خبر زيتون ينهض من رماده .. خيري منصور

الساعة 05:48 ص|18 يوليو 2011

زيتون ينهض من رماده .. خيري منصور

لأنهم لم يزرعوه ولم يعرفوه، وليس لديهم أي شعور باستحقاقه أحرقوه، وذلك على الطريقة الشمشونية التي شعارها في كل أوان ومكان: عليّ وعلى أعدائي . مستوطنون طارئون على التراب وجذور التين والزيتون والصفصاف، سحقوا عظام الأطفال، واستطالت أنيابهم الفولاذية لتطحن عظام ناشطين من أمثال راشيل كوري التي حاولت صد الجرافة بيديها النحيلتين، وما من فعل اقترفه هؤلاء إلا وكان متلفزاً ومرئياً لدى مليارات البشر عبر مختلف القنوات ووسائل الاتصال، لهذا فالجريمة لم تكتمل بغياب الشهود، لأنهم يفتضحون نقصانها بكل لغات العالم .

 

لو كانت حقول الزيتون التي أشعلوا فيها النيران حول نابلس، قد زرعها أسلافهم لما فعلوا، فالزيتون يذكر غارسه ولهذا يصبح الزيت دمعاً كما قال درويش، ولأنهم يجهلون هذه الشجرة الخالدة، فهم لا يعرفون أنها موجودة قبل قدومهم على أجنحة الغربان الحديدية، فالزيتونة، كما ورد ذكرها في القرآن الكريم، لا شرقية ولا غربية . . لكنها حتماً عربية، وهذا ما يقوله حفيفها رغم الرماد، وتدافع عنها نواتها التي تعلن قيامة الزيتون كلما توهموا رحيله .

 

في البداية اخترعوا خرافة أرض بلا شعب، وبعد أكثر من ستين عاماً يريدونها أرضاً بلا شجر وبلا قرى وملامح تحدد هويتها التاريخية، يخافون من التاريخ، ويخشون الجغرافيا أيضاً، لأنها، بذاكرة الأمكنة تفتضح غربتهم عن كل جذر وجذع وعنقود .

 

لم يسلم الزيتون لأن المسجد والكنيسة والطلل وكل ما هو ممهور بتوقيع عربي لم يسلم . لكن محو قرائن الجريمة لا يمكن محوها، لأن الدم الأفصح من كل بيان، مايزال نيئاً في أزقة القرى وشوارع وساحات المدن وعلى سفوح الجبال .

 

إن إحراق المستوطنين حقول الزيتون، وثيقة أخرى تضاف إلى جملة الوثائق التاريخية والجغرافية والقانونية والأخلاقية التي تجزم بأنهم طارئون، بل هم عابرون، فبضعة عقود عجاف هي مجرد جملة رمادية معترضة في كتاب التاريخ والحضارة إذا قورنت بألفيات من الحضارات التي تعاقبت على بنائها أجيال من السكان الأصليين وأصحاب الأرض .

ومقابل هذا المشهد، ثمة مشهد مضاد . . هو إسراع الفلسطينيين في شمالي البلاد وفي ضواحي حيفا إلى إطفاء نيران امتدت إلى أشجار الزيتون، رغم أن تلك النيران لم تكن بسبب شرارة عربية، وهم لم يفعلوا ذلك دفاعاً عن مغتصبي هذه الأشجار، بل عن الأشجار ذاتها، لأنها باختصار أشجارهم، وزيتها يسري في شرايينهم منذ أزمنة سحيقة .

 

والإنسان قد يتجاسر على تحطيم أو إحراق ما لا يملك، رغم زعمه بامتلاكه، خصوصاً حين يكون هذا الإحراق انتقاماً وثأراً تسهم الخرافة في تغذيته، فالآخرون بالنسبة إلى اليهودي المتعصّب والمتصهين هم “الجوييم” أو الأمميون من الرعاع، لهذا فإن طقس الصلاة الأولى لدى حاخام من طراز عوفاديا يوسف الذي وصف العرب بالثعابين، هو شكر الرب لأنه خلقه يهودياً وليس من الجوييم، ولأنه خلقه ذكراً وليس أنثى .

ما الذي اقترفته شجرة الزيتون بحق سارقها وعاصرها ومن أطلق أفاعيه لتبيض في ظلها؟ إنه نفس الجرم الذي اقترفه طفل رضيع لم يكمل رضاعته من ثدي أمه بل من الدم الذي سال في فمه .

 

فهل يحتاج العالم إلى وسائل إيضاح أخرى ليتأكد من أن عدو الشجرة والطفل والمسجد والطلل وحتى الهواء، هو عدوّ جذري للحياة بأسرها؟

من رماد العنقاء تكون قيامتها .

ومن رماد الزيتون يصبح الزيت دمعاً ودماً .