خبر الربيع العربي ومستقبل الجامعة العربية ‏‏–حسن نافعة

الساعة 06:56 م|05 يوليو 2011

الربيع العربي ومستقبل الجامعة العربية ‏‏–حسن نافعة

تسلم الدكتور نبيل العربي مهام منصبه كأمين عام لجامعة الدول العربية خلفا للسيد عمرو موسى فى ظروف فريدة لم يسبق للجامعة العربية أن شهدت لها مثيلا منذ تأسيسها عام 1945. ولأن جامعة الدول العربية كانت ولاتزال منظمة حكومية تقتصر العضوية فيها على الدول، ممثلة بحكوماتها، فقد ظلت النظم الحاكمة هى المهيمن الوحيد على آليات صنع القرار، ولم يسمح لمنظمات المجتمع المدني بأن تلعب فيها أي دور مؤثر، لذا لم تستطع الجامعة العربية أن تعبر في أي وقت عن الطموحات والآمال الحقيقية للشعوب العربية، وتحولت إلى مطية سعت النظم الحاكمة لاستخدامها وتوظيفها كشماعة تعلق عليها أخطاءها وتبرر بها ضعفها وتبعيتها.

ورغم ذلك كله كان بوسع الجامعة العربية أن تقترب أحيانا من طموحات شعوبها وأن تتخذ من القرارات ما يتجاوب - ولو جزئيا - مع هذه الطموحات حين كانت تتوافر ظروف وأوضاع محلية وإقليمية تدفع ببعض النظم الحاكمة في الدول العربية، خاصة مصر وسوريا والسعودية، لتنسيق سياساتها في قضايا تتعلق بإدارة الصراع مع الدول الغربية عموما ومع إسرائيل على وجه الخصوص.

أما الآن فلم يعد حتى هذا الاحتمال قائما في اللحظة الراهنة بعد أن تغيرت الأوضاع العربية كليا بسبب فقدان الشعوب العربية ثقتها تماما بالأنظمة الحاكمة، وقررت الثورة عليها لتأسيس أنظمة عربية جديدة أكثر قدرة على التعبير عن طموحاتها. وها هو نبيل العربي يدلف إلى عتبة الجامعة بينما رياح التغيير تهب بقوة على العالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، دون أن يكون بوسع أحد أن يتنبأ بما يمكن أن تكون عليه ملامح المرحلة المقبلة. فلا النظام الإقليمي العربي القديم، المطعون في شرعيته وفى مصداقيته سقط، ولا النظام العربى الجديد المأمول تأسس.

فى هذه الظروف الملتبسة، التي قد تستمر لأشهر طويلة وربما لسنوات، من المتوقع أن يواجه الأمين العام الجديد خيارات صعبة وقاسية، في مقدمتها كيفية المحافظة على الجامعة حية، إلى أن يستعيد جسدها المسجى الآن في غرفة العناية المركزة قدرته على التنفس من جديد، فهناك دول عربية نجحت ثوراتها، مثل تونس ومصر، لكنها تمر بمرحلة انتقالية تفرض عليها تركيز كل جهدها على ترتيب بيتها من الداخل، ومن ثم لا يمكن التعويل عليها فى هذه اللحظة للعب دور القاطرة لانتشال النظام العربي من محنته الراهنة. والدول العربية التي لاتزال تعيش «حالة الثورة»، مثل ليبيا واليمن وسوريا، تبدو مهددة بحروب أهلية وباحتمالات تدخل خارجي لن يكون بوسع الجامعة أن تفعل الشيء الكثير لدرء مخاطرها في هذه الظروف الملتبسة والمعقدة. والدول العربية التي لم تهب عليها رياح التغيير بعد تعيش حالة من الذعر والخوف من المستقبل، وقد تدفعها الرغبة في محاصرة الثورة لارتكاب حماقات.

فى سياق كهذا، يبدو الأمين العام الجديد كأنه يسير على حبل مشدود في سيرك كبير منصوب. وأظن أن كل ما يستطيع أن يفعله هو حراسة أجهزة التنفس الصناعي في الجامعة، ومحاولة الإبقاء عليها حية في هذه المرحلة الصعبة، والتنبه للمحاولات الرامية لتوريطها فى تقديم غطاء سياسي للقوى والمصالح الخارجية التي تسعى بإصرار للتدخل فى الشؤون الداخلية للعالم العربي بحجة تأمين ربيع ثوراته ودفع أزهارها للتفتح!

لا بأس من ذهاب الأمين العام إلى جنوب السودان لحضور الاحتفال بحصول دولته الجديدة على استقلالها، رغم ثقل المهمة من منظور قومي عربي، ولا بأس من أن يشجع هذه الدولة الجديدة الخارجة من رحم الزمن العربي الرديء على الانضمام إلى الجامعة. غير أن المجال الوحيد الذي يستطيع نبيل العربي أن ينجز فيه الآن هو مجال الصراع العربي - الإسرائيلي، وله فيه باع طويل، إذ عليه أن يبحث عن كل ما هو ممكن عربيا ودوليا فى هذه المرحلة لدعم المصالحة الفلسطينية وتعظيم الجهود الرامية لتثبيت حقوق الشعب الفلسطيني، وفى المقدمة منها حقه في تقرير مصيره، على الصعيد الدولي، والحيلولة دون تمكين إسرائيل من استغلال الظروف العربية الحالية في فرض تسوية بشروطها على المنطقة.

تمنياتي المخلصة للدكتور نبيل العربي بالتوفيق في مهمته الصعبة.