خبر أين ثورة مصر من الصراع العربي - الصهيوني؟ ..عوني فرسخ

الساعة 07:47 ص|22 يوليو 2011

أين ثورة مصر من الصراع العربي - الصهيوني؟  ..عوني فرسخ

حين التقت ملايين المصريين رجالاً ونساء، شيباً وشباناً في ثورة 25 يناير/ كانون الثاني وأجمعت على شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" وأسقطت الرئيس مبارك "كنز "إسرائيل" الاستراتيجي"، كما وصفته الصحافة "الإسرائيلية"، بدت مصر في نظر أمتها العربية والعالم على عتبة الانعتاق من إسار الردة الساداتية التي توجت بتوقيع اتفاقيتي كامب ديفيد وتواصلت في عهد مبارك بتوظيف دور مصر الإقليمي وفق مخطط التحالف الاستراتيجي الأمريكي الصهيوني. غير أن ثبات السياسة الخارجية لنظام المجلس العسكري بمصر على ما كانت عليه في عهد مبارك، رغم انقضاء قرابة سبعة شهور على خلعه، يؤشر إلى أن النظام بمصر لما يزل يراوح في المكان الذي كان عليه عشية الثورة الشبابية تحت ضغط ارتهان إرادة صناع قراره لاشتراطات المعونة الأمريكية و"المساعدات" الدولية شديدة التأثر بالقرار الأمريكي.

 

والسؤال والحال كذلك، هل إن مصر نتيجة واقعها الاقتصادي وحاجتها الماسة إلى الدعم الخارجي غير المتحرر من القرار الأمريكي، لا تستطيع التحرر من التزامات اتفاقيتي كامب ديفيد برغم المعارضة الشعبية الغالبة للصلح مع "إسرائيل" والتطبيع المستشري معها؟ أم إن استكمال الثورة الذي يدعو له شباب التغيير سوف يعيد لمصر دورها القومي في الصراع العربي الصهيوني في تطور كيفي عما كان عليه قبل أن يجهضه السادات؟ سؤال في الإجابة عنه أسجل الملاحظات الآتية:

 

1 - لم تشارك مصر في حرب 1948 انتصاراً للحق العربي في فلسطين بدافع طموح الملك فاروق للعب دور قيادي عربي، كما يدعي البعض، ولا دعماً لشعب عربي شقيق، كما يزعم البعض الآخر، وإنما هو تأسيس على متطلبات الأمن الوطني المصري، حيث ثبت عبر تاريخ مصر الممتد أن جبهة سيناء هي مصدر الخطر الأول على أمن مصر واستقرارها، وأن معارك مصر التاريخية جرت على أرض فلسطين وما وراءها شمالاً، بحيث استقر في الفكر الاستراتيجي المصري أن من وضع قدمه في الإسكندرون شمال غربي سوريا انتهى مساره إلى الإسكندرية.

 

2 - خلافاً لما اعتاد ترويجه إعلام نظام كامب ديفيد ومؤيدوه، لم يتراجع الخطر الصهيوني على أمن مصر الوطني وأمان مواطنيها بخروج النظام على الموقف القومي العربي من الصراع الذي فرض على الأمة العربية بإقامة المشروع الاستيطاني الصهيوني على ترابها العربي في فلسطين، وإنما على العكس من ذلك تماماً، فإلى جانب استعادة سيناء منقوصة السيادة بحيث لم تعد تشكل درعاً وطنية واقية، فتحت أبواب مصر على مصاريعها للتغلغل الصهيوني، ولطالما تباهى الصهاينة بأن لهم عملاء ومسؤولين في مختلف الأجهزة المصرية، بمن في ذلك العديد من كبار الإعلاميين والكتاب. ومؤخراً نشرت صحيفة "الشروق" القاهرية تفاصيل وافية عن كبار المطبعين في الصحافة المصرية، فضلاً عن تسريب البذور المعدلة وراثياً والمسرطنة التي اتهم بها نائب رئيس الوزراء وزير الزراعة الأسبق يوسف والي. ومن جهة ثانية ترتب على تراجع دور مصر الإقليمي، وتوقف أجهزتها عن ملاحقة التسلل الصهيوني في إفريقيا، كما جرى في المرحلة الناصرية، انفلات التغلغل الصهيوني دون ضوابط في منطقة البحيرات الكبرى بدعم أمريكي بحيث باتت تهدد حصة مصر من مياه النيل. وبنجاح المشروع الاستعماري بإقامة دولة جنوب السودان، وبالدور الذي لعبه الصهاينة في تدريب وتسليح متمردي الجنوب السوداني، غدا الخطر الصهيوني محدقاً بمصر من الشمال والجنوب، مضاعفاً بالتالي تناقضها العدائي دولة وشعباً مع التجمع الاستيطاني الصهيوني.

 

3 - يتضح مما سبق أن مصر المتصالح نظامها مع "إسرائيل"، والمطبع معها قطاع غير يسير من رجال وسيدات أعمالها وإعلامييها، مستهدفة بالعدوان الصهيوني بما لا يقل، إن لم يزد، عما كان عليه استهدافها أيام كانت بقيادة عبد الناصر رأس حربة الأمة العربية في التصدي للتحالف الإمبريالي الصهيوني، ذلك أنه كان في مقدمة الأهداف الاستراتيجية التي استهدفها كبار ساسة ومنظري الإمبراطورية البريطانية عندما تبنوا فكرة إقامة كيان صهيوني في فلسطين بعد دحر جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا من بلاد الشام وفرض معاهدة لندن عام 1840 على محمد علي، أن يشكل هذا الكيان حاجزاً بشرياً غريباً عن الشعب العربي ومعادياً له، بحيث يغدو بالدعم الاستعماري المتواصل له قوة كابحة لدور مصر القومي وتفاعلها التاريخي مع المشرق العربي، وضابطاً في الوقت ذاته لحراكها الوطني، حائلاً دون تطوره بما يهدد المصالح الاستعمارية في عموم الوطن العربي.

 

4 - لقد عرفت مصر تاريخياً بامتلاكها من الموارد ما يفي باحتياجات مواطنيها،كما عرفت بالقدرة البشرية ذات الكفاءة العالية قياساً بمحيطها الجغرافي، وكانت حتى أواخر ستينيات القرن العشرين في مقدمة دول العالم الثالث اقتصادياً وكفاءة إدارية، وفي مستوى ما كانت قد حققته كوريا الجنوبية بالدعم الأمريكي، وسابقة لماليزيا وسنغافورة في نسبة نموها وتطورها. ويذكر أن الاقتصاد المصري وفر كل متطلبات حرب الاستنزاف، أول الحروب التي خسرتها "إسرائيل"، من دون انتقاص من احتياجات مشروعات التنمية التي تواصلت برغم تداعيات نكسة 1967. وفي ذلك الدلالة الواضحة على أن تدهور مصر اقتصادياً منذ "الانفتاح" الذي دعا إليه السادات، وتوالي تراجع قدراتها حتى انتكست للموقع (120) عالمياً سنة 2008، إنما هو استثناء شاذ وطارئ لم تعرفه مصر عبر تاريخها الطويل. ولا يعود ذلك لقصور مواردها عن تلبية احتياجاتها المتزايدة، ولا هو نتيجة تخلف قواها العاملة عن مواكبة التطور المتسارع عالمياً، وإنما هو محصلة السياسة التي اعتمدت في أعقاب حرب أكتوبر/تشرين الأول ،1973 حيث التقت القوى المعادية لدور مصر القومي على تحويله بالاتجاه المعاكس، وما كان ذلك متيسراً إلا بتدمير قدراتها الإنتاجية وتحويلها إلى دولة وظيفية تعتاش على "معونات" المتحكمين بقرارها السياسي، وذلك بالإقدام على تفكيك القطاع العام وبيعه بأبخس الأثمان، ثم إخضاع الاقتصاد المصري لتوجيهات البنك والصندوق الدوليين.

 

5 - تعيش مصر هذه الأيام مخاض تثبيت ثورة 25 يناير/كانون الثاني والحيلولة دون إجهاضها، وفي ضوء معطيات الواقع يبدو متوقعاً أن يطول زمن المخاض، بما يوفر للقوى الشبابية فرص تطوير إمكاناتها القيادية وتوسيع وتعميق تفاعلها مع الأغلبية صاحبة المصلحة في التغيير الديمقراطي والتنمية والعدالة الاجتماعية، واستعادة مصر استقلال إرادتها وحرية قرارها السياسي وتصفية الالتزامات غير الوطنية الناشئة عن معاهدة الصلح مع "إسرائيل"، واجتثاث أوكار العمالة، ما سيدخلها مؤكداً في صراع مع "إسرائيل"، وتماماً كما جرى مع ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 التي كانت مبادئها الستة وطنية مصرية خالصة، ولم تتحول إلى ثورة قومية عربية تستقطب جماهير الأمة ما بين المحيط والخليج إلا بعد صفقة الأسلحة التشيكية في خريف 1955 وتأميم القناة سنة 1956 وإفشال العدوان الثلاثي فيما بعد. والمرجح عندنا أن تعود مصر في زمن غير بعيد صاحبة الدور الأول في المقاومة العربية للتحالف الإمبريالي الصهيوني.