خبر مناضلون لا مرتزقة! رشاد أبوشاور

الساعة 02:31 م|06 يوليو 2011

مناضلون لا مرتزقة!  رشاد أبوشاور

في شهر أيّار/مايو الماضي أعلنت السلطة أنها ستكون عاجزةً عن صرف رواتب موظفيها، في حالة واصلت حكومة نتنياهو تجميد أموال الجمارك والضرائب الفلسطينيّة التي يتّم تقاضيها عن البضائع والسلع المستوردة لمناطق السلطة الفلسطينيّة.

كان نتنياهو أمر بوضع اليد على الأموال في شهر أيّار/مايو، عقابا للسلطة على توقيع اتفاق المصالحة مع حماس، بالأحرف الأولى، في القاهرة، برعاية مصرية.

بعد مناشدات، وتدخلات، بخاصة من إدارة أوباما التي لا تملك سوى مناشدة الحليف القوي باللوبي، والكونغرس، وصناديق الانتخابات، والإعلام..وكلها يحتاجها أوباما في معركته للفوز بفترة رئاسية ثانية، أفرجت حكومة نتنياهو عن حوالى مائة مليون دولار، فصرفت السلطة رواتب الموظفين!

في شهر حزيران لم تضع حكومة نتنياهو يدها على أموال الجمارك الفلسطينيّة، ومع ذلك خرج رئيس وزراء السلطة الدكتور سلام فيّاض يوم الأحد الماضي، في مؤتمر صحافي شرح فيه، بدون أن يقنع كثيرا من الصحافيين الحاضرين، وكثيرا من الفلسطينيين الذين شاهدوه وسمعوه، أحوال السلطة المالية، ووعد بصرف نصف راتب فقط عن شهر حزيران.. بسبب الضائقة المالية!

عندما سئل الدكتور فيّاض عن الدول المانحة التي لم تف بحصتها في دعم مالية السلطة، تهرّب من الإجابة، ولفّ ودار، حتى أن صحافية حاضرة واجهته بالقول: أنت لم تجب على السؤال يا دكتور! ..وواصل الدكتور اللف والدوران، متهربا من تقديم إجابة مقنعة.

ثمّة أسئلة كثيرة لتطرح على الدكتور فيّاض، وأركان السلطة، لعلّ أولها: هل أن (المصالحة) المتعثرة التي لم تتم، هي السبب في (نصف الراتب)، وهو ما يدفع للقبول بالتفسير القائل بأن الدول المانحة ترفض المصالحة، بخّاصة إذا لم يأت الدكتور سلام فيّاض، من جديد، رئيسا للوزراء؟!

بهذه الحالة، ألا يمكن أن نسأل مع السائلين: هل حقا السلطة مفلسة (ماليا)، وتعيش شهرا بشهر، وكأنها هي نفسها (موظفة)، ولذا فإنها ستبقى مهددة (براتبها) إن هي لم تقم بالأعمال المطلوبة منها خير قيام، وبنفس الطاقم؟!

وبما أنني من قدامى (المحاربين) أجد أن أسئلة كثيرة تتزاحم في رأسي وأنا أتأمل الحال الذي تردّت إليه (حالنا) التي تصعب حتى على بعض من هم ليسوا أصدقاء لنا: أين تبددت، واختفت مليارات الدولارات التي تدفقت على مالية السلطة الفلسطينيّة منذ عام 1994 وحتى العام 2011؟!

وسؤال لا بدّ منه: ماذا عن المشاريع، وفي مقدمتها (صامد) ..هل انتهت بالخسارة، وكيف، من حاسب، ومن حوسب؟!

وماذا عن المشاريع الكثيرة التي بقيت خافية على اللجنة التنفيذية، والمجلس الوطني، وحتى المشرفين الماليين على الصندوق الوطني (المهمّش) كونه من بقايا منظمة التحرير الفلسطينيّة، وعلى مالية السلطة..وعلى الشعب الفلسطيني بقضه وقضيضه!

المتابعون من شعبنا، يرون تحت أبصارهم، أفرادا بدأوا فقراء متواضعين، وفدوا إلى الثورة بنوايا ثورية، واستعداد للتضحية، ولكنهم مع الوقت تغيّروا، وصاروا في رمشة عين رجال أعمال، وبزانسة، يتنقلون بحقائب سامسونايت، ونظارات سوداء لزوم الغموض والتميّز وتغيّر الأحوال، وإعلانا عن القطع مع الماضي الكلاشنكوفي، والانتقال إلى طبقة رجال الأعمال 5 نجوم لباسا وفنادق للمترفين المنعمين!.

تعلمنا مبكرا أن المال عصب الثورة، وقرأنا كيف نمّت الثورات أموالها، ومصادر دخلها، ولذا قبلنا في البداية ظهور جماعة السامسونايت، والنظارات السوداء، وتسامحنا بالفنادق الباذخة، على اعتبار أن (هم) يلتقون هناك برجال أعمال محترفين لا تهمهم الثورات، فهم فقط يسعون للربح في الصفقات التي يعقدونها.

ولكن هؤلاء فجأة انسحبوا كالشعرة من العجين، و..ظهرت عليهم النعمة، وأي نعمة..بعد أن انخرطوا في البزنسة لأنفسهم، وباتوا يملكون شركات لها سفن تمخر البحار، ومستشفيات درجة أولى يموت الأخ والرفيق ولا يسمح له بعبور أبوابها، لأنه لا يملك المال الكافي للإقامة في غرف 5 نجوم، والتمتع بعلاج يقدم لمن يدفع!.

مناضلون يبيعون البالة، ويتنقلون بساق واحدة، بعد أن ضحّوا بساق للوطن والقضية، و..بعين واحدة، وبهامة محنية من ثقل عبء الأسرة، وبؤس النهاية، من ثائر للتحرير إلى بائع خضار متنقّل في البرد، وتحت الشمس، وفي الغبار.

هؤلاء الثوّار القدامى المضحون، الذين يعيشون بأنصاف أجساد، ويتابعون أخبار من جاء إلى (الفاكهاني) وهو يمشي بشحاطة في قدميه لرثاثة حاله، فإذا به حاليا يتنقل بطائرة خاصة متفقدا مشاريعه، وشركاته المنتشرة في العالم شرقا وغربا، ويتردد اسمه في كازينو البحر الميّت المثير للجدل في الأردن، ربما بديلاً عن فشل مشروع كازينو(الواحة) قرب أريحا، وقبالة مخيّم (عقبة جبر) والذي تعطّل إبان انتفاضة الأقصى.

المناضلون الذين يعيش واحدهم بنصف جسد، مطلوب منهم أن يعيشوا مع أسرهم بنصف راتب، وكذا المناضلون الذين نيّف كثير منهم على الستين، وتخلّوا عن دراستهم الجامعية، ووظائفهم، واندفعوا بعد هزيمة حزيران وحملوا السلاح بروح فدائية حاملين أرواحهم على أكفهم، مضحين بشبابهم كاملاً، وليس بنصف شباب، وبنصف روح فدائية مقاومة!

الموظفون الذين ضمتهم السلطة لدوائرها، حلموا أن يسهموا في بناء( دولة) على جزء من أرض فلسطين، وفي خدمة شعبهم، وأنهم سيسهمون في دحر الاحتلال بالبناء المؤسسي..فهل يعاقب هؤلاء بمنحهم نصف راتب، ابتزازا، وامتهانا، وإذلالاً؟!

فلتان مالي، وفردية ضيقة الأفق مدمرة وضعت أموال الشعب الفلسطيني في أيدي مارقين اكتشفوا سهولة الاستحواذ على الملايين دون حساب وعقاب، ثمّ في نهاية الأمر، ومع دبيب الشيخوخة في جسد (الرجل المريض)، يتّم الاستحواذ على مئات الملايين، بصفقة بين مارق ورجال أمن يغطونه ويشاركونه!.

ثمّ نسمع عن ديون قدّمت لدول، منها دولة أندونيسيا، وبمئات الملايين من الدولارات، ثمّ ..نسمع أيضا عن (سرقة) سندات الدين، ودون متابعة وتحقيق جدّي للوصول للحقيقة، والوحيد الذي يثير القضية هو سفير فلسطين السابق في أندونيسيا، والذي اطلعت على مذكراته التي وزع كثيرا من نسخها، وباتت متداولة، ولا من يهتم، أو يتابع، أو يحقق، أو يُسائل حتى نعرف الحقيقة!

ومن الأسئلة ما يتردد بأفواه فلسطينيين مقهورين، يرون التبذير، والبطر، والبهورة، ومنها: لماذا السيّارات المصفحة، والتي تكلف واحدتها أكثر من ربع مليون دولار، وخرابها يحتاج لألوف الدولارات ثمنا للقطعة الواحدة في سيّارة القائد (المحروس)؟!

ما هو مصدر الخطر مثلاً على عضو لجنة تنفيذية؟ من الاحتلال! الجميع في قبضة الاحتلال، فحواجزه تقطع الطرق، ودورياته تقتحم البيوت في رام الله عاصمة السلطة!

أتراهم يخافون من الشعب الفلسطيني الذي يعيشون معه تحت الاحتلال؟!

نصف راتب!..هل يعيش الجميع بنصف راتب؟هل هناك مساواة، وأخوّة، وعدالة، وشفافية..بحيث يقتنع الشعب الفلسطيني، ويتحمّل، ويسهم في الخروج من الضائقة المالية؟

هذه سياسة، يعرف شعبنا هذا، ومن يعارضون عودة فياض رئيسا للوزراء أيضا يلعبون سياسة، فهم موافقون على مواصلة الرئيس عباس لسنة كاملة للجهود السلمية..ومع ذلك يرفضون سلام فيّاض، ولا يطرحون منهجا مقاوما..وطبعا لا يفصحون عمّا يتدفق إليهم من أموال..لا نصيب فيها لأحد سوى محازبيهم!

أما آن لشعبنا أن ينفجر في ثورة تصحيح جذريّة، إنقاذا للقضيّة، وليس للرواتب كاملةً..رغم أهميتها؟!