خبر ديمقراطية مجنونة- هآرتس

الساعة 08:43 ص|10 يوليو 2011

ديمقراطية مجنونة- هآرتس

بقلم: تسفي برئيل

يجب أن يثير هجوم نشطاء السلام الخوف العميق في حكومة اسرائيل، لانه ما زال يفور وراء هذا الهجوم - الذي يسمى تارة قافلة بحرية وتارة اخرى رحلة جوية – تصور عام جهدت اسرائيل في اقتلاعه منذ سنين. يقول هذا التصور ان اسرائيل غير منيعة من الضغط الدولي وانها دولة ككل دولة غربية، للرأي العام فيها تأثير في حكومتها. وان التيار المركزي فيها على الاقل سيستقبل نشطاء السلام الدوليين في المباركة كي يعرض بديلا من السياسة المجنونة. وهو التصور الذي يعتقد في سذاجة ان اسرائيل عندما تعلن بانها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط فان لهذا الاعلان معنى، وان حقوق الانسان وفيها حقوق الانسان الواقع تحت الاحتلال، هي جزء لا ينفصل عن الخطاب العام المؤثر فيها.

ان اولئك "الغزاة الخطرين" الذين يحظون دائما بنعت "هاذين" يصرون تغيير واقع وسياسة لم تنجح حتى القوى العظمى كالولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي في تغييره.

ظنت اسرائيل انها نجحت في الطمس على المفاهيم والبلبلة بين الديمقراطية المدافعة عن نفسها والاحتلال المدافع عن نفسه. فهي تعرض غزة وكأنها جزء من سيادتها، وتعرض الحصار عليها كأنه وسيلة دفاع عن تلك السيادة. وهي تتمسك بالقانون الدولي الذي يسمح لها بوقف قوافل بحرية ترمي الى المس بسيادتها، وترفض القانون الدولية عندما يحاول أن يملي عليها كيفية ادارة احتلال "قانوني".

يكمن هنا ايضا خطأ نشطاء حقوق الانسان: ان اسرائيل تتبنى القانون الدولي فقط عندما يبيح لها أن تنفذ او تعتقل أو تمنع أو تضائل عدد السعرات الحرارية التي سيتمتع بها الواقعون تحت الاحتلال. أما الامور الممنوعة مثل بناء المستوطنات او هدم البيوت فأبعدتها خارج مياهها الاقليمية.

تطمح اسرائيل الى أن تكون "دولة ديمقراطية مجنونة". دولة تعرض من جهة سلطة منتخبة، وتعدد أحزاب وحرصا على حقوق مواطنيها وأُذنا مصغية الى رغبات الجمهور. ومن جهة ثانية دولة يحسن الا يشغل العالم نفسه بها لانه لا يمكن ان يعلم ماذا ستفعل في كل ما يتعلق بشؤون الامن. فهي تطلق النار أولا وتسأل الاسئلة بعد ذلك. فاذا قتل في هذه الفرصة ايضا مدنيون أبرياء فلسطينيون أو أتراك أو "نشطاء سلام هاذون" فليس هذا خطأ بشريا وخللا يقع عندما نحارب بل هو أداة لتعزيز صورة الجنون التي ترمي الى الردع.

لم توجد اسرائيل هذه الطريقة. فأكبر الديمقراطيات أي الولايات المتحدة تعمل بطريقة مشابهة في افغانستان، ولا تنفر قوات حلف الشمال الاطلسي التي يخدم فيها جنود بريطانيون وأتراك من طريقة الردع هذه في نشاطهم في افغانستان او ليبيا. والفرق انه عندما تصيب قواته مواطنين مدنيين أبرياء يشعر بعدم الارتياح على الاقل ويعبر عن الاسف بل يدفع التعويضات أحيانا.

ما زالت اسرائيل تتمتع بصورة "الديمقراطية المجنونة" بل نجحت في اقناع اكثر مواطنيها بان هذه هي الصيغة الوحيدة التي ستضمن لهم الامن مع الرفاهية. ونجاحها كبير الى درجة أن اكثر مواطني الدولة لا يرفضون البتة وقف سفن مساعدة لغزة، وصد نشطاء سلام عن الدخول وأن النشاط من أجل حقوق الانسان يعرف بانه تهديد لوجود الدولة. نجح اشراب النفوس هذا التهديد فوق المأمول: فقد حظيت ايران ونشطاء السلام بمنزلتين متشابهتين. وتوقع المواطنين الاسرائيليين المستعد هو في الاستعداد للعرض: هل سينجح سلاح البحرية في المس بمحركات سفن القافلة البحرية ويهز القلوب فخرا؟ وهل سينجح مئات الشرطيين الابطال في اعتقال نشطاء مافيا السلام العالمية؟

من هنا يأتي التهديد الذي يعرض هؤلاء النشطاء اسرائيل له. فنشاطهم قد يضعضع صورتها باعتبارها ديمقراطية مجنونة أو مجنونة في الاساس. فهم يؤمنون بان جزءا من مواطنيها على الاقل سيستغربون ويسألون سؤالا وربما يخرجون للتظاهر. يجب ان نأمل من أجل أمن الدولة وسكون نفوس مواطنيها ان يعرف الجيش الاسرائيلي والشرطة وسلطة المطارات كيف تصد التهديد بالقوة المناسبة. فانه اذا استسلمت اسرائيل لنشطاء سلام غدا فقد تطيع مطالب امريكية والعياذ بالله.