خبر واشنطن للفلسطينيين: «صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل..» ..عريب الرنتاوي

الساعة 06:56 ص|14 يوليو 2011

واشنطن للفلسطينيين: «صحيح ما تقسم ومقسوم لا تأكل..» ..عريب الرنتاوي

واشنطن لا تريد للفلسطينيين أن يذهبوا إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على اعتراف عالمي بدولة لهم على 22 بالمئة من أرضهم التاريخية، ووفقاً لمختلف مرجعيات عملية السلام وقرارات الشرعية الدولية... واشنطن تريد للفلسطينيين أن يعودوا إلى مائدة المفاوضات مع "إسرائيل" بدلاً عمّا تعتبره، أو بالأحرى، يعتبره الإسرائيليون، "خطوة أحادية"، ومن جانب واحد.

 

لكن في المقابل، تبدو واشنطن عاجزة عن إقناع "إسرائيل" باستئناف المفاوضات حتى على أساس خطاب أوباما الأخير عن الشرق الأوسط... فرئيس الوزراء الإسرائيلي مصمم على رفض الاعتراف بمرجعية خط الرابع من حزيران 1967 كأساس لترسيم الحدود بين دولتي فلسطين و"إسرائيل"، وهو مصمم على إملاء سلسلة من الشروط التعجيزية التي لن تجد فلسطينياً واحداً يمكن أن يقبل بها.

 

"صحيح ما تقسم، ومقسوم لا تأكل، وكل حتى تشبع"، مثل شعبي فلسطيني، يقال في وصف الشروط التعجيزية، عندما يطلب من رجل أن يتناول الخبز، شريطة ألا يأكل كسرات الخبز المقطع وألا يقطع كسرة من رغيف كامل وصحيح، مع أطيب التمنيات بالشبع حتى التخمة؟!... لا تذهبوا للأمم المتحدة، وانتظروا المفاوضات التي لن تأتي أبداً، وهنيئاً لكم دعم الولايات المتحدة الثابت والأكيد للمطالب العادلة والمحقة للشعب الفلسطيني؟!.

 

في الاجتماع الأخير للرباعية الدولية، بدا العالم كله (الأمم المتحدة، الاتحاد الأوروبي وروسيا) في واد، والولايات المتحدة في واد آخر... العالم متفهم للمطلب الفلسطيني بإقامة دولتهم على حدود 67، والولايات المتحدة المُتفهمة من قبل لهذا المطلب، لا تريد المجازفة بإغضاب "إسرائيل"، وإثارة اللوبي المؤيد لها، وإدارتها لا تريد أن تخسر جولة ثالثة أمام نتنياهو، بعد أن خسرت جولتين سابقتين، الأولى خاصة بتجميد الاستيطان، والثانية متعلقة بمرجعية خط الرابع من حزيران... إدارة أوباما باتت في وضع مزرٍ من حيث تواضع مكانتها وتراجع هيبتها أمام حليفتها وربيبتها الاستراتيجية: تل أبيب، وهي لا تريد أن تقع من جديد في تجربة "الحرج المريق لماء الوجه".

 

لقد عودتنا واشنطن، على أن "تصب جام ضغوطها" على الفلسطينيين، في كل مرة تدرك فيها صعوبة ممارسة ضغط على "إسرائيل"، أو تشعر معها، أن ليس من المصلحة إرغام تل أبيب على السير في عكس الطريق التي رسمها لها قادتها السياسيون والأمنيون... ودليلنا على ذلك، آخر جولتين خسرتهما واشنطن أمام نتنياهو، مع أنها كانت على أتم اليقين بأن الفلسطينيين على حق، وأن نتنياهو يمارس "بلطجة سياسية" أين منها بطلجة الميليشات والزعران والمرتزقة والشبيحة الذين تنامى دورهم في مواجهة "ربيع العرب".

 

التجربة الأولى في موضوع الاستيطان، حيث كان الرئيس أوباما على ثقة وإيمان عميقين، بأن الاستيطان غير شرعي، ومخالفة صريحة للقانون الدولي ترقى إلى مصاف جرائم الحرب، وأنه عقبة في طريق السلام وقيد عليها، وأن وقفه ضرورة ومقدمة وشرط لاستئناف المفاوضات كما قال في خطاب جامعة القاهرة، ولكنه تراجع سريعاً عن جميع هذه المواقف، و"لحس" من دون حرج أقواله وتصريحاته، بل وانتقل لممارسة الضغط على الجانب الفلسطيني لاستئناف المفاوضات من دون وقف الاستيطان أو تجميده بصورة مؤقتة، لا لشيء إلا لأنه عجز عن إقناع نتنياهو، أو بالأحرى إرغامه، على الرضوخ لمرجعيات عملية السلام والتزامات خريطة الطريق، لا أكثر ولا أقل، ولم تتوان إدارة الرئيس الأمريكي عن تهديد الفلسطينيين بالويل والثبور وعظائم الأمور، إن هم لم يجنحوا لخيار التفاوض، مباشراً كان أم غير مباشر.

 

والرئيس الأمريكي عندما اعتلى المنبر في وزارة الخارجية، ليرسم ملامح سياسة بلاده الخارجية مع اندلاع "ربيع العرب"، كان على قناعة وإيمان شديدين، بأن دولة فلسطينية يجب أن تنشأ، وأن تنشأ قريباً، وعلى حدود العام 1967، مع تبادل متفق عليه للأراضي، لكن غضبة نتنياهو، ومن ورائه الكونغرس، أو بالأحرى، الكنيست الأمريكي، جعلته يتراجع سريعاً، عن موقفه هذا حتى قبل أن يجفّ حبر خطابه، وها هي وزيرة خارجيته في اللجنة الرباعية، تمنع المجتمع الدولي، من تبني مضامين الموقف الفلسطيني، التي لا تبتعد كثيراً عن خطاب أوباما... وها هي الإدارة والكونغرس على حد سواء، يلاحقان الطرف الفلسطيني الأضعف، بالتهديد بمواجهة أشد العواقب، إن هو استمر في مسعاه للحصول على اعتراف العالم بدولة فلسطين وفقا لحدود 67.

 

لم يبق أمام الفلسطينيين سوى التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة... عليهم أن يفعلوا ذلك، شاء من شاء وأبى من أبى..لم يبق أمامهم سوى أن يقدموا المصالحة الوطنية على "الفيتو الأمريكي"... لم يبق أمامهم سوى أن يضعوا استحقاقي المصالحة والاعتراف بالدولة، في سياق استراتيجية وطنية بديلة، أوسع وأشمل، تضع المقاومة الشعبية السلمية، في بعدها الانتفاضي المنتمي لربيع العرب، في صدارة أولوياتهم، فهذا هو طريق الخلاص، وما عداه مضيعة للوقت والجهد والحقوق.

 

صحيفة الدستور الأردنية