خبر إلى متى ينام العالم على صدر غزة ؟ فيصل جلول

الساعة 10:08 م|05 يوليو 2011

تكافح مجوعة من البواخر المدنية السلمية للانطلاق من اليونان نحو غزة لكسر الحصار عن مليون ونصف المليون من الفلسطينيين الذين ينام العالم على مأساتهم منذ سنتين . ويواجه مكافحو الحصار الصهيوني على القطاع ليس فقط السلطات “الإسرائيلية” وإنما القسم الأكبر مما يسمى المجتمع الدولي . فقد بعث الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون برسائل إلى الدول المتوسطية دعاها إلى منع انطلاق الأسطول أو إحدى سفنه من موانئها نحو غزة . ويبدو أن حماسه في خدمة “إسرائيل” مضاعف هذه المرة ربما لاعتقاده أن الأسطول يحظى بتعاطف وبمساهمة خاصة من أنصار دمشق التي يمتنع رئيسها عن الرد على مكالماته المتعلقة بالوضع السوري الداخلي . ولئن كان حماسه عائداً لهذا السبب أو لغيره فهو يتجاوز الدور التقليدي للأمين العام بالتزام الحياد وعدم الاصطفاف إلى جانب طرف من أطراف النزاع، فما بالك إذا كان الأمر يتعلق بالدولة الصهيونية وهي الدولة الوحيدة في العالم التي ولدت بقرار أممي وهي الوحيدة التي لم تنفذ يوماً قرارات المنظمة التي أوجدتها . والجدير ذكره في هذا الصدد أن منظمي أسطول الحرية عرضوا على الأمم المتحدة تفتيش الأسطول قبل انطلاقه وإرسال مراقبين على متنه طوال الرحلة للتأكد من سلميته وطابعه الإغاثي، غير أن الإدارة الأممية رفضت العرض بداعي الحيادية التي انتهكها الأمين العام برسائله التحريضية لرؤساء الدول المتوسطية ضد الأسطول .

ويواجه هؤلاء أيضاً الاتحاد الأوروبي الذي يعارض انطلاق الأسطول إلى ساحل غزة ومن ثم اللجنة الرباعية التي طالبت بمنعه من الانطلاق نحو شواطئ القطاع الفلسطيني . ولو قدر لمجموعة الثماني أو مجموعة العشرين أن تجتمع هذه الأيام لربما صدر عنها ما يفيد الإبقاء على الحصار والحؤول دون كسره عبر مبادرات من هذا النوع .

وإذا كانت مؤسسات المجتمع الدولي مناهضة لأسطول الحرية 2 فإن مواقف بعض الدول الغربية فرادى ليس أفضل من الموقف الجماعي، فها هو وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه ينصح المعنيين وبينهم سفينتان فرنسيتان بعدم الإبحار نحو غزة وينصح أيضاً الحكومة “الإسرائيلية” بألا تستخدم العنف المفرط ضد المبحرين إذا ما تمكنوا من الإبحار وهو ما بدا مستهجناً من الخارجية الفرنسية التي تدين عادة استخدام العنف ضد المدنيين .

وسط هذه الحملة المضادة لأسطول الحرية 2 كان من الطبيعي أن تمتنع السلطات اليونانية عن السماح له بالإبحار من موانئها رغم حصول البواخر على التراخيص القانونية بل سجلت تجاوزات لا تليق بهذه الدولة الأوروبية المعروفة بمواقفها المشرفة من القضية الفلسطينية، فقد تم الاعتداء على ثلاثة من البحارة الفرنسيين وتم سلب أوراقهم الثبوتية، ورفضت السلطات المحلية تزويد إحدى البواخر بالفيول ومنعت الباخرة الأمريكية المشاركة في الأسطول من الانطلاق منفردة رغم حصولها على الترخيص وكافة الشروط الأخرى، ما يعكس تصميماً لا يمكن تفسيره بمعزل عن الأزمة الاقتصادية التي تطحن هذا البلد وتجعله عرضة لضغوط متعددة الأطراف لحمله على اتخاذ مواقف تتنافى مع أخلاقه السياسية المعروفة ونصرته الدائمة للقضية الفلسطينية في أحلك ظروفها .

تفصح تجربة أسطول الحرية الأول والثاني عن صعوبة تحصيل الحق الفلسطيني عبر القانون الدولي والمؤسسات الدولية التي يقتضي دورها صيانة حقوق الدول والجماعات، وليس مباركة انتهاكها وتبديدها كما يتم في فلسطين التي ينهش أرضها الاستيطان ويخضع شعبها لمهانة المستعمر الصهيوني اليومية، ويحاصر حتى الموت القسم الآخر من الشعب الفلسطيني في غزة، ويشارك المجتمع الدولي في الحصار عبر دعم الدولة الصهيونية وحماية حصارها العنصري من الاختراق.

إن المجتمع الدولي المزعوم بوقوفه المنهجي إلى جانب القوي وضد الضعيف يعزز الإحباط لدى أصحاب الحقوق الفقراء والضعفاء الذين لا عزاء لهم سوى المخاطرة بتحصيل حقوقهم بسواعدهم العارية.

بالمقابل سيكون على الفلسطينيين أصحاب الحق أن يفخروا بتلك الفئات الواسعة من الرأي العام الدولي التي لمست معهم ازدواجية المعايير في المؤسسات الأممية وخرافة “العدالة الدولية” التي تنتصر للظالم على المظلوم . ولعل اتساع المؤيدين في الغرب للقضية الفلسطينية وانتشارهم في مختلف قطاعات الرأي العام يعد بتغيير أساسي في تأييد الحق الفلسطيني ورفض الباطل الصهيوني . وقد ينمو هذا التغيير طرداً مع تصميم الفلسطينيين على انتزاع حقوقهم بكافة الوسائل المشروعة، وإن فعلوا سيكون من الصعب رميهم بتهم التعصب والإرهاب السخيفة والاستبداد، خصوصاً عندما يكون المتهِم (بكسر الهاء) من طراز الدولة الصهيونية التي سقطت دفاعاتها الأخلاقية والمعنوية والحقوقية في وعي الرأي العام الغربي كما تسقط أوراق الخريف .