خبر عن «الفيّاضية» بمناسبة انحباس الرواتب؟! .. عريب الرنتاوي

الساعة 08:35 ص|08 يوليو 2011

عن «الفيّاضية» بمناسبة انحباس الرواتب؟! .. عريب الرنتاوي

 

سبحان الله !

 

في كل مرة يُطرح فيها أمر تغيير حكومة رام الله واستبدال رئيس وزراء «تصريف الأعمال»، تشتد الضائقة المالية والاقتصادية... يتخلف «الدونرز» عن تقديم المنح والمساعدات... تتأخر رواتب عشرات ألوف الموظفين أسبوعاً أو أسبوعين أو حتى ثلاثة أسابيع، وفي أحسن الأحوال، يُصرف نصفها ويترك النصف الثاني «إلى حين ميسرة»...لكأن لقمة عيش الفلسطينيين في الضفة وأكناف بيت المقدس وأطراف غزة، باتت مرتبطة بالمصير السياسي لرجل واحد فقط، اسمه الدكتور سلام فيّاض.

 

«من بعدي الطوفان»...لا رواتب ستصرف، ولا أموال ستجري في عروق «الصرّاف الآلي»... كل آخر شهر عليكم أن تتثبتوا من بقائي فوق مقعدي الوثير، وإلا كانت الطامة الكبرى... كلما مررتم بـ « ATM » تذكروا الدكتور سلام فيّاض... هذه «الماكينات السحرية» التي تمطر شواكل ودولارات، لن تدور لها عجلة، إن فكر أحدكم بـ «تداول السلطة»... نحن هنا لـ«تصريف الأعمال»...العمر «بخلص» والأعمال «ما بتخلص»... ودائماً هناك حاجة لمن يُصرف هذه الأعمال... لا يكفي خمس سنوات من «الصرف والتصريف»، سنقضي الهزيع الأخير من حيواتنا ونحن في «تصريف للأعمال»، ودائماً تحت طائلة «آخر الشهر».

 

هي المعجزة الاقتصادية التي أرادوا لنا أن نصدق أنها تسير في ركاب رئيس تصريف الأعمال... لكأننا أمام مهاتير محمد في ماليزيا أو رجب طيب أردوغان في تركيا... هي معجزة بناء المؤسسات التي يراد لنا أن نصدقها، لكأننا خرجنا من ظلمات الثورة وجاهلية الحقبة العرفاتية إلى «صدر الإسلام» أو «دولة المدينة»...مع أن تقارير عديدة – من بينها واحد على الأقل، لكارنيغي – سخرت من حكاية المؤسسات التي انتعشت في ظل «تصريف الأعمال»، وقالت إن معظم هذه المؤسسات نشأ من قبل، أو يعمل بمعايير «عالمثالثية» من الطراز «إياه»... فيما الاقتصاديون الفلسطينيون، سخروا بالأمس فقط، من «المعجزة الاقتصادية» وتحدثوا عن «ثقوب سوداء» في رداء الأعمال وتصريف الأعمال، الذي يُصوّر لنا «أبيضاً ناصعاً».

 

سنفترض أن كل ما يحيط بالرجل من «أسطرة» و«أساطير» صحيح مئة بالمئة، ولا يأتيه الباطل عن يمين أو شمال... تكفي هذه العلاقة بين «تدفق المال» وبقاء الرجل في مكانه، حتى تكون سبباً كافياً للاستغناء عن خدماته... مثل هذه العلاقة الشرطية بين «الرفاه» و«الفيّاضية» يجب أن تكون مدعاة للقلق وسبباً للرحيل، لا وسيلة لابتزاز التأييد وتجديد الحضور وتمديد الولاية... مثل هذه العلاقة الشرطية تليق بعصر «القناصل» و«الإرساليات»، ولا يمكن «شراؤها» أو «تداولها» في عصر الاستقلال وأزمنة التحرر الوطني، فكيف حين نكون في ذروة «ربيع العرب»؟!.

 

لن يتوقف تدفق المال والمساعدات في العروق الفلسطينية إن ظل فيّاض أو رحل... لا أحد له مصلحة في تجويع الشعب الفلسطيني، لا حباً به أو كرمى لسواد عيون أبنائه، بل خوفاً على الأمن الإسرائيلي ووفاء لنظرياته ومقتضياته... ستظل الرواتب تتدفق، يمكن أن تتعثر لأيام أو أسابيع أو حتى لأشهر قليلة، لكنها ستعاود الجريان، فثمة «تداخل» بنيوي، بين مستقبل السلطة وحسابات الأمن الإسرائيلي... لا خوف على الرواتب، خصوصاً إن ظلت السلطة على التزاماتها، الأمنية، ولا أحسب أن المجيء بـ «تكنوقراط» آخر، سوف يخل في هذه الالتزامات أو يقوّضها... فثمة حزب وتيار فلسطينيين عريضين، لهما مصلحة في إدامة الهدوء والاستقرار، وكبح «غضب الضفة» من الانفجار مجدداً.

 

هو سيف الابتزاز المسلط لا على أعناق أبناء فتح وقياداتها التي تطالب – أكثر من حماس – بإقالة رئيس تصريف الأعمال فحسب... بل وفوق أعناق قطاع واسع من الفلسطينيين الذين ارتبطوا معيشياً بالسلطة ورواتبها ومصادر تمويلها وشروطه.. وقد آن الأوان للتحرر من هذا «النصل الحاد»، إن كان ثمة من يريد أن يظل للقرار الوطني المستقل، بعضاً من ألقه واستقلاله.

 

لقد كاد البعض منّا أن يصدق حقاً، بأن هناك «فيّاضية» «بحق وحقيق»... وأنها وحدها تعرف ما تريد... وأنها وحدها تحمل في أحشائها بذور الدولة التي لم يبق على انبثاقها من تحت جلد الاحتلال سوى شهرين اثنين... نسي هؤلاء ونسينا معهم، أن لا وجود لـ «الفيّاضية»، وأنها في أحسن حالاتها، طبعة غير مزيدة وغير منقحة، من «البليرية» و«الدايتونية»... لا أكثر ولا أقل، وأن عناصر قوتها وديمومتها، إنما تمتد بجذورها إلى خارج التربة الفلسطينية، وأن نسغ حياتها يتدفق مع منح «الدونرز» ومساعداتهم... فهل آن الأوان لقطع الشك باليقين، وإعادة الأمور إلى نصابها وأحجامها، أم أن حالة الاستلاب ستظل ممسكة بتلابيب المشهد الفلسطيني إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً؟!.

 

صحيفة الدستور الأردنية