خبر ياسر الزعاترة يكتب : انفتاح أميركي غربي مريب على الإسلاميين

الساعة 05:35 ص|18 يوليو 2011

ياسر الزعاترة يكتب : انفتاح أميركي غربي مريب على الإسلاميين

لم يكن حوار أميركا والغرب مع الإسلاميين وليد اللحظة بعد الثورات العربية، فهو يتواصل منذ بروزهم كقوة فاعلة على الساحة السياسية قبل عقدين أو يزيد، فضلا عن مرحلة الحرب في أفغانستان في الثمانينيات، التي شهدت ما يشبه التحالف بين الولايات المتحدة وفئات منهم.

 

وقد أخذ الحوار أشكالا شتى، قليل منها مع أوساط رسمية، وكثير منها مع أوساط تلبس الزي غير الرسمي (سياسيون وأمنيون سابقون، باحثون وإعلاميون)، بينما تخدم في حقيقتها الأجندة الرسمية، سواء تبعت المؤسسة الأمنية أم المؤسسة السياسية.

 

وإذا تجاوزنا مرحلة الحرب على الاتحاد السوفياتي في أفغانستان التي كانت جولة تاريخية لصالح الولايات المتحدة والغرب، فإن تقييم لعبة الحوار المذكورة في المرحلة التالية يشير إلى أن المفاسد التي ترتبت على الحوار كانت أكبر من المصالح.

 

في هذه المرحلة لم يتقدم الغرب خطوة ذات قيمة من طروحات الحركات الإسلامية، بينما اقتربت الأخيرة خطوات في الاتجاه الآخر لم تجد لها أي صدى يذكر في موقف الغرب.

 

ما ينبغي أن يشار إليه اليوم قبل الحديث عن التطور الجديد المتعلق بالثورات العربية، هو التطور الأهم في الداخل الغربي، خاصة الولايات المتحدة التي أصبحت سياستها الخارجية خلال الألفية الجديدة صدى للهواجس الإسرائيلية، وبالطبع بعد سيطرة اللوبي الصهيوني ومؤيديه على جناحي الكونغرس (الجمهوري والديمقراطي)، فيما كانت دول أوروبا الكبرى تقترب على نحو غير مسبوق من المواقف الإسرائيلية، خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا، وصار العامل الأساسي الذي يحدد موقف الغرب من عموم الإسلاميين هو موقفهم من الكيان الصهيوني، من دون أن يوضع ذلك شرطا لاستمرار بالضرورة، إذ يعول الغربيون دائما على التطبيع التدريجي، هم الذي كانوا ولا يزالون يؤمنون بقدرتهم على تدجين أي قوة "راديكالية" بصرف النظر عن أيديولوجيتها.

 

في هذا السياق ركز الغرب على حزب الله وحماس بوصفهما القوتين الأكثر تأثيرا على مصالح الكيان الصهيوني، فجرى استدراج حزب الله (ميزان القوى كان فاعلا في السياق من دون شك) إلى سياسة "إذا ضربتم ضربنا وإذا قصفتم قصفنا"، ما يعني توقف المقاومة على رد الفعل فقط، فيما وقع استدراج حماس نحو خطاب ينطوي على بعض التراجع عن خطابها السابق، وإن رفضت حتى الآن الاعتراف بالكيان الصهيوني، وهو ما دفع أحد المحسوبين عليها إلى القول لبعض الغربيين إن عليهم أن يصبروا على حماس كي تفعل ذلك (من جهتنا نثق بأن الحركة لن تتورط في شيء كهذا)، فيما لن ييأس الطرف الآخر، ومعه العاملون معه من الطرف الفلسطيني الرسمي، ربما قياسا إلى تجربتهم.

 

هنا نفتح قوسا لنذكر بحقيقة أن موقف الغرب من الإسلاميين لا علاقة له بالأيديولوجيات، ذلك أنه موقف يتكرر مع أي قوة سياسية أو قيادة لا تخدم مصالحه، وقد استهدفوا القوى الشيوعية والقومية في مراحل سابقة، كما استهدفوا محمد علي باشا العلماني، ومن بعده عبد الناصر القومي، وكذلك صدام حسين، تماما كما استهدفوا طالبان الإسلامية وحزب الله وحماس.

 

والنتيجة أن أي قوة مقاومة أو تيار وحدوي يرفض إملاءات الغرب ويعادي الكيان الصهيوني سيكون برسم الاستهداف أيا تكن أيديولوجيته، مع ترتيب العداء والاستهداف حسب القوة والتأثير.

 

اليوم، وبعد الثورات العربية، وبتعبير أدق بعد فشل الغرب في حماية بعض الأنظمة التي كان يفضلها على قوى المعارضة جميعا بمن فيها الإسلاميون، ها هو يمضي في اتجاهين، الأول بذل مساع محمومة لإفشال الثورات الجديدة، والثاني العمل على إجهاض الثورات التي نجحت، والحيلولة دون تحولها إلى نموذج ناجح من جهة، مع منع تحولها إلى شوكة في خاصرته، أو تهديدا للكيان الصهيوني من جهة أخرى.

 

اليوم، هل ثمة سؤال يوجه للإخوان المصريين على سبيل المثال أكثر أهمية من سؤال الموقف من اتفاقية كامب ديفيد؟! ينطبق ذلك على الإخوان السوريين، وصولا إلى حركة النهضة في تونس، أما الأسئلة التالية المتعلقة بالحريات الدينية وتطبيق الشريعة فهي تنتمي إلى البعد المتعلق بالتدجين والاستدراج، إلى جانب البعد المتعلق بحرق الشعبية، لأن الحركات تفقد شعبيتها حين تتناقض مع طروحاتها التي استقطبت الجماهير على أساسها؟!

 

لا قيمة هنا لقصة تعريف الغرب بمواقف الإسلاميين مبررا للحوار، لاسيما أن مواقفهم ليست سرية، وما يريده الغرب هو المواقف التي لم تتخذ بعد، وليس المواقف المتخذة والمتبناة، التي يعرفها تمام المعرفة.

 

ثم إن من يعتقد أن الغرب يستقي معلوماته عن قوى المعارضة من أوساط الحكومات واهم إلى حد كبير، فهناك على الدوام باحثون بلا عدد، كثير منهم من أبناء تلك الحركات السابقين، يقدمون المعلومات والدراسات التي تعكس الحقيقة إلى حد كبير، وقد كشفت وثائق ويكيليكس حقيقة النشاط الذي كانت تقوم به السفارات في هذا السياق.

 

وفي ظل التراجع المطرد للنفوذ الأميركي الدولي وبروز ملامح تعددية قطبية في المشهد الدولي، من الأفضل للإسلاميين أن يركزوا على الشرعية الشعبية، وهذه الأخيرة لا تتأتى إلا بالتعبير عن هواجس الناس في كل القضايا، وفي مقدمتها العداء للإمبريالية الأميركية والغربية والكيان الصهيوني، ورفض أي شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية لدولهم.

 

صحيح أن خطاب الثورات العربية لم يطرح مسألة السياسة الخارجية كعنصر بارز، لكن عاقلا لا ينكر أنها كانت حاضرة في الضمير الشعبي، والشبابي منه على وجه الخصوص.

 

وفي مصر خاصة كانت السياسة الخارجية حاضرة بقوة (صفقة الغاز وكامب ديفيد والحصار على قطاع غزة وتراجع الدور المصري إقليميا والتبعية للإملاءات الخارجية والأميركية على وجه الخصوص)، وإن بقي التركيز منصبا على القضايا المحلية، ربما لأن النظام الفاسد لم يحقق سوى البؤس على صعيد قضايا الداخل والخارج في آن.

 

وحين رفض شباب الثورة لقاء وزيرة الخارجية الأميركية، كانت لذلك دلالته الواضحة من دون شك.

 

ومع أنني شخصيا أميل إلى التحفظ على الحوار في هذه المرحلة، وتبرير ذلك باستمرار الموقف الغربي العدائي من الأمة (الحالة الليبية تؤكد ذلك الموقف ولا تنفيه لأن نواياه إطالة المعركة بهدف الابتزاز باتت واضحة لكل ذي عين)، فإننا لا ننظر إلى الموقف بروحية التخوين أو التشكيك أو الحسم الأيديولوجي (لا ننسى التفريق بين موقف دولة وأخرى).

 

وإذا كان ولا بد فليجر اختيار التوقيت ومكان اللقاءات بشكل مدروس (لا ينبغي أن تجري في الولايات المتحدة أو داخل سفاراتها في الحالة الأميركية وكذلك حال الدول الأخرى)، أما من حيث المضمون فليكن على قاعدة محاكمة مواقف الغرب من أمتنا وقضاياها وأنظمتها الفاسدة، وليس محاكمته هو لمواقف الإسلاميين، وليكن ذلك في النور، وبمعرفة الجماهير وسائر القوى السياسية.

 

مرة أخرى، إن عين القوى الإسلامية ينبغي أن تبقى مصوبة نحو الجماهير التي تراقب كل شيء، لاسيما أن هناك من القوى السياسية من يحرص كل الحرص على تشويه الصورة، وعندما تكسب تلك القوى ثقة الجماهير ستحاور وهي مسلحة بتلك الثقة ومن موقع الند للند، وليس من موقع من يطلب الشرعية من الخارج المعادي.