خبر إسرائيل بعد الثورات .. الصراع أنموذجًا .. عمرو محمد

الساعة 12:55 م|19 يوليو 2011

إسرائيل بعد الثورات .. الصراع أنموذجًا .. عمرو محمد

لا تزال الثورات العربيَّة تعكس رغبةً جارفة من قبل المحلِّلين والمراقبين، وخاصة بالدول الغربيَّة، في التعرف على مستقبل المنطقة العربيَّة، ومنطقة الشرق الأوسط، في ظلّ النتائج التي توصَّلَت إليها هذه الثورات، وخاصة في تونس ومصر، وما أحرزته من تقدم ملحوظ في ليبيا واليمن وسوريا.

 

هذه الثورات، وما حققته من مكاسب متعددة لا تزال تذهل المحللين الغربيين في ما يمكن أن تقود مستقبل المنطقة إليه، ليس فقط المنطقة العربيَّة، ولكن الشرق الأوسط ككل، في ظل زرع الدولة العبريَّة في قلبه، ولارتباط الكيان الوثيق بها، لاحتلاله جزءًا عزيزًا من بلاد العرب والمسلمين، فضلا عن التدخل الواضح من جانب الولايات المتحدة الأمريكيَّة لحماية هذا الكيان.

 

وعند هذا السياق، فإن كل التغييرات التي يمكن أن تشهدها المنطقة سيكون محورها متعلقًا بالصراع العربي الإسرائيلي، والذي ظلَّت الإدارة الأمريكيَّة -أيًّا كان تغييرها- حريصة على أن يظلَّ متوهجًا يخدم أهداف ومكتسبات الدولة العبريَّة، وبما يحقِّق للدولة الفلسطينيَّة هامشًا مزعومًا من السيادة والسيطرة على جزء من الأراضي المحتلة، وليس عمومها، دون أن يكون من بينها بالطبع القدس الشريف، سواء الشرقيَّة، أو الغربيَّة، والتي يتم إخراجها من أي مفاوضات تُذكر.

 

هذا التصور، كان هو القائم وقت وجود النظام المصري السابق، الذي كان داعمًا لتحقيق هذا "السيناريو"، للدرجة التي استشعرت تل أبيب بفقدها له، أنها "افتقدنا بسقوط مبارك كنزًا استراتيجيًّا"، إلا أن حالة الزخَم الثوري التي ظلَّت تلفّ معظم الدول العربيَّة، فضلا عما حقَّقته هذه الدول من انتصار فعلي على الأرض، أصبح يفرض على الدول الكبرى إعادة ترتيب قراءة المشهد مرة أخرى، فيما يتعلق بسيناريو الصراع العربي الإسرائيلي.

 

هذه القراءة صار يُعدُّ لها حاليًا في البيت الأبيض، فعلى الرغم من التصريحات الأمريكيَّة، والتي سعت إلى خطب ودّ الثورات العربيَّة في كلٍّ من تونس ومصر واليمن وسوريا، إلا أن هناك ثمة حالات من الترقب إزاء عملية التحول الحاصل في الدول التي نجحت ثوراتها في تحقيق نتائجها مثل تونس ومصر، فيما تبدو حالات الترقب تجاه الدول الأخرى من حصد نتائج ثوراتها.

 

الترقب هنا يكاد يتركَّز على مصر، لدورها فيما يتعلق بمركزية الصراع العربي- الإسرائيلي، فضلا عن الدور الذي يمكن أن تبذله في توجيه هذا الصراع، وعلى الرغم من أن نظام مبارك المخلوع كان يعمل على تنفيذ كلِّ ما يُطلب منه في هذا السياق من جانب الإدارة الأمريكيَّة، إلا أن مصر في مرحلة ما بعد الثورة أصبحت تختلف كليةً عما كانت عليه من قبلُ، إذ تغيَّر التزام النظام الداعم بالمطلق لإسرائيل، ولم يعد هناك موقف داعم لإسرائيل كما كان إبان النظام المخلوع، بل حدث التحول في مركزيَّة المشهد من الأساس.

 

ولعلَّ هذا التغيُّر، هو الذي يمكن أن يساهم في إعادة قراءة المشهد من جديد فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي، وما يمكن أن يساهم في تغيير خريطة المنطقة فيما يتعلق بمركزيَّة الصراع، والذي تضطلع به القاهرة بدور بارز.

 

التحولات هنا تظهر في الموقف المصري الثوري الداعم للقضية الفلسطينيَّة، فلم تكد تمضي سوى ثلاثة أشهر على نجاح الثورة بسقوط مبارك ونظامه، حتى كانت أربعة أيام فقط هي التي فصلت الفلسطينيين عن التئام مصالحتهم التاريخيَّة حيث لم تستغرقْ سوى هذه المدة لإنجازها، فكانت المرحلة الأبرز في تاريخ المشهد الفلسطيني منذ انقلاب محمود عباس "أبو مازن" على شرعيَّة حكومة حركة "حماس"، قبل أربعة أعوام، في الوقت الذي ظلَّ فيه النظام السابق يسعى فاشلا لتحقيقها على مدى أكثر من أربع سنوات، فكان لا يقف خلالها على مسافة واحدة بين جميع الأطراف، إذ كان يقف داعمًا وبكلِّ ما أوتِيَ من قوة تجاه حركة "فتح" على حساب جمع الفصائل، وخاصة حركة "حماس".

 

هذه المصالحة تعد من التحولات التي يمكن أن تعمل على تغيير خريطة المشهد في المنطقة، غير أنه وعلى الرغم من عدم تحقيق أية نقاط إيجابيَّة على الأرض بشأن تحقيق هذه المصالحة فعليًّا، إلا أنها قطعت على جميع الفصائل أية محاولة يمكن أن تعيدها إلى مرحلة نقطة ما قبل الخلاف، في ظل حالة من تعهُّد جميع الفصائل بتنفيذ اتفاق القاهرة.

 

الاتفاق حظيَ بقدرٍ كبير من الانتقادات الأمريكيَّة، وخاصة الإسرائيليَّة، غير أنه يعكس هذه المرة حالة من الجديَّة بشكلٍ كبير؛ فنقْدُ إسرائيل له يعني قوته وصدقيته، وعلاوة على هذا فإن أمريكا وإسرائيل تقفان حاليًا على أهُبَّة رصد التحول السلمي الحاصل في المشهد المصري، وانعكاساته على القضيَّة الفلسطينيَّة، خاصةً وأن جميع الثوار يطالبون بإعادة النظر في العلاقات مع إسرائيل من ناحية، علاوة على مطالبة جميع مرشحي الرئاسة المفترضين والبارزين منهم، بإعادة النظر في اتفاقية "كامب ديفيد" الموقَّعَة بين مصر وإسرائيل، من ناحية أخرى.

 

وإزاء التمسك المصري بثوابت القضية الفلسطينيَّة، وأحقية شعبها في استعادة أراضيه المغتصبة، فإن أمريكا وإسرائيل حتمًا سيقدمان ليس تنازلا، ولكن إعادة قدر من الحقوق للفلسطيني، وربما قد يدفع ذلك إسرائيل –على الرغم من لاءات رئيس وزرائها نتنياهو- إلى الاستجابة لخطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الأخير بشأن عودة إسرائيل إلى ما قبل حدود 67، غير أن إسرائيل يمكن أن تعلِّق ذلك بالدعوة إلى مفاوضات تراهن فيها على طول أمدِها، فهذه هي سياستها، والتي تركِّز على إطالة أَمَد المفاوضات، كمحاولة للضغط النفسي على الطرف الآخر، ليرضى بأنصاف أو أرباع -أو أقلهما- ما يتمّ الاتفاق عليه.

 

غير أن الحقيقة التي ستجد إسرائيل نفسها أمامها هذه المرة أن أمامها مفاوض مدعوم من الثورات العربيَّة، وبالأخص ثورة 25 يناير، وأن هذه الثورات هي داعمة بالأساس للحق الفلسطيني، ولن تقف بينها وبين الدولة العبريَّة على مسافة واحدة، بل ستقف داعمة للقضية الفلسطينيَّة جملةً وتفصيلا، وما فتح المعابر عن هذا الدعم ببعيد، حيث لم يستغرقْ قرار فتحها سوى أيام قليلة، حتى كان القرار المصري بإعادة فتحها بشكلٍ دائم ومتواصل، لتبدّد الثورة بذلك تعنتًا كان لافتًا من قِبل النظام المصري المخلوع.

 

ووفق ما يذهب إليه المحللون الأجانب أنفسهم، فإن الثورات العربيَّة سوف تساهم في تغيير خريطة منطقة الشرق الأوسط، وأن الدول الكبرى سوف تعمل على إعادة صياغة سياساتها بالمنطقة، وفق هذه الثورات.

 

وفي الختام، يمكن إجمال القول في أنه يمكن إبراز نماذج لمثل هذه التغيرات في أن "الثورات" ساهمت في تغيير المفاهيم الغربيَّة عن العالم العربي، بأن شعوبه لم تنضجْ بعد من حيث قبول الديمقراطيَّة، فضلا عن كونها نسفت المطالبات الغربيَّة لها بإجراء إصلاحات سياسيَّة، على نحو تزايد هذه المطالب بعد أحداث 11 سبتمبر، وإجراء إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش للعديد من الضغوط بحق الدول العربيَّة لتنفيذ هذه المطالب، وهي كلها التغيُّرات التي سوف تنعكس على قضيَّة الصراع العربي الإسرائيلي، وهو ما ستكون له إيجابياتُه على المفاوض الفلسطيني في مواجهته للصلَف الإسرائيلي.