خبر سراب الدولة ودوامة المفاوضات ..إلياس سحاب

الساعة 07:47 ص|22 يوليو 2011

سراب الدولة ودوامة المفاوضات ..إلياس سحاب

أغرب ما في اندفاع أجهزة السلطة الفلسطينية ترويجاً لموعد شهر سبتمبر/أيلول المقبل، لانتزاع اعتراف بالدولة الفلسطينية من الجمعية العمومية، وكأن هذا الموعد هو اكتشاف للحل السحري الذي سيوصلنا أخيراً إلى بر الأمان في قضية فلسطين، بعد أن طال غيابه عن أفكارنا.

 

ليس المسعى هو المشكلة، بل الحجم الذي تمنحه لهذا المسعى، الآلة الإعلامية للسلطة الفلسطينية. وهو حجم سرعان ما نكتشف المبالغة فيه عندما يوجه سؤال إلى أي مسؤول في السلطة الفلسطينية عما ينوون فعله إذا ما فشل مسعى شهر سبتمبر/أيلول، فإذا الجواب يأتي على لسان رأس السلطة الفلسطينية محمود عباس: المفاوضات، والمفاوضات، والمفاوضات، لن يبقى أمامنا سوى العودة إلى المفاوضات.

 

وهكذا، فإننا إذا ألقينا نظرة استعادية إلى ما قبل ثلاثة عقود، ليس أكثر، سنجد أنفسنا أننا ما زلنا أسرى الحلقة المفرغة التي نتأرجح فيها بين سراب دولة لا تأتي، وسراب مفاوضات لا تنتهي، ولا تصل أبداً إلى محطة حقيقية جديدة، في مسار القضية.

 

هذه الحلقة المفرغة هي نفسها التي بقينا نتأرجح فيها ذات اليمين وذات اليسار، منذ أيام قيادة الزعيم الراحل ياسر عرفات.

 

كم وعداً أطلقه الزعيم الراحل بشأن الدولة، منذ أن ابتدع شعاره الشهير: "أعطوني شبراً واحداً من أرض فلسطين، وأنا كفيل بأن أتابع منه تحرير فلسطين كلها"؟

 

وكم وعداً ربط بين إعلان اتفاقيات أوسلو، وبين وصف الاتفاقيات بأنها الأفق المفتوح على المستقبل الذي سيؤدي بنا حتماً إلى الدولة الفلسطينية؟

 

هذا عن وعد الدولة الذي ينسى البعض أنه من الناحية النظرية كان سابقاً حتى لظهور المقاومة الفلسطينية، فشكّل جزءاً أساسياً من قرار التقسيم الذي صدر في العام 1947 (القرار 181)، ومع ذلك، مع كل هذه المحطات المتتالية: من قرار التقسيم حتى اتفاقيات أوسلو، لم يتحول وعد الدولة الفلسطينية بعد من سراب إلى حقيقة.

 

هذا عن وعد الدولة، فماذا عن المفاوضات؟

 

كم حلقة من حلقات المفاوضات دخلتها السلطة الفلسطينية مع الحركة الصهيونية منذ أيام ياسر عرفات، حتى أيام محمود عباس؟ ماذا بوسع أكثر المسؤولين الإعلاميين حنكة في السلطة الفلسطينية، أن يقدم لنا لو طلبنا إليه قائمة بالمكاسب الفلسطينية التي حققتها المفاوضات على طريق الحقائق الأساسية للقضية الفلسطينية؟

 

إن الواقع على أرض فلسطين التي احتلت في العام 1967، أي الضفة الغربية وغزة (مع نسيان ثلاثة أرباع أرض فلسطين التي احتلت في العام 1948)، هذا الواقع يقول لنا إن نسبة تهويد المزيد من أراضي الضفة الغربية، ومن منطقة القدس ومحيطها، لم ترتفع في يوم من الأيام، كما ارتفعت عملياً وفعلياً في ظل جلسات المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والحكومات "الإسرائيلية" المتعاقبة، والتي أصبح معلوماً للقاصي والداني أنه لم يعد لها من دور تؤديه (أي المفاوضات)، إلا تغطية خطة الحركة الصهيونية في استكمال تهويد ما تبقى من أرض فلسطين التاريخية، وتذويب الحقائق الأساسية لقضية فلسطين.

 

ألم يشعر المسؤولون الفلسطينيون، في السلطة وخارجها بعد، بأننا منذ مؤتمر مدريد، ونحن نسير في رمال متحركة، ولا بد لنا أولاً وأخيراً من الخروج منها؟

 

إن ميزان القوى الحالي الذي تنام عليه مشاريع الوعد بالدولة الفلسطينية، ومشاريع المفاوضات، لا يَعِدُ بأي إنجاز في مصلحة القضية الفلسطينية.

 

يجب الخروج من دوامة دولة لا تأتي، ومفاوضات لا تثمر، إلى استعادة الديناميكية التاريخية للقضية الفلسطينية، فلسطينياً وعربياً. وهو مشروع يبدأ حتماً بالخروج من كل أشكال العمل السياسي الفلسطيني الحالية، والعودة إلى منظمة التحرير الفلسطينية وإعادة إطلاق الروح فيها ممثلة شرعية وحيدة لكل الفلسطينيين، في جميع أرجاء الأرض.

 

على هذا الأساس المتين فقط يمكننا أن نواصل السير باتجاه هدف الدولة، ويمكننا خوض مفاوضات لا ندخلها إلا بعد أن نستعيد، فلسطينيين وعرباً، كل أوراق القوة التي تخلينا عنها واحدة بعد الأخرى. وما عدا ذلك، سنظل نتأرجح إلى الأبد، بين سراب الدولة، ودوامة المفاوضات، حتى تضيع بقية فلسطين نهائياً.

 

صحيفة الخليج الإماراتية