خبر اسرائيل والامم المتحدة: ليست قفراء جدا..إسرائل اليوم

الساعة 08:24 ص|15 يوليو 2011

بقلم: يوسي بيلين

قبل 14 سنة، في 16 تموز 1967، في الجمعية العمومية للامم المتحدة اتخذ قرار دعا اسرائيل الى وقف البناء في المستوطنات. المحاولة الاسرائيلية للهزيمة بكرامة لم تنجح. الى جانبنا، صوتت فقط دولتان عظميان، الولايات المتحدة وميكرونيزيا، ضد القرار، بينما أيدته 131 دولة. رئيس الوزراء (في حينه ايضا) بنيامين نتنياهو، عقب قائلا: "الامم المتحدة عادت لتكون قفراء.

        ولكن الامم المتحدة، مع كل نواقصها التي استعرضت هنا في هذه الصفحة أيضا، لم تكن أبدا "قفراء"، حتى عندما انفلت هذا الهراء من على لسان دافيد بن غوريون. فلو لم تكن هكذا، لما ارسل اناس كنتنياهو ليتولوا منصب سفيرنا في هذه المؤسسة، وما كانوا سيكرسون لها افضل سنوات حياتهم. الجهد الهائل الموظف في الاشهر الاخيرة من المحافل السياسية الاسرائيلية، من رئيس الوزراء عبر الدبلوماسي رقم واحد عندنا، وانتهاء بدبلوماسيين آخرين، لحشد بضعة اصوات لانقاذ شرفنا في هذه المنظمة، يثبت فقط كم هي هامة الامم المتحدة لاسرائيل.

        فبعد كل شيء، لو كان الحديث يدور عن "قفراء" لكان بوسع حكومة اسرائيل، ولا سيما الحكومة اليمينية الصرفة، ان تقول ان لا اهتمام لها في أن تشارك في هذه المباراة المباعة، وان الفلسطينيين يحق لهم ان يرفعوا الى الجمعية العمومية حتى قرار بموجبه بلاد اسرائيل كلها وعدهم بها الباري عز وجل. اسرائيل، من جهتها، ستشاهد هذه المهزلة على التلفزيون. السفريات الى شرقي اوروبا، الاستثمار في امريكا اللاتينية وغيرها وغيرها، تتم بسبب اهمية الامم المتحدة، وبسبب الفهم في أن في قراراتها ما يخلق معايير دولة وما يربي. على الاقل.

        ولكن ليس هذا فقط. لدى الامم المتحدة ما تعرضه، ومع كل المصاعب، حلت مشاكل في شرقي تيمور، في ناميبيا، وقبل بضعة ايام – في جنوب السودان. فهذه ليست فقط منظمة معقدة تعرف كيف تأخذ قرارات نظرية، بل وايضا جهة قادرة على أن تنقذ لاجئين من الجوع، تشفي الناس الضعفاء في محيط العالم وكذا تحل مشاكل سياسية.

        الكثير كتب هذه الايام عن السودانيتين. عن الوحشية، عن الحروب الداخلية، عن الفقر وعن انعدام البنى التحتية حيال مقدرات النفط. العلاقات بين الجنوب والشمال بدت حتى قبل بضع سنوات كأمر واجب الواقع. مرتبطون الواحد بالاخر، مسلمو الشمال ومسيحيو الجنوب، كارهون، مقاتلون، فيما أن لدى الجنوب يوجد النفط، فلدى الشمال توجد مصافي البترول، والتعلق المتبادل يمنع تقسيم هذه البلاد الضخمة. كما يستدعي مبناها الديمغرافي. والاساس: أين ينتهي الجنوب وأين يبدأ الشمال؟ فلم يسبق أن فصلت بينهما حدود في التاريخ والحدود المستقبلية ستكون دوما مصطنعة.

        الاتفاق المتحقق كان هشا، وهو أيضا ترافق والعنف. فقبل سنتين فقط قال لي مصدر كبير جدا في الساحة الدولية انه لا يؤمن بان الشمال سيسمح للجنوب بان يجري استطلاعا شعبيا نتائجه معروفة مسبقا: اغلبية هائلة ستؤيد الاستقلال. بعد ان اجري الاستطلاع الشعبي قال آخرون ان الشمال لن يسمح بتحققه.

        وبالفعل كانت معارك، وبالفعل السؤال كان بالضبط أين ستمر الحدود، وكيف بالضبط سينفذ التقسيم، إذ ان في الشمال يوجد اناس هم من الجنوب في أصلهم وهويتهم وفي الجنوب اناس ينتمون الى الشمال، ويوجد في الجيش السوداني جنوبيون، لن يكونوا هناك بعد اليوم. جوبا هي المكان الاخير في العالم الذي يمكن تشخيصه كعاصمة، ولجعلها عاصمة حقا ولجعل جنوب السودان دولة حقا – ستكون حاجة الى جهود هائلة، مال كثير وغير قليل من الوقت.

        الخريطة تغيرت

        كانت هي الامم المتحدة التي غيرت الوضع على الارض. الاستفتاء الشعبي اجري رغم كل المصاعب، فيما انه في حدث الاعلان  عن دولة الجنوب حضر رئيس شمال السودان، الذي يودع الجنوب. الخلافات بينهما يتعين على الطرفين ان يحلاها، ولكن هذه الخلافات لم تمنع الخطوة الكبيرة. الخريطة تغيرت. منذ يوم السبت الماضي يحق للامم المتحدة أن تتباهى بانجاز لا بأس به. فقد اقيمت دولة جديدة، اضيف عضو جديد الى المنظمة (وهذا العضو الجديد كفيل أيضا بان يفتح سفارة في تل ابيب)، وهذه الدولة ما كانت لتقوم لولا الامم المتحدة. يوجد للامم المتحدة عدد لا حصر له من النواقص، ولكن ليس لديها، ولن يكون لها أي بديل. بالتأكيد ليس في المدى المنظور. اسرائيل قادرة على أن تؤدي دورا هاما بلا قياس في هذه المنظمة باستثناء محاولة تحقيق أغلبية "نوعية" أو تمزيق قرارات الامم المتحدة، مثلما فعل حاييم هيرتسوغ للقرار الذي شبه الصهيونية بالعنصرية في 1975.

        نحن يمكننا أن ننخرط أكثر في طاقم الامم المتحدة، فنؤثر على خطواتها، نشارك في قوات السلام، نوفر قدرا أكبر من المنتجات للمنظومات الكبرى. نحن نستغل فقط نسبة صغيرة من الطاقة الكامنة للتعاون، وخسارة.

        حتى لو لم تقم الامم المتحدة الدولة بل اعلان بن غوريون وحرب التحرير هما من فعل ذلك، فللامم المتحدة دور لا بأس به في ولادة اسرائيل، وثمة لدولة اليهود مصلحة لا بأس بها في أن بعد الحرب العالمية الثانية وفظائعها ان تكون منظمة دولية تكون فيها كل دول العالم أعضاء، ويمكنها أن تحاول منع تكرار الاحداث المخيفة اياها. المنظمة الدولية التي ساهمت لاسرائيل ليس فقط بقرار التقسيم 181 بل وأيضا بقراري مجلس الامن الشهيرين والهامين 242 و338، كفيلة بان تساهم في قرار آخر، في ايلول القريب القادم، لا يتجاوز الاتفاقات بين اسرائيل والفلسطينيين بل يساعد المفاوضات التي انقطعت تماما بين الطرفين.

        بدلا من القتال في حرب عديمة الاحتمال ضد قرار الامم المتحدة سيكون من الاسلم بكثير محاولة تصدر قرار يأخذ بالحسبان مصالح الطرفين. هكذا، مثلا، يمكن للجمعية العمومية للامم المتحدة ان تدعو اسرائيل والفلسطينيين الى استئناف المفاوضات بينهما لتحقيق تسوية دائمة تتضمن تحقيقا للاحتياجات الامنية لاسرائيل، دولة فلسطينية تقوم حدودها على اساس الخط الاخضر مع تعديلات متبادلة، فيما تحل مشكلة اللاجئين في الدولة الفلسطينية (الى جانب تعويضات وحلول انسانية)، فيما تكون القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية وفي الاجزاء الاخرى من القدس تكون العاصمة الاسرائيلية، والسفارات تنقل، كلها، من تل أبيب الى القدس.

        دعوة كهذه ستمنح اسرائيل لاول مرة اعترافا بعاصمتها وستزيل التهديد الديمغرافي الذي ينطوي عليه المطلب الفلسطيني بعودة اللاجئين الى اسرائيل. من ناحية اسرائيل سيكون في هذا انجاز تاريخي، الى جانب الانجاز الكبير الذي سيكون للفلسطينيين. الطرفان سيخرجان كاسبين.

        عندما افكر بالطاقات الهائلة المستثمرة في صد الاساطيل البحرية والجوية، الحملات الدولية، غير الناجحة في معظمها، لاقناع بعض من اعضاء الامم المتحدة للامتناع او التصويت ضد المبادرة الفلسطينية، فاني اسأل لنفسي لماذا لا توجه هذه الطاقة باتجاه صيغة القرار نفسه، القرار الذي لا يمكنه بعد ان يقيم الدولة الفلسطينية أو أن يكون بديلا عن المفاوضات، ولكن يمكنه أن يسمح لنا وللفلسطينيين بالشروع فورا بالحوار نحو الاتفاق.

        بدلا من الاساطيل البحرية والجوية ومحاولات التسلل البرية يمكننا أن نجد أنفسنا، في غضون وقت قصير، في وضع ألطف بكثير اذا ما وظفنا الطاقات في تغيير القرار بدلا من منعه. اطار الامم المتحدة كفيل بان يكون بالنسبة لنا فرصة بدلا من عائق. من نجح في تقسيم السودان يمكنه، ربما أن يساعدنا في الانفصال عن الفلسطينيين، ونحن نحتاجه جدا ونجد صعوبة جدا في تحقيقه.