خبر « فلسطين اليوم » تنشر مقال « معاريف »: تنحية نبي الغضب تثير عاصفة داخل فتح

الساعة 09:22 ص|08 يوليو 2011

"فلسطين اليوم" تنشر مقال "معاريف" تنحية نبي الغضب تثير عاصفة داخل فتح

بقلم: عميت كوهين

يوم الأحد الماضي، في ساعات الظهيرة، عقد لقاء في منزل عبدالله أبو سمهدانة، أمين سر الهيئة القيادية لفتح في قطاع غزة. وبينما كان يجلس مع كبار رجالات المنظمة وصل سبعين نشيطا من الشبيبة، المنظمة الطلابية لفتح الى البيت، وفي غضون دقائق نشبت في المكان جلبة كبرى. الناس ضرب الواحد الآخر، والكراسي تطايرت في الهواء. وعندها سمعت رصاصة من مسدس أبو سمهدانة، وسرعان ما وصل الى المكان أفراد شرطة حماس، الذين فصلوا بين الصقور واعتقلوا للتحقيق بعضا من المشاغبين.

الرواية الرسمية، كما نقلها أبو سمهدانة، هي أن الجدال دار حول موضوع بسيط. ظاهرا، خلاف، عديم المعنى عن موعد الانتخابات للشبيبة أدى الى اندلاع العنف. ولكن حسب معلومات صادرة عن غزة بدأت المشادة بسبب قرار أبو مازن تنحية محمد دحلان من صفوف فتح. وسائل الاعلام الفلسطينية افادت بان مؤيدي دحلان سعوا الى أن ينقلوا رسالة الى أبو سمهدانة، الذي أيد خطوة التنحية، وعبره أن يوضحوا الى ابو مازن أيضا بان مؤيدي دحلان في غزة لا يعتزمون الصمت.

أيام غير بسيطة تمر على محمد دحلان. من كان يسمى في حينه "الرجل القوي لقطاع غزة"، والذي حدده الغرب بصفته الوعد الاكبر وكخليفة محتمل، يقاتل الان في سبيل حياته السياسية. قبل نحو ثلاثة اسابيع أعلنت اللجنة المركزية، الهيئة القيادة العليا في فتح بان دحلان، عضو البرلمان وبنفسه عضو اللجنة المركزية، منحى من صفوف الحركة. وثيقة رسمية، بتوقيع أبو مازن اوضحت بان "ليس لدحلان من الان فصاعدا أي صلة رسمية بفتح". كما أُفيد أيضا بان معالجة موضوع دحلان سينقل الى الهيئات القضائية، في أعقاب اتهامات جنائية وشبهات بالفساد.

دولة داخل دولة

بدأت العقدة في نهاية السنة الماضية، عندما بدأت لجنة تحقيق بفحص سلسلة "شبهات" ضد دحلان. بعد وقت قصير من ذلك جرى التحقيق مع دحلان نفسه واتهم بتخطيط انقلاب ضد رئيس السلطة. دحلان، الذي أُستجوب عن جمع وسائل قتالية واجراء اتصالات مع جهات فلسطينية وأجنبية في محاولة لتغيير الرئيس، نفى كل شيء. ومع ذلك، بعد وقت قصير من ذلك، غادر دحلان رام الله ورفض التعاون مع لجنة التحقيق. وفي هذه اللحظة يوجد في الاردن ويدير صراعه من هناك.

"القصة بدأت قبل بضعة أشهر"، يقول فلسطيني من معسكر أبو مازن. "في الوقت الذي كان فيه أبو مازن في الخليج، عقد دحلان اجتماعا دعا اليه الكثير من الاشخاص. وبدأ يتحدث ضد الرئيس وضد أبنائه. وأساء شخصيا للرئيس. قال ان الرئيس ضعيف ولا يمكنه أن يقود الشعب الفلسطيني – وأن هناك حاجة الى زعيم حازم. في هذه اللحظة فهم كل الاشخاص بانه يخطط لانقلاب".

وحسب المصدر، فان لجنة التحقيق وجدت أدلة على ان دحلان قام بأعمال مشبوهة. ويقول المصدر انه "تبين أن دحلان يجمع الكثير من السلاح في الضفة الغربية. وكان لجماعته سلاح وقد تجول مع عشرين حارسا. بمعنى أنه أقام دولة داخل دولة دون أن يشعر أحد بذلك. بعد ذلك تبين أنه يشتري الكثير من الاملاك في الضفة الغربية. فقد اشترى شركات واشترى اراضٍ بعشرات ملايين الدولارات. اذا كان يحصل على راتب 5 الاف دولار في الشهر، فمن أين له بكل هذا المال؟".

في شبكة "الجزيرة" أُفيد مؤخرا ان عشرات اعضاء المجلس الثوري في فتح، الهيئة القيادية الثانية في أهميتها، تلقوا مؤخرا وثيقة تفصل أسباب تنحية دحلان. ضمن أمور اخرى عرضت وثائق وأشرطة نقلت الى السلطة الفلسطينية من جهاز تحقيقات أمن الدولة، الذي كان جهاز الامن المصري في عهد حكم حسني مبارك. ووثقت الاشرطة لقاءات دحلان مع مسؤولين أمريكيين وفلسطينيين كبار وفي هذه اللقاءات حاول دحلان، ظاهرا، الشروع في خطوة لتنحية أبو مازن.

حسب الوثيقة، "دحلان وقف في رأس خطة، مدعومة من جهات أجنبية، لتنحية أبو مازن. ولاخراج الخطة الى حيز التنفيذ حاول دحلان الاستعانة بمسؤولين كبار في أجهزة الامن وبالخلايا العسكرية لكتائب شهداء الاقصى". في أعقاب المكتشفات، أمر ابو مازن باعتقال رجال الخلايا واقالة مسؤولين كبار في الحكم وفي أجهزة الامن، المقربين من دحلان. مقربو دحلان ينفون بشدة الاتهامات.

"اعتقلوا أناسا بدعوى أنهم يجمعون السلاح وتبين أن هذا ليس صحيحا"، يقول أحد مؤيدي دحلان. "بعد ذلك فتشوا حسابات بنكية في الضفة ولم يجدوا شيئا. عندها اتصل رجال أبو مازن بأشخاص في غزة كي يقولوا ان دحلان مسؤول عن أعمال قتل هناك. حاولوا أن يسقطوا عليه تصفيات حتى حماس لم تتهمهم بها".

أحد الخلافات الكبرى داخل فتح في السنوات الاخيرة هو الطريقة التي يجب التصرف فيها حيال غزة بعد سيطرة حماس على القطاع. العديد من نشطاء فتح ممن هربوا من غزة شعروا بان القيادة الفلسطينية لا تفعل شيئا كي تسيطر من جديد على القطاع. دحلان، أغلب الظن، وعد بسياسة اخرى. عرض ابو مازن كمتردد، كزعيم خاف من المواجهة مع حماس. مقربو أبو مازن، من جهة، القوا على دحلان المسؤولية عن سقوط غزة.

أموال تختفي

"كل واحد يقول لك ان ابو مازن ورجاله ليسوا معنيين بغزة حقا"، يقول الصديق. "في نهاية المطاف، نحن غزيون وابو مازن هو رئيس الضفة الغربية. دحلان هو العنوان، ولكن الحقيقة هي أن ابو مازن يميز ضد غزة. أنا اقول لك، دحلان لم يُشهّر ابدا بابو مازن. هو لم يقل ان ابو مازن ضعيف، ولكن كل مواطن فلسطيني سيقول لك انه ضعيف".

حتى لو لم يشهر دحلان بابو مازن أبدا، حقيقة  يشكك بها العديد من الفلسطينيين، فانه منذ تنحيته خرج في هجوم جبهوي ضد الرئيس. "من هو المجنون الذي يعتقد أنه يمكنه أن يطردني من اللجنة المركزية لفتح"، يقول دحلان في التصريحات الى وسائل الاعلام. "هذه ليست سيارة ابو مازن بحيث يمكنه ان ينزلني منها. أنا سأبقى في فتح ومن لا يعجبه هذا فيمكنه أن يستقيل أو يخرج على التقاعد المبكر".

وأوضح دحلان بانه لا يعتزم التصرف مثلما فعل في عهد عرفات، وأن يخضع لإمرة أبو مازن، الذي أسماه "رئيس المقاطعة". واتهم ابو مازن ومقربيه بسلسلة من الاخفاقات السياسية، بما فيها سقوط غزة، خسارة الانتخابات وطريقة ادارة المفاوضات مع اسرائيل. ولكن أكثر من ذلك، بدأ دحلان يتهم ابو مازن وأبنائه بالفساد وادعى بان السبب الوحيد لحملة الثأر التي يخوضها ابو مازن هو أن دحلان انتقد ابناءه.

أحد الاتهامات المركزية لدحلان يتعلق بـ "صندوق الاستثمارات"، أموال عرفات وفتح التي أدارها رجل الاموال محمد رشيد. وحسب دحلان، فان هذا الصندوق، الذي يساوي 1.3 مليار دولار، نقل الى ابو مازن في العام 2005. ويدعي دحلان بانه عن صندوق الاستثمارات عرف عرفات، سلام فياض، محمد رشيد وأنا. أنا كنت شاهدا على نقل الاموال في وثائق رسمية لا تزال عندي – حين نقلت الى أبو مازن في أيار 2005. تبين لي أن هذا ليس مسجلات بإسم السلطة الفلسطينية، رغم أن هكذا كان في عهد عرفات. هذه أموال الشعب الفلسطيني وأموال الشهداء. أنا لا أقول ان ابو مازن اخفاها، ولكن احدا ليس مسؤولا عنها غيره وغير مجلس المدراء الذي جلبه ابناؤه".

وبالتوازي، بدأت حملة تشهيرات مرتبطة – حسب مصادر فلسطينية – بدحلان ورجاله. مؤخرا نشرت شائعات عن أن مسؤولا في فتح، من خصوم دحلان، تحرش جنسيا بفتاة ابنة 16. وانتشرت هذه الشائعات كالنار في الهشيم، سواء من مؤيدي دحلان أم من مواقع الانترنت لحماس الذين قفزوا على الفرصة لمناكفة فتح والسلطة الفلسطينية.

"دحلان يعتقد أنه اذا هاجم وهاجم فانه سيحل المشكلة، ولكنه مخطىء"، يقول أحد مؤيدي أبو مازن. "فهو يأخذ القصة شخصيا، ولكنه اذا واصل هكذا فانه سيخسر كل شيء. هنا ليست غزة. لا يمكن عمل أمور هنا مثلما كان يعمل في غزة. في الضفة الغربية، اذا حاولت استخدام الاشرطة ضد أحد ما، إذا قلت عندي شريط جنس لك مع امرأة، فان عائلته ستقتله. هذا السلوك لن ينجح هنا".

فليعتزل أبو مازن

هذا النزاع المغطى اعلاميا، الذي أثار فرحا شديدا في حماس – التي تكره دحلان كراهية موت – خلف مخاوف وتوترات داخل فتح. شخصية دحلان دفعت  محبيه الى أن يحبوه حتى النهاية، وكارهيه أن يكرهوه. لهذا السبب نشأ التخوف بان يجر دحلان، اذا ما انسحب من فتح، وراءه سلسلة طويلة من المؤيدين، الامر الذي سيضعف المنظمة أكثر فأكثر.

"ما هو الداعي للقول ان دحلان سينسحب من فتح؟"، يتساءل أحد رجاله. "دخلنا الى السجن على فتح، أُصبنا من أجلها، فلماذا ننسحب؟ فليعتزل أبو مازن. ما يحصل الان لن يؤدي لا الى العنف ولا الى الاعتزال. دحلان ينوي التوجه الى مؤسسات الحركة، وذلك لان خطوة التنحية لم تكن قانونية. ابو مازن يعرف بانه من أجل إقرار القرار يحتاج الى أن يرفعه للمصادقة امام المجلس الثوري. ليست له أغلبية هناك، ولهذا فانه يضغط على الناس. لو كانت لديه أغلبيه، لتوجه الى المجلس من قبل".

في هذه الاثناء، القيادة الفلسطينية تواصل اسناد أبو مازن. "القرار بتنحية دحلان نهائي ومطلق"، يقول محمد المدني، عضو اللجنة المركزية لفتح. "علينا أن نحترم القرار. والاخ محمد دحلان عليه أن يفعل ذلك ايضا. اذا كان له ما يقوله فانه يجب عليه أن يطلب المساعدة من مؤسسات الحركة أو من جهات خارجية".

قبل نحو اسبوع سجل دحلان انجازا هاما أول في صراعه، بعد أن قررت لجنة الرقابة في فتح بان تنحيته لم تكن قانونية. "لجنة الرقابة رفعت التوصيات وليس التعليمات"، يقول المدني. ولكنه يرفض أن يقول اذا كان محمد دحلان، أحد رموز فتح، أنهى دوره في الحركة. "دحلان لا يزال يوجد في عملية الاستئناف ولكن القرار بطرده قائم ونافذ. للجنة المركزية الحق في اتخاذ القرارات بالنسبة لاعضائها. وصحيح حتى الان، كل النشاط الرسمي لدحلان في إطار فتح انتهى".