خبر غزة وأنفاس الحرية .. أمجد عرار

الساعة 10:56 ص|03 يوليو 2011

عشر سفن تبحر هذه الأيام من اليونان في إطار “أسطول الحرية” السلمي لنقل مساعدات إنسانية الى المحاصرين في غزة وكسر الحصار “الإسرائيلي” الظالم والمجرم وغير القانوني المفروضعلى القطاع . شخصيات وصحافيون ومثقفون من 22 بلداً، ومن أعراق وأديان ومشارب فكرية متنوّعة، يركبون البحر ويلاطمون الأمواج وسواها من مخاطر المحيطات ومجاهيلها، ليكتبوا بتضحياتهم ومخاطرتهم ومغامرتهم “المحسوبة” صفحة جديدة في سفر التضامن الإنساني الذي يواجه أشرس حرب تشنّها عليه قوى النهب والاستعمار بشكليه القديم والحديث .

 “إسرائيل” التي تملك عينين تختلفان عن عيون البشر ترى الحصار على غزة مسألة حياة أو موت . هو كذلك ولكن حياة وموت من؟ لأهل غزة المحاصرين أم ل “إسرائيل”؟ فالحياة والموت هما قدران لمن يتعرّص للحصار والعدوان وليس لمن يحاصر ويعتدي . . لتكذبْ “إسرائيل” وتظلمْ وتفترِ وتضلّلْ كما تشاء، فالمريض الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة على رمال غزة بسبب نفاد الأدوية أو انقطاع الكهرباء عن المستشفيات، لا يمنح الحياة ل”إسرائيل” بل يصبغها بالخزي والعار .

الولايات المتحدة التي ترى بعيني “إسرائيل” أعطتها مسبقاً فرمان الاعتداء على مواطنيها المشاركين في أسطول الحرية، ولا ضير، فهؤلاء ليسوا أفضل من راشيل كوري التي سحقتها جرافة “إسرائيلية” ولم تنبس أمريكا ببنت شفة، لأن حليفتها فوق أي قانون، وما تقوله مسلّم به من دون نقاش، وهي بالنسبة إلى الأمة العربية، وبلا مواربة، شريك ل “إسرائيل” في كل شيء عدائي لشعوب أمتنا . وقد اختارت الانحياز إلى جانب العدوان والاحتلال والاستيطان واعتقال الأطفال وسحق البشر والشجر والحجر، وقتل أحلام اللاجئين في تكحيل عيونهم برؤية بقايا منازلهم ولو من بعيد .

أوروبا أسوأ حالاً، فإذا كانت أمريكا تتخذ سياساتها الانحيازية خدمة لمصالحها، فإن أوروبا تتبع السيد الأمريكي على حساب مصالحها . أوروبا تستمع ل”إسرائيل” على قاعدة أن كل ما تقوله أوامر وعلى رأسها “من فوق” . تجارب عديدة ومحطات كثيرة برهنت على أن الدول النافذة والأساسية في أوروبا فاقدة للاستقلالية وذائبة في محلول السياسة الأمريكية ومصالح “إسرائيل” ولو على حساب مصالحها الراهنة والمستقبلية . حتى في القضايا التي أظهرت دول أوروبية تبايناً أو اختلافاً مع الموقف الأمريكي، لم يصمد التباين أسابيع أو شهوراً ثم يتبخّر وتعود تلك الدولة أو الدول الأوروبية إلى الحظيرة الأمريكية صاغرة، وأحياناً تذهب للأمام أبعد من أمريكا نفسها .

لن نتحدّث عن الأمم المتحدة وأمينها العام، لكنها وباقي الأطراف التي اتخذت مواقف معادية لمبادرات سلمية إنسانية تجاه غزة، مثلما منحت حصار غزة غطاء دولياً معيباً ومقرفاً، تتحمّل المسؤولية التاريخية سياسياً وأخلاقياً عن كل طفل أو عجوز يطاله الحصار في غزة، وتتحمّل المسؤولية عن أية حماقة ترتكبها “إسرائيل” بحق المتضامنين الدوليين على متن أسطول الحرية.

فهي اعتادت أن ترتكب المجازر وتفلت من العقاب . هكذا فعلت طوال عمرها القصير، بل ارتكبت مجزرة بحق أسطول الحرية الأول وقتلت تسعة أتراك وجرحت العشرات، ورغم مرور أكثر من سنة على تلك المجزرة، لم تمنح تركيا مجرد اعتذار، ناهيكم عن التعويضات التي تطالب بها أنقرة لأهل الضحايا .

لسنا متأكدين من قدرة الأسطول على الإبحار أولاً، ثم الوصول إلى غزة المحاصرة، لكن ما نحن متأكدون منه، أن الحصار أخفق في كسر إرادة غزة ومنعها من تنسم الحرية، مثلما أخفق الاحتلال تماماً في ثني الشعب الفلسطيني عن مواصلة نضاله من أجل الحرية والاستقلال.