خبر إضاعة الفرصة بعد الحرب- هآرتس

الساعة 07:59 ص|14 يوليو 2011

إضاعة الفرصة بعد الحرب- هآرتس

بقلم: آري شبيط

(المضمون: ما تزال اسرائيل بعد خمس سنين من حرب لبنان الثانية تعاني مشكلات كثيرة في صُعد مختلفة ويرى الكاتب أن مجتمعها أضعف من أن يصمد لتجربة جديدة كتجربة حرب لبنان الثانية - المصدر).

        كان اخفاق حرب لبنان الثانية الأكبر هو اخفاق ما بعد الحرب. أُديرت حرب 2006 ادارة سيئة، وكانت نتائجها شديدة الخطر. لكن السنين الخمس بعد الحرب كانت أشد خطرا من ايام الحرب الثلاثة والثلاثين نفسها. ما تزال اسرائيل سادرة في غيّها حتى بعد سماع صفير الانذار واضاءة مصابيح التحذير. فقد رفضت أن تستدخل معاني الحرب العميقة. فلم تجابه بشجاعة الاخفاقات الجهازية والقيمية التي كشفت عنها الحرب.

        لم تستنتج اسرائيل استنتاجات ولم تستخلص دروسا ولم تُغير شكل ادارتها. إن الحرب التي نشبت كما نشبت في الثاني عشر من تموز 2006، لم توقظ اسرائيل من سباتها الذي تغرق فيه. كُشف في حرب لبنان الثانية عن اخفاق في القيادة، فقد قام ربابين الحرب اثناءها بأخطاء لا يقبلها العقل. ولم تكن تلك الأخطاء شخصية فقط. لم تنبع فقط من الضعف الشخصي لاهود اولمرت وعمير بيرتس ودان حلوتس، بل نبعت من مشكلة القيادة الاسرائيلية ونوعها وقيمها وشكل سلوكها، ومؤسسات التخطيط والادارة والقيادة التي تخدمها.

        لم تُعالج مشكلة القيادة منذ الحرب. لم يعد اولمرت وبيرتس وحلوتس موجودين هناك، لكن الداء ما يزال هناك. إن جدلا شخصيا مُرا يتعلق بالمسؤولية الشخصية لقادة الحرب الفاشلة منع علاجا جذريا لمشكلة القيادة العامة. حدثت تغييرات هنا وهناك بعضها لاسوأ وبعضها لأحسن. لكن الجهاز السياسي والجهاز الاعلامي – وفيه كاتب هذه السطور – يتحملان المسؤولية عن أن الانشغال بالشخصي غلب الانشغال بالرسمي.

        كان اليوم الذي تلا الحرب يوم خصام لا يوم تقويم. وما يزال سؤال من يقودنا والى أين يقودنا وكيف يقودنا سؤالا مفتوحا بلا جواب.

        كُشف في حرب لبنان الثانية عن فشل عسكري شديد. فقد عمل الجيش الاسرائيلي مثل جيش غير مركز وغير جاد وغير حكيم. جيش أفسدته سياسة داخلية فاسدة. بعد الحرب فورا جرى تنفيذ عمليتين ذواتي شأن: فقد نُصّب الفريق غابي اشكنازي وعُزل العميد غال هيرش، وكانت الرسالة بسيطة واضحة تقول إن جيش ما بعد الحرب سيكون مقاتلا جدا، وتجنيديا جدا، لكنه بلا بريق وبلا أصالة وبلا استقامة، وهذا ما كان.

        كما بنى موتي غور بعد حرب يوم الغفران جيشا كبيرا غامض الروح، بنى اشكنازي بعد حرب لبنان جيشا مقاتلا عكر الروح. فمخازن الطواريء مليئة والجنود يتدربون لكن لا يوجد بريق كاف ولا إبداع كاف ولا شعور بالقيم لا هوادة فيه. لا يوجد غال هيرش ولا ما يمثله هيرش. لهذا بقي سؤال الجيش سؤالا مفتوحا. والتحسينات التي تم ادخالها في الجيش لا تلائم التحديات التي تواجه اسرائيل.

        كُشف في حرب لبنان الثانية عن اخفاق للدولة. والشعور الصعب الذي خلفته الحرب هو أنه لا توجد دولة. لا يوجد من يُدبر أمور مدن الأشباح في الشمال. ولا يوجد من يعالج شؤون الهاربين من الشمال. ولا يوجد تكافل يربط الشمال بالجنوب والمركز. فبعد أن جعلت دولة اسرائيل نفسها اقتصاد اسرائيل، بقيت بلا قطاع عام يستحق هذا الاسم، وبلا جهاز رسمي مسؤول وبلا شعور ملزم بشراكة المصير.

        تبين فجأة أن الروح العامة السياسية – الاستهلاكية التي طورناها لا تلائم الواقع التاريخي الذي نحيا فيه. ففي يوم الحسم لن يحمينا اقتصادنا المجيد ولن يُقيمنا مثل مجتمع واحد ودولة واحدة. فهو يمنحنا القوة في جانب واحد لكنه يجعلنا ضعافا قابلين للاصابة في جوانب اخرى.

        في السنين الخمس التي مرت منذ نشبت الحرب لم يتم تسوية هذا التناقض الحاد بل زاد حدة. الاقتصاد مزهر لكن المجتمع في وضع صعب. والانتاج الوطني الخام يرتفع لكن الحكومة لا تؤدي عملها. أنسينا أنفسنا صدمة صيف 2006 وعُدنا لنحيا وكأننا نحيا في جنوب كاليفورنيا.

        وهكذا سنُفاجأ مرة اخرى في يوم الحسم التالي. وسنسأل في يوم الحسم التالي ماذا جرى لنا. لماذا احتفلنا خمس سنين فوق متن سفينة "تايتانيك" بدل أن نُقوي التايتانيك ونُعدها ونعدِل بها عن مسار هلاكها.