمت، بصورة مجانية ومتسرعة، أوراق قوتها الأساسية، لقاء هذا الطُّعْم المغشوش، بدءاً من ورقة استبدال مرجعية هيئة الأمم، إطارا وميثاقاً وقانونا وقرارات، بمرجعية الرعاية الأمريكية وطاولة المفاوضات الثنائية، المحكومة بميزان قوى جائر، مروراً بورقة الاعتراف بحق الوجود الآمن لدولة إسرائيل غير محددة الحدود، ومن دون اعترافها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، تعريجاً على ورقة شطب البنود الأساسية للميثاق الوطني، وانتهاء بورقة التجاهل العملي لقرارات الشرعية الدولية التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة، واختزالها في القرارين 242 و338، اللذين تعاملا مع القضية الفلسطينية كقضية نزاع حدودي، وليس كقضية حقوق وطنية وتاريخية مغتصبة.

على هذا، وبفعله، زاد صلف النظام السياسي الإسرائيلي، وتأججت عنجهيته، وأفرز نتنياهو وليبرمان، بوصفهما التعبير الأوضح، والأكثر عنجهية، عن هذا النظام، اللذين قطعا الشك باليقين حول حقيقة الموقف الإسرائيلي من إقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية، حيث وصف نتنياهو الأرض الفلسطينية، بما فيها المحتلة عام 1967، بالقول: "إنها أرض الآباء والأجداد"، وذلك في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، الذي التهبت أكفُّ أعضائه بالتصفيق دعماً وتأييداً.

إن كانت الممارسة على الأرض، فضلاً عن أقوال نتنياهو، ناهيك عن التصريحات الوفيرة والمتواترة لشريكه ليبرمان، قد قطعت الشك باليقين، فيما يتعلق باستهدافات القبول الإسرائيلي اللفظي بمبدأ قيام دولة فلسطينية، فإن تصفيق الكونغرس الأمريكي، بوصفه صانع النظام السياسي الأمريكي، قد كشف، بصورة قاطعة، عن أن الموقف الأمريكي من إقامة دولة فلسطينية، هو عمليا، وفي الجوهر، ذات الموقف الإسرائيلي، رغم تستره، هو الآخر، بالقبول اللفظي بمبدئها.

ولم يكتفِ صناع السياسة الأمريكية بهذا التصفيق ذي المغزى السياسي الكبير، بل، أعقبوه بموقف أكثر دلالة، وتمثل في التهديد بالفيتو الأمريكي الجاهز في مجلس الأمن، ووقْف المساعدات عن السلطة الفلسطينية، في حال توجهِ منظمة التحرير الفلسطينية إلى الأمم المتحدة، بطلب الاعتراف بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين، بل، والتهديد بوقف المساهمة الأمريكية في تمويل هيئة الأمم، في حال صوتت جمعيتها العامة، (التي لا حق للفيتو فيها)، لصالح المطلب الفلسطيني.

وأكثر من ذلك، فقد تبنت أمريكا، بلسان وزيرة خارجيتها، مطلب حكومة نتنياهو ليبرمان، اشتراط استئناف المفاوضات، باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل "دولة للشعب اليهودي"، بل، وطالبت باقي أطراف "اللجنة الرباعية"، في اجتماعها الأخير في 12-7-2011، " تبني هذا المطلب. فيما يعلم الجميع، أن الموافقة على هذا المطلب، تساوي عملياً الموافقة على تصفية القضية الفلسطينية، ووضع حدٍ للرواية وللمطالب وللحقوق الوطنية والتاريخية للشعب الفلسطيني. والغريب أن يصل التبني الأمريكي لهذا المطلب، حدَّ اعتباره شرطاً مسبقاً لاستئناف المفاوضات، كما تطالب حكومة نتنياهو، فيما، لم تضعه على هذا النحو، حتى، الحكومة الإسرائيلية السابقة، بقيادة أولمرت وليفني، التي كانت أول من طالب به، ووضعه على طاولة المفاوضات بصورة رسمية.

 بهذا، تكون قد انقشعت تماماً ضبابية القبول الإسرائيلي والأمريكي اللفظي بمبدأ الدولة الفلسطينية، واتضح عقم الرهان على اتخاذه أساساً يمكن البناء عليه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وسيادية، عبر المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية، بل، واتضحت، استهدافات هذا القبول، الرامية إلى تفريغ حق الشعب الفلسطيني المشروع في دولة مستقلة وسيادية من مضمونه، واختزاله في حكم إداري ذاتي لسكان غزة والضفة، بوصفهم "مجموعات سكانية غير يهودية تعيش على أرض دولة إسرائيل وتحت سيادتها"، بل، والعمل على مقايضة ذلك بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وحق لاجئيه في العودة إلى ديارهم التي شردوا منها.