خبر المصالحة وموسوعة غينيس .. أمجد عرار

الساعة 01:25 م|07 يوليو 2011

لا يجادل أحد في أن المصالحة الفلسطينية بدأت تتقهقر على نحو متسارع يهدّد بالعودة بها إلى ما هو أسوأ مما كان الحال عليه قبل توقيعها في القاهرة . الأخطر في الأمر، أن البعض في حركتي “فتح” و”حماس” لا يرى سواه على الأرض، بل ربما لا يجد وظيفة لعينيه سوى النظر في المرآة، حتى لا نقول إنهما ينظران في الماء، لكي لا ننزلق إلى الاستنتاج برؤيته يسقط خلف نرسيس اليوناني .

من الطبيعي، والحال كذلك، أن يتراشق الطرفان الاتهامات كعادة أنصار الفعل الماضي المبني على الرمال المتحرّكة، ومن الطبيعي إذاً، أن يشعر الشعب الفلسطيني بالضيق والضجر والقرف، وأن يفقد الثقة بقيادات وأحزاب لا تفكّر فيه وهي تتصارع على لا شيء له علاقة بالوطن والقضية، وتتفنن في هدر الوقت والجهد في مناكفات عبثية .

من يرئس الحكومة؟ لا يمكن أن يكون هذا السؤال بلا إجابة إن تعلّق الأمر بقوى تنظر تحت قدميها وتعرف أين تقف . هذا يريد سلام فياض باعتباره الشرط الدولي الوحيد لاستمرار دعم السلطة، وذاك لا يريده ربما للسبب ذاته من منطلق مختلف . من غير المنطقي، تحت أي ظرف من الظروف، أن تتوقّف مصالحة يترقّبها شعب كامل بل أمتان وأصدقاؤهما، على شخص بعينه أياً كان . إذا كان المقصود شخصاً يرضى عنه المجتمع الدولي، ولا تتوافر هذه الصفة إلا بفياض، فهذا يعني أننا نحكم على الشعب الفلسطيني كله، باستثناء واحد، بأنه “إرهابي” .

ليس مجتمعاً دولياً هذا الذي يحشرنا في خيار واحد، إنه لا يريد الخير لنا، وعلى هذا نرى أن القوى السياسية الفلسطينية أمام خيارين: إما التوافق على مصالح الشعب، وإما ترك الشعب يواجه “إسرائيل” والمجتمع الدولي بطريقته . وحتى لا تكون الأمور والمخارج حكراً على هذا السياسي أو الحزب أو الكاتب أو ذاك، فإن العقدة الأصعب في هذه القضية يمكن إحالتها إلى استفتاء شعبي يسأل الناس سؤالاً يجيبون عنه بنعم أو بلا: هل تريدون قراراً وطنياً ثمنه المعاناة المجبولة بالكرامة، أم قراراً مفروضاً ثمنه البحبوحة الملطخة بالتبعية والذل؟

الوقت يمضي والقادة الفلسطينيون مصرّون على الركض إلى الوراء خارج الزمن . لكننا نذكّرهم أن الزمن الفلسطيني ليس ساعة وعقارب، إنه زمن من دم، ولا يمكن لشعب قدّم آلاف الشهداء وصبر كما لم يصبر شعب آخر، أن يسمح بتحويله إلى جمهور يتفرّج على “كلاسيكو” عبثي بلا صافرة نهاية . لقد آن الأوان، وإن كان ذلك منذ زمن، أن تنظر الفصائل الفلسطينية وقادتها إلى القضية بعيون أشد قدرة على الرؤية، فالقيادة لا تكون حقيقية إذا رأى الواحد منهم نفسه قائداً فصائلياً بل قائداً وطنياً لا يكتفي بتصفيق أتباعه .

في العاصمة الأوكرانية كييف جرى قبل أسابيع استعراض أكبر لوحة فنية زيتية في التاريخ رسمها الفنان التشكيلي الأوكراني من أصل فلسطيني د . جمال بدوان . ورغم أن اللوحة دخلت موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية، إلا أنها أعدّت لهدف أهم وهو تقديمها هدية للمصالحة الفلسطينية . نهنئ هذا الفنان بلوحته التي لم تجد بعد من يستحقها، ونعزيه لأن رقمه القياسي قد يُكسر إذا استمرت هذه الحال، وعندها ستسجل الموسوعة أن الشعب الفلسطيني هو الشعب الذي عاش أطول فترة انقسام في التاريخ، وهذا يعني أطول احتلال في التاريخ .