خبر حتى لا ننسى قضية الأسرى في سجون الاحتلال ..علي بدوان

الساعة 06:33 ص|13 يوليو 2011

حتى لا ننسى قضية الأسرى في سجون الاحتلال ..علي بدوان

يتوجه الشعب الفلسطيني فجر كل يوم بأفئدته التي تدق وتتدفق فيها الدماء، وبروعة إيمانه برسالة السماء الصافية للبشرية جمعاء، رسالة العدل والمساواة والمحبة من أرض الرسالات السماوية في فلسطين، يتوجه بالدعاء لأسراه في سجون الاحتلال الإسرائيلي، دعاء الخلاص من ربق زنازين وقمع وغطرسة الاحتلال، دعاء الخلاص من التنكيل المطبق عليهم، كما هو مطبق على عموم الشعب الفلسطيني الموضوع عملياً في معسكر كبير للاعتقال الجماعي، كما هو حاله في قطاع غزة على وجه الخصوص، المحاصر ظلماً وعدواناً وعلى مشهد العالم والإنسانية بأسرها.

 

أعداد كبيرة من الأسرى

 

فالوقائع تشير إلى أن أكثر من (800) ألف فلسطيني من أبناء فلسطين في الأراضي المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة قد تعرضوا للاعتقال والتوقيف منذ العام 1967 وحتى اللحظة لا لسبب جرمي أو جنائي، بل لسبب بسيط عنوانه تمسكهم بحق شعبهم بحريته فوق أرض وطنه، وانتمائهم لحركته الوطنية التحررية التي تعبر عنها مجموع القوى الفلسطينية المناهضة للاحتلال.

 

واليوم يقبع ما يقارب أحد عشر ألفاً ومائة وتسعة أسرى فلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني مابين موقوف بشكل مؤقت ومابين أسير منذ سنوات طويلة، منهم حوالي (800) من قطاع غزة ، و(500) من القدس والأراضي المحتلة عام 1948، والباقي من الضفة الغربية المحتلة، كما يبلغ عدد المعتقلين من الأطفال حوالي (400)، و(33) معتقلة، و(16) نائباً من أعضاء المجلس التشريعي المنتخبين عبر العملية الديمقراطية التي جرت في الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة وتحت إشراف دولي.

 

ومن بين الأسرى يقبع الآن في معتقلات الاحتلال (313) أسيرا ممن تجاوزت سنوات اعتقالهم الثلاثين عاماً (متقطعة أو متتالية) وعلى رأسهم الأسير نائل البرغوثي، إضافة للمئات من القيادات الميدانية والسياسية، وفي مقدمتهم الأسير يحيى السنوار الذي وضعته سلطات الاحتلال من جديد في العزل الانفرادي. وقد استشهد خلال تلك السنوات من ظلم ليل الاحتلال وقمعه وبطشه الدموي حوالي (200) أسير فلسطيني داخل المعتقلات الصهيونية.

 

ويتوزع الأسرى على سجون الاحتلال بواقع (1905) أسرى في سجن النقب، و(2000) أسير في سجن مجدو، و(1860) أسيرا في سجن عوفر، و(1870) أسيرا في سجن نفحه، و(1500) أسيرا في سجن ريمون، و(920) أسيرا في سجن عسقلان، و(650) أسيرا في سجن هداريم، و(360) أسيرا في سجن بئر السبع، و(362) أسيرا في سجن جلبوع، و(400) سجين في سجن شطه، و(45) أسيرا في سجن مشفى الرملة، و(200) أسير في سجن الرامون، و(37) أسيرا في سجن تلموند وهشارون.

 

وفي زنازين الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني وسجونه، يعاني أسرى فلسطين كل أشكال الاضطهاد والتنكيل، ومن الظروف اللا إنسانية التي تم حشرهم بها. فهناك أعداد كبيرة من الأسرى يعانون من أمراض خطرة جراء انعدام الرعاية الصحية والطبية وسوء التغذية. بل ذهبت بعض التقارير المؤكدة من داخل سجون الاحتلال للقول بأن سلطات الاحتلال جعلت من أسرانا حقل تجارب للعديد من أصناف الأدوية، وهو ما يذكرنا بالفضيحة المدوية التي أكدها الصحفي السويدي (ستروم) قبل عامين وفيها تحدث عن المتاجرة الإسرائيلية الرسمية بأعضاء أجساد الشهداء من أبناء الشعب الفلسطيني.

 

ان المعلومات الموثقة التي تتواتر من داخل زنازين ومعتقلات الاحتلال تؤكد أن قرابة ألف أسير منهم يعانون من حالات مرضية خطيرة تحتاج إلى علاج طارئ وعمليات جراحية عاجلة، فضلاً عن المئات من الأسرى الذين يعانون من الأمراض المزمنة ومضاعفاتها الخطيرة على حياتهم. كما أن الأسرى المرضى وعموم الأسرى، يعيشون فإنهم يسجنون في غرفهم التي تغلق عليهم باستثناء وقت قصير جداً وبالتالي حجبهم عن نور الشمس التي تحمل لهم الصحة والعافية ونور الحياة وأمل المستقبل.

 

والأسيرات في قلب المعاناة

 

وفي هذا السياق، فان الأسيرات يتعرضن بدورهن لتنكيل جسدي ونفسي، ومن إهمال طبي، ومن العقوبات داخل السجون والعزل واستخدام العنف المفرط ضدهن، والاحتجاز في أماكن لا تليق بهن، والاعتداء عليهن عند أي توتر وبالغاز المسيل للدموع، وصولاً إلى حرمانهم من زيارات الأقارب، ومنع عدد منهن من تقديم امتحان الثانوية العامة والانتساب للجامعات.

 

وكمثال بسيط نورد حالة الأسيرة (ايرينا بولي شوك شراحنة) من مخيم الدهيشة، وهي أوكرانية الأصل، أسلمت وتزوجت من المواطن الفلسطيني إبراهيم سراحنة، وتعيش معه في مخيم الدهيشة قضاء بيت لحم، واعتقلت بتاريخ (25/5/2002) وحكم عليها الاحتلال بالسجن لمدة عشرين عاماً وحكم على زوجها بالسجن المؤبد مدى الحياة ست مرات، لديها طفلتان، إحداهما اسمها ياسمين تعيش مع أهلها في أوكرانيا، والثانية اسمها غزالة، وهي تعيش مع أهل زوجها في بيت لحم، وحرمتها إدارة سجن هشارون من احتضان طفلتها خلال المرات القليلة التي سمح لها بالزيارة فيها.

 

وقبل عام مضى، وفي مسار سياستها التعسفية الاجلائية العرقية بدأت دولة الاحتلال الإسرائيلي باتباع سياسة الإبعاد بحق الأسرى، وفق القرار الجائر الجديد (1650)، ولقد تم تنفيذ هذه السياسية - على سبيل المثال لا الحصر - بحق الأسير المحرر المبعد أحمد صباح من طولكرم، الذي أبعدته قوات الاحتلال الى غزة بعد تسع سنوات أمضاها في السجون.

 

وفي هذا السياق، إن عمليات قمع الأسرى داخل السجون والمعتقلات على يد جيش الاحتلال وقواته الأمنية تواصلت بشكل مستديم، بل وتصاعدت في الأعوام الأخيرة بشكل ملحوظ، لكنها سجلت ارتفاعاً لم يسبق له مثيل منذ عام 2007.

 

ولمرات عدة، استخدمت قوات الاحتلال وحدتا «نخشون» و«ميتسادا» في قمع الأسرى الفلسطينيين منذ سنوات، وهما الوحدتان اللتان استخدمتهما في اقتحام بعض أقسام سجن «عوفر» خصوصاً قسم «الوحدة الوطنية» كجزء من سلسلة انتهاكات طويلة لحقوق الأسرى التي تصنف وفقاً للقانون الدولي على أنها جرائم حرب. ولا يوجد اختلاف بين عناصر «ميتسادا» أو «نخشون» من حيث التدريب والتسليح وحتى المهام والأهداف، وان كانت الأخيرة قد شكلت لقمع المعتقلين بينما الأولى وظيفتها إنقاذ محتجزين، إلا أن الوحدتين قد استخدمتا لقمع المعتقلين، وأفرادهما مزودون بأحدث الأسلحة لقمع إرادة الأسرى العزل.

 

إن وحدة «نخشون» تعتبر من أكبر الوحدات العسكرية في جيش الاحتلال، وشُكلت خصيصاً حسبما هو معلن لإحكام السيطرة على السجون عبر مكافحة ما يسمى بأعمال «الشغب» داخلها، وهذه الوحدات الخاصة ترتدي زياً مميزاً كتب عليه أمن السجون.

 

ومن المعروف بأن تلك الوحدتين القمعيتين مزودتان برصاص حي تستخدمانه في قمع الأسرى، وقد أصاب رصاصهما في إحدى حملاتهما القمعية الشهيد محمد الأشقر، وهي ليست المرة الأولى التي يستشهد فيها أسير نتيجة لإصابته برصاص حي، إذ سبق وأن استشهد سبعة من الأسرى نتيجة إصابتهم بأعيرة نارية من قبل الجيش المدججين بالسلاح أو الوحدات الخاصة ومنهم الأسير أسعد الشوا الذي استشهد في معتقل النقب في 16 أغسطس عام 1988 برصاص جنود الحراسة المدججين بالسلاح.

 

ان جرائم وحدات «نخشون» لم تقتصر على القمع والضرب والإيذاء المعنوي والجسدي ضد الأسرى، بل امتد في كثير من الأحيان للمساس بالمشاعر والمقدسات الدينية، متمثلة بقذف المصاحف الشريفة على الأرض والدوس عليها وتدنيسها وتمزيقها.

 

كما أن سلطات الاحتلال كانت قد اتجهت لإقرار ما يسمى (قانون شاليت) القاضي بتعزيز العزل الانفرادي في عدة سجون تحت الأرض خصوصاً في سجون الرملة، وعسقلان، وبئر السبع، وشطة، وهداريم وأماكن عزل أخرى في معظم السجون والمعتقلات الإسرائيلية. فقانون شاليت يشكل عملياً إعلان حرب بقرار سياسي واضح على الأسرى لإضعافهم وإماتة روحهم الوطنية والإنسانية.

 

الغرب والمعايير المزدوجة

 

وهنا نقول، إن المفارقة صارخة في ضياع المعايير عند بعض أصحاب القرار في الغرب والولايات المتحدة، الذين (أقاموا الدنيا ولم يقعدوها) بشأن مسألة الأسير الإسرائيلي جلعاد شاليت دون التطرق ولو لفظياً لقضية آلاف الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي الصهيوني. ومتناسين في الوقت نفسه أن عملية أسر جلعاد شاليت (صاحب الجنسية المزدوجة الفرنسية والإسرائيلية) تمت من على ظهر دبابته وهي تطلق حممها ونارها دون شفقة أو رحمة على مخيمات شعبنا البريء المظلوم والمحاصر جنوب قطاع غزة.

 

إن قوى السلام والديمقراطية والعدالة والحرية، مطالبة بالتحرك العاجل من أجل التدخل لإنقاذ حياة (1600) أسير يعانون من أمراض مزمنة، منهم (20) أسيرا يعيشون بشكل دائم في مستشفى الرملة وتزداد حالتهم سوءا يوما بعد يوم، كما أن هناك (17) أسيراً يعانون من مرض السرطان ترفض سلطات الاحتلال تقديم العلاج لهم وتتلذذ على معاناتهم.

 

وعليه، يتوجب على الهيئات والمؤسسات الدولية وخاصة الصليب الأحمر، تكثيف زيارة الأسرى والاطلاع على مجريات حياتهم وحصر مرضاهم والسماح للطواقم الطبية بإجراء عمليات جراحية عاجلة لمن هم بحاجة لذلك، كما وفي العمل من اجل تشكيل لجان تحقيق للوقوف على أسباب وفاة المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال والتي أصبحت تشكل كابوساً مفزعاً لأهالي الأسرى. إضافة لضمان زيارة أهالي الأسرى لأبنائهم بعيداً عن سياسة المنع تحت أي حجة.

 

أخيراً، إن سلطات الاحتلال تسعى في سياق آخر إلى تجريد قضية الأسرى من مرجعياتها السياسية والقانونية وتحاول أن تحتكر هذا الملف لصالح رؤيتها وشروطها العنصرية وعدم الاعتراف بالمعتقلين الفلسطينيين كأسرى حرب، وما يشكّله من انتهاك للقانون الدولي المتعلق بأسرى الحرب وحماية المدنيين في المناطق المحتلة.

 

وهنا، يقع على عاتق اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأمم المتحدة وجميع المؤسسات الدولية والإنسانية ضرورة التدخل المباشر لدى قوات الاحتلال الإسرائيلي لضمان تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بالنسبة للأراضي الواقعة تحت الاحتلال، وهو ما يعني إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين والعرب من ربقة الاحتلال وسجونه.