خبر نبيل العربي .... يخرجونه من جلبابه العربي .. عبد الحليم أبو حجَّاج

الساعة 03:52 م|29 يونيو 2011

مصر أم الدنيا وتاج العلا في مفرق الشرق , وهي أم العرب أجمعين حقا وصدقا , وهي الدرع الواقي للأمة العربية, وهي الملجأ الآمن لكل عربي يطارده الخوف والظلم وصنوف أخرى من الأخطار الخارجية، وهي بمثابة القـلب من الجسد العربي, فإن صلح هذا الـقـلب صلح الجسد كله, وإن فسد فسد كله. وإني لأجد لساني يردد ما نقله شاعر النيل حافظ إبراهيم عن مصر وهي تتحدث عن نفسها:

أنا إن قـدَّر الإلـه ممـاتي           لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدي

نعم , لقد أثبت تاريخ العرب ووقائعهم الحربية صدق هذا القول. ورواة التاريخ يخبروننا أن مصر وبلاد الشام حـقـقـت الانتصارات الباهرة على الغزاة الطامعين حين كانت متحدة في الجيش والسياسة والقيادة الحكيمة .

ويحدثنا رواة التاريخ أيضا أن كانت مصر وفلسطين كلتاهما سندا وعونا للأخرى في مواجهة الغزاة المعتدين منذ فجر التاريخ العربي القديم وعصور ما قبل الإسلام وما بعده ، وقد فطن عمرو بن العاص لهذه الحقيقة التاريخية وهو يطارد فلول الرومان حتى أجلاهم عن ديار مصر والشام . فإذا كانت هذه الأخبارعن ماضينا بهذه المفاخر فما بال حاضرنا ؟...

يخبرنا الراسخون في علوم السياسة ومراقبو الثورات أن الشعلة العربية التي تحت الجمر لم تنطفئ ، فهي ما زالت ملتهبة وهي بحاجة إلى هـبة ريح لتشتعل , ولكن الكيان الصهيوني وأمريكا والغرب الاستعماري يخشون من أن تحرقهم نارالثورات العربية , فلا يسمحون لها أن تـتـقـد إلا إذا أيقـنوا أنها لن تمسهم بسوء في كيانهم ومصالحهم , أما إذا كانت النار ستمس مصالحهم وتمس أمن وسلامة الكيان الصهيوني بالذات فإنهم ينشطون جميعا لإطفائها وإخمادها ،  ويتخلصون من أي إنسان في العالم , مهما كان موقعه يعادي إسرائيل أو يساهم في معاداتها , أو يساند أعداءها عليها . فمن يفعل ذلك يتهم بمعاداة السامية أو اللاسامية ، ولنا في كثيرمن الشخصيات العربية والدولية الأمثلة الواقعية على ذلك , وكان أقرب مثال لنا هو السيد عمرو موسى . هذا الرجل الذي تسلم وزارة الخارجية المصرية 1991 – 2001 . وكانت بدايته أن أظهر إخلاصه للقضية الفلسطينية , ولكل القضايا العربية , فاستحق لقب وزيرخارجية العرب ، وكان لا يفتأ يصد الإسرائيليين ويدفع ادعاءاتهم  ودعاواهم مثبتا بطلان الوعد الإلهي المكذوب على الله سبحانه . ومازلت أذكـرمساجلاته ومناظراته وحواراته الدفاعية في مواجهة مع "عاموس " مساعد وزير الخارجية الإسرائيلي وآخرين من سفراء ودبلوماسيين صهاينة ومتصهينين ، فيخرج منتصرا عليهم رادا كيدهم إلى نحورهم كاشفا زيف مزاعمهم . فكان هذا يغضب الإسرائيليين ويثير مخاوفهم .... وعندما أحسـوا خطورته على كيانهم قرروا إزاحته عن مـوقعه إلى مـوقع آخر يكونون فيه آمنيـن منه , فـأوحوا إلى عملائهم أن يتسلم عمرو موسى أمانة الجامعة العربية حيث ينفذ سياسة قطر والبحرين والسعودية والأردن والمغرب وغيرها مـن دول الحياد السلبي ، حينها لن يجد مجالا واسعا تسرح فيه مبادئه القومية ...فكـفـَت الجامعة العربية إسرائيل ( شر! )عمرو موسى ، ونامـت إسرائيل قـريرة العين نـوما خاليا من كوابيس مزعجة كانت تقض مضاجعها . وفعلا ، امتثل عمرو موسى للأسياد , ونفذ سياسة الأوغاد ، فشارك بمعوله في هدم العراق , واستل سيفه في وجه ليبيا وضرب به مع المضاربين , وكان أن أغمض عينيه عن لبنان وصمَّ  أذنيه عن هدير الدبابات التي تحاصر أبا عمار في رام اللـه ، وأدار ظهره للرصاص المصبوب والقنابل الفسفورية ولطائرات F16 تدمر وتحرق قطاع غزة .

ولم ينجح عمرو موسى في عقد مـؤتمر قـمة عربي طارئ لـوقف نزيف الحـرب , لأن الأسيـاد وعـملاء الأسيـاد لا يريدون لهـذا المؤتمر الانعقاد . فنزعوا من قلبه عاطفته الإنسانية , فهانت عليه جرائمهم في إخوته وأبناء شعبه ، وجعلـوه يخلع مبادئه الوطنية والقومية  ويـلقي بها في حـاويـة القمـامة العربية . فنذكره حـين أخـذت " أردوغان " الحميَّـة القـرشيَّة فـثارفـي " دافـوس "  في وجه " بيرز" ولم يثرعمرو موسى ، ونذكره بالأمس حين حضر مؤتمر باريس في مارس 2011 يشارك الأعداء التقليديين للأمة العربية والإسلامية في وضع حلفاء " الناتو " اللمسات الأخيرة لضرب ليبيا بعد أن استصدر قرارا عربيا أجاز به مجلس الأمن أن يصدر هو الآخر القرار رقم 1973  ، ويسيل الدم العربي على الأرض العربية ....

وتدور عجلة الأيام  وتنتفض مصر على رئيسها حسني مبارك  وعلى النظام الذي نهب البلاد  وركـَّع العباد واستبد بهم أيما استبداد ، فتنفض عن وجهها غبار ثلاثة عـقـود وعـفـار أنفاس اليهود , ويشرق وجه عبد الناصر في ميدان التحرير وفي ميادين أخرى في شتى المـدن المصرية ، فيتجدد شباب الثورة وتنتصر إرادة الشـعب بشبابه الثـائر وبشيبه الحكماء وبنسائه الملهمات وبالأطفال الذين تـفـتحت أكمامهم على شعـار ( ارحل ....ارحل ) ، ورحل العجوز المستبد ورحل أركان نظامه ورحلت حقبة سوداء من تاريخ مصر العظيمة . .......وجاء رجال أفرزتهم الثورة فحملو لواء هموم البلاد وأحزانها ، وتحملوا مسئولية مداواة جراحها ، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة السيد عصام شرف الدين بتشكيل الحكومة . وكان على رأس أولوياتها  إنقاذ مصر من مستنقع الظلم والاستبداد ، ورفع الظلم والحصار عن قطاع غزة حيث أطبقت إسرائيل حصارها على مليون ونصف مليون عربي فلسطيني يعيشون في باستيل كبير اسمه قطاع غزة ، وقد شارك النظام البائد إسرائيل في خنق هذا الشعب بإغلاق معبر رفح الذي هو بمثابة الجهاز التنفسي للشعب الفلسطيني ، فقررت حكومة ثورة 25 ينايرالمجيدة  أن تولي الشعب الفلسطيني وقضاياه اهتـمامها , فأعلنت عن سعيها لتحقيق المصالحة الوطنية بين فتح وحماس , وقررت فتح معبر رفح على الدوام ، وعندما احتجت اسرائيل , انبرى لها الفريق سامي عـنان رئيس أركان الجيش المصري البطل قـائـلا :  " لن نسمح لهم-أي الإسرائيليين- بالتدخل في شؤوننا , فمعبر رفح شأن مصري – فـلسطيني فـقـط ، وهذا هو قرارنا ".  وجن جنون إسرائيل وتـلقـت اللطمة الأولى من رجل عسكري ،أما الثانية فكانت اختيار د. نبيل العربي وزيرا للخارجية في حكومة الثورة الرشيدة , فهذا الرجل مشهود له بمصريته ووطنيته وعروبته حين كان سفيرا لمصر في الأمم المتحدة , وحين كان عضوا مشاركا في مفاوضات كامب ديفيد ، وحين كان قاضيا في محكمة العدل الدولية . وهو معروف بعناده في الحق , وبقدرته الفائقة على محاورة ومناظرة الإسرائيليين والتغلب عليهم بدحض مزاعمهم وفضح افتراءاتهم وأكاذيبهم حـين كان رئيسا للوفد المصري في نزاعهم مع الإسرائيليين على ( طابا ) التي عادت إلى حضن مصر تستدفئ بعروبتها ومـصـريتها . وإسرائيل لاتنسى له مواقفه المتشددة , فهي تكن له العداء وهو يعلم هذا ، وهو يبادلها العداء والبغضاء وهي تعلم ذلك . وليست هذه المشاعر العدائية المتبادلة بخافية على الشعب المصري  ولا على الإعلام المصري الذي وصفه يوما (بالرجل المعادي لإسرائيل) .

وظلت إسرائيل تتوجس منه خيفة , وازداد خوفها واضطرابها عندما أعلن للإعلاميين حين سئل عن قضايا خاصة تمس العلاقة المصرية - الإسرائيلية , مثل معبر رفح وبيع الغاز والشأن الفلسطيني ...الخ , قال النبيل العربي بصراحة : " يجب إعادة النظر في كثير من المعاهدات والاتفاقيات والسياسات والبرامج مع دول المنطقة ودول أخرى " . وانتقد السياسة الخارجية المصرية التي انتهجها أحمد أبو الغيط  - صديق إسرائيل - خلال السنوات الأخيرة ودعا إلى مراجعتها خصوصا فيما يتعلق بموقف مصر من الحصار المفروض على قطاع غزة ، وقد سبق قوله : " الوضع في غـزة يمثـل أولوية للقـاهرة " وصرح أكثـر من مـرة بوجـوب رفـع الحصار الإسرائيلي الظالم عن غـزة وفتح معبر رفح بصورة دائمة  ، وكان يؤكد على حق العودة للشعب الفلسطيني ، وعلى حقه في إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس العربية.

وعندما سمعت إسرائيل هذه التصريحات النبيلة ازدادت رعبا وخشيت من هذا الرجل أن يـفسد عليها حيـاتـها وعلاقـتها المستمرة مع مصر تحت مظلة كامب ديـفـيد ، وأخـذت تصرخ بهستـيريا  : " وزير خارجية مصر الجديد يصفنا بالمجرمين "   نعم ، إنه  معروف بتعـاطفـه مـع الفلسطينيين وضد حصار غـزة الـذي يتنافى مع حـقـوق الإنسان  " وإسرائيل تعـلم منـه كل هـذا وأكثر ، ولهذا كله رأت بالعين الثـالـثة وجوب التخلص منه وإبعاده عن وزارة الخارجية – حصن الهندسة السياسية المصرية . وأيقنت أن بقاءه في هذه الوزارة سيجلب عليها الكثير من المخاطر والمتـاعب والقـلاقـل .

في تلك الأيام كانت مصر قد رشحت السيد مصطفى الفـقي ليخلف السيد عمرو موسى في أمانة الجامعة العربية , ولقد نشط هذا الرجل وسافر إلى بلاد عربية ، والتقى زعماءها وقادتها وأولي أمر السياسة فيها , فأ قروه ومنحوه ثـقتهم موافقتهم وتزكيتهم ، وكاد مصطفى الفقي أن يكون أمينا عاما للجامعة العربية  لولا الأيدي الخفية التي لعبت دورها في الخفاء من وراء الكواليس ، فأخذت تعمل ما وسعتها القدرة على العمل من أجل خلع النبيل العربي من وزارة الخارجية ونقله إلى الجامعة العربية لتـأمـن (شره !) وتتقي ( وزره !) . وفوجئ الجميع بإعلان ترشيح د. نبيل العربي لأمانة الجامعة العربية وموافقة الأعضاء الدائمين في الجامعة العربية على ترشحه بل وتزكيته . تم هذا بسرعة مذهـلة , ولا يعلم الشعب العربي في مصر وفي خارج مصر كيف تم هذا الترشح , ولا مَن رشحه لهذا المنصب , وهل تم التشاور معه وأخذ موافقته قبل الإعلان عن ترشحه ؟ . هذه خواطر تحتاج إلى إيضاحات . ولكن من المؤكد أن مصر لم تبادر بترشيحه ، لأنها كانت قد قدمت السيد مصطفى الفقي , ولكنها – للأسف - لم تمانع ولم تعترض . ومن المحتمل أن تكون دولة عربية أو أكثر قد أوحي إليها بذلك من الأسياد وحلفائهم فتم لهم ذلك. وذهب مصطفى الفقي أدراج رياح التغيير التي هبت من تل أبيب على الدوحة وعلى عواصم رجعية عربية تحتمي بعباءة الأمريكان وتحالف إسرائيل والشيطان .

يا دكتور نبيل العربي ... أيها العربي النبيل ...

هل ترضى لنفسك أن تكـون كما كان سلفك أداة لتنفيذ رغائب الأمريكان وبعـض الأنظمة العربية بإيحاء من الصهيونية العالمية وحسب مصالحها ؟. نحن لا نظن ذلك، ولكن مَن يدخل أروقة الجامعة العربية ويتولى أمانتها العامة لا مفر له من الخضوع وتنفيذ الأوامر, فهذا دوره إما أن يرضى به أو يخرج.

هل ترضى لنفسك أن تدير ظهرك لقضايا أمتـك العربية وبخاصة قضية فلسطين بما فيها من مشكلات واستيطان ويهودية الدولة والحصار والاعتراف بدولة فلسطين وعاصمتها القدس العربية ؟ . نحن نشك في ذلك ، ولكنني أقـول يا سيـادة الوزير ما يقـوله كثير من رجال السياسة والحرب والاجتماع والاقتصاد والإعلام والفنون والثـقافة: إنَّ نقل الدكتور نبيل العربي من وزارة الخارجية المصرية إلى أمانة الجامعة العربية يعتبر كارثة عربية تضاف إلى الكوارث المدمرة.  فهل ترضى لنفسك أن تفرط في الأمانة وتعرض تاريخك المجيد في المزاد العلني في أسواق بلاد الحجاز وقطر والبحرين والأردن والمغرب الغريب كما فعل سلفك ؟.

يا دكتور نبيل العربي ... أيها العربي النبيل ...

يكفيك فخرا وشرفا أن تكون وزير خارجية مصر , ويكفيك نبلا وعظمة أن تكون محاميا ومدافعا عن قضايا العرب لإحقاق حقوقهم التاريخية ...وـليتك يا سيدي تراجع حساباتك وترجع عن مغادرة وزارة الخارجية المصرية خدمة لقضايا مصر والعرب أجمعين . فلا تدعهم يا سيدي يخرجونك من جـلبابك العربي الأصيل !!!.

فطوبى لك ولمصر المحروسة ولثورة 25 يناير التي أعادت لمصر دورها العربي الرائد فكشفت عن وجه عبد الناصر الذي تشرق بأنواره البلاد !. وطوبى لجيش مصر البطل وللمجلس العسكري الأعلى وللحكومة الرشيدة برئاسة السيد المهندس : عصام شرف الدين !. وحفظ الله مصر وحماها من كيد الكـائـديـن . ورحم الله شهداءنا الأبرار الذين أوقدوا شمعة الحرية ليرى السالكون مواقع أقدامهم في طريق تنتهي بهم ـ إن شاء الله ـ إلى النجاة والنصر المبين .

وتعسا لجامعة أنشأها الاستعمار الغربي لتمزيق الوطن العربي واقتسامه على خريطة رسمها الأَخَوَان ( سايكس - بيكو ) وهما متكئين على أريكة ( الشريف - مكماهون ) العتيقة ! .  وتعسا لجامعة تحوَّلت بشطارة عمرو موسى إلى نادي للسيرك العربي , وباتت مسرحا للعرائس , خيوطها بكف واشنطن وتل أبيب والدوحة ،تحركها وترقِّصها وتشل حركتها كيفما شاءت ومتى شاءت !. *