خبر النخبة وإنذارات إسرائيل الأربعة .. محمد سيف الدولة

الساعة 10:14 م|04 يوليو 2011

في الوقت الذي كانت فيه الاشتباكات مشتعلة بين النخبة المصرية حول جمعة الغضب وملحقاتها من المعارك الافتراضية والوهمية والهامشية.

كان عدونا الصهيوني على حدودنا الشرقية يشن علينا هجوما سياسيا واعلاميا حادا.

فقام خلال أقل من 48 ساعة بتوجيه عدة إنذارات وتهديدات واضحة و صريحة لمصر:

الإنذار الأول كان بتصريح نيتنياهو أن على العالم كله أن يعترف أن مصر خرقت معاهدة السلام ، بقيامها بفتح معبر رفح بالمخالفة لنصوص صريحة في الاتفاقيات تلزمها بمراقبة الفلسطينيين والتضييق على حركتهم.

والإنذار الثاني كان بالتهديد بتصعيد مسألة المعبر إلى التحكيم الدولي وفقا للمادة السابعة من معاهدة السلام.

والإنذار الثالث صدر أيضا عن نيتنياهو حين وجه اتهاما صريحا لمصر أنها عاجزة عن فرض سيادتها الكاملة على سيناء، بما سمح لانتشار النشاطات الإرهابية في سيناء، وان حماس قد قامت وفقا لادعائه بنقل نشاطاتها الإرهابية من سوريا إلى سيناء، وان هناك أيضا عناصر من القاعدة موجودة في سيناء، بما يؤكد العجز المصري الامني في سيناء.

الانذار الرابع ، كان انذارا غير مباشر عن طريق وسيط هو الشريك الامريكي في شركة شرق المتوسط التي تصدر الغاز المصري الى اسرائيل ، والذي هدد باللجوء الى التحكيم الدولي ضد مصر لامتناعها عن تصدير الغاز لاسرائيل منذ تفجير خطوط الانابيب، بالمخالفة لشروط التعاقد المبرم في هذا الشأن.

ثم تم تتويج كل هذا بتلويح صريح بالحرب وبالنية على إعادة احتلال سيناء مرة أخرى ما لم ((تلملم)) مصر نفسها وتعود إلى صوابها.

أربعة إنذارات خبطة واحدة في بضعة أيام لأسباب معروفة ومفهومة ومعتادة، وهي ممارسة الضغط على الإدارة المصرية من أجل فرملة توجهاتها الاستقلالية الجديدة، التي ترى فيها اسرائيل خطرا عليها، بعد أن تمتعت بمعاملة من نوع خاص من قبل كنزها الاستراتيجي المتمثل في النظام السابق منذ توقيع اتفاقيات كامب ديفيد .

كل هذا مفهوم ومتوقع، ولن تكف عنه اسرائيل أبدا ، بل ستسعى كل يوم الى مزيد من التصعيد والتحريض بهدف إخضاع الإرادة المصرية .

ولكن من غير المفهوم ولا المتوقع هو حالة الصمت المريبة التي سادت غالبية النخبة المصرية، التي لا تترك تفصيلة منذ الثورة إلا وتدقق فيها وتناقشها وتقتلها بحثا. وهي محقة في  ذلك.

ومنها عشرات القضايا الأقل أهمية وخطورة بكثير من الإنذارات الإسرائيلية، ولكنها كانت تثير زوابع ومعارك وانقسامات لا داع لها

ومن غير المفهوم ولا المتوقع أيضا ما تم منذ بضعة أسابيع حين دعا شبابنا، بارك الله فيهم ، الى التظاهر عند السفارة الصهيونية في ذكرى النكبة، والى تنظيم قوافل سلمية لتقديم الدعم السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني المحتل والمحاصر.

فخرجت علينا بعض الأقلام تحذر من هذه الخطوة، و تعتبرها من المحظورات، واستخدموا فزاعة اسرائيل وعقدة 1967 لتخويف الشباب والناس، وأن الأولوية القصوى يجب أن تكون للشأن الداخلي المصري فقط وكأن أمننا القومي ليس شأنا مصريا.

هؤلاء لم ينبسوا بكلمة واحدة في مواجهة الإنذارات الإسرائيلية الأخيرة .

وكأن هناك سياج مقدس حول ((إسرائيل)) غير مسموح للثورة المصرية الاقتراب منه، حتى لو كان لرد عدوان سياسي وإعلامي بغيض على مصر .

وحتى حين تم ضرب واعتقال 168 من الشباب أمام السفارة الصهيونية، في أول ظهور بعد الثورة للأمن المركزي، وحين تم ضرب شباب آخر في دمنهور يوم 14 مايو في تظاهرة لدعم فلسطين أيضا. وكأن تخصص الأمن المركزي الجديد أصبح هو مواجهة أنصار فلسطين وأعداء اسرائيل.

نقول ، حين حدث كل ذلك ، لم تخرج أيا من منظمات المجتمع المدني وحقوق الانسان ، وكل أولئك الذين أقاموا الدنيا أيام فض اعتصام التحرير ،  لم يعترض أحدا منهم ، ولم يجد شبابنا المعتقل غير قلة قليلة جدا من المحامين والحقوقيين الشرفاء لتدافع عنهم وتقف الى جانبهم . اذا ربطنا ذلك بكل التقارير الواردة من داخل جلسات الكونجرس الامريكي والحكومات الغربية ، ومنظمات التمويل الأجنبية ، التي تشير الى الجهود الأمريكية الأوروبية المبذولة منذ الثورة من أجل بناء و دعم تيارات مدنية وسياسية تعمل على ضمان انتقال السلطة في مصر الى قوى لا تعاد المصالح الأمريكية في المنطقة وعلى رأسها أمن اسرائيل والسلام معها.

نقول اذا ربطنا الأمور وحللناها قليلا ، فقد نجد فيها ما يقلق ضميرنا الوطني.

ولكني الأهم في نهاية هذه السطور هو التأكيد على نقطة محددة و هي التنبيه على أنه من المتوقع في الأسابيع القليلة القادمة أن تتعرض السلطات المصرية لضغوط خارجية شديدة ، للتراجع عن سياساتها الجديدة تجاه الملف الفلسطيني / الاسرائيلي .

ومن سابق خبراتنا التاريخية في هذا المجال ، فان الضغوط قد تؤتى ثمارها ان لم توازيها ضغوط شعبية مضادة وقوية ، تدعم السياسات الجديدة وتثبتها وتطورها .

ان الدعوة الى تأجيل الملفات الخارجية الى حين ترتيب البيت من الداخل ، هي دعوة مستحيلة.

فلن يتركونا نفعل ذلك.

الا في حالة واحدة هي أن نقوم باستئذان اسرائيل و امريكا قبل أي خطوة نخطوها!!

ولنتذكر جميعا الدرس التاريخي الشهير حين تعرضنا للعدوان الصهيوني أول مرة عام 1956، بسبب تأميم قناة السويس وليس بسبب نصرة فلسطين.

ان نهضة مصر وتقدمها، حتى على المستوى الداخلي هو خط أحمر من المنظور الصهيوني والأمريكي، وسيل الإنذارات الأخيرة ليس سوى دليل جديد على ذلك.