خبر الإسراء والمعراج والإعداد المعنوي

الساعة 06:02 ص|29 يونيو 2011

الإسراء والمعراج والإعداد المعنوي

فلسطين اليوم _ غزة

تخوض الأمة اليوم معركتها مع الفساد بكل أنواعه وألوانه وأشكاله، وعلى رأسه الفساد السياسي والإداري والمالي، وتسعى الأمة إلى الإصلاح بمعناه الشامل.

ولقد كانت ظروف الإسراء والمعراج شبيهة بظروفنا اليوم، فقد كان الفساد العقائدي والسلوكي متجذرا في كل جوانب الحياة، وكان رسول الله صلى عليه وسلم يسعى إلى إصلاح ذلك كله إصلاحا شاملا.

وإن الناظر في الهدف الرئيس من الإسراء والمعراج يرى أن الهدف أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من آيات الله الكبرى، نجد هذا في قوله تعالى في سورة الإسراء {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} وفي قوله تعالى في سورة النجم {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16) مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}.

لقد كانت هذه المعجزة إعدادا معنويا لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة، في وقت ظن فيه أكثر الناس أنه لا مجال لانتصار الإسلام على الجاهلية المتجذرة العاتية بكل قوتها وجبروتها ومؤسساتها، ولكن سنة الله في الكون أن ينتصر الحق على الباطل مهما علا وتجبر.

إن الإعداد المعنوي يسبق الإعداد المادي ويواكبه، وهكذا جاءت هذه المعجزة لتُعدَّ النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين للمرحلة الجديدة، وإنني أعتقد أن أمتنا اليوم على أبواب مرحلة جديدة، فما أحوجنا إلى دروس الإسراء والمعراج في هذه المرحلة.

وسأعرض لبعض دروس الإعداد المعنوي في الإسراء والمعراج من خلال ما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم:

1. الإسراء والمعراج معجزة من المعجزات، وهي خرق لقوانين الطبيعة، حيث انتقل النبي صلى الله عليه وسلم في المعراج بسرعة أكبر بكثير من سرعة الضوء، وفي هذا طمأنة للمسلمين أن الله لن يخذلهم، وسينصرهم لا محالة، وفي ذلك رفع عظيم لمعنويات المسلمين، ولكن النصر بالمعجزات والكرامات لا يكون إلا عند بذل الجهد واتخاذ الأسباب، فقد سبق الإسراءَ والمعراج رحلتُه صلى الله عليه وسلم إلى الطائف التي تبعد عن مكة أكثر من مائة كم، ماشيا على قدميه، وهو في الثانية والخمسين من عمره تقريبا، وهكذا يكون بذل الجهد.

وإن كانت المعجزات قد انتهت فإن الله قادر في كل حين أن ينصر من ينصره (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) فلتبشر أمتنا بنصر الله.

2. رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبواب السماء تفتح له ترحيبا وإكراما، وكأن الملائكة تقول له: إن سُدت في وجهك أبواب الأرض فإن أبواب السماء تفتح لك، وتوشك أبواب الأرض أن تفتح لك أيضا، ولكن حين يريد الله ذلك، فما تأخير النصر إلا لحكمة يعلمها الله، وليس تخليا عن دينه ونبيه.

3. رأى البيت المعمور في السماء، يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه مرة أخرى، فرأى بعينيه كم هو عظيم جند الله {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وعلم كم هي ضآلة من يحاربونه في مكة ويعاندونه، فلتحسن أمتنا علاقتها مع الله وسيسخر الله لها جنوده في السموات والأرض الذين لا غالب لهم.

4. رأى سعة الكون من أرض وسماوات، وهو الكون الذي يقدر العلماء اليوم قطره المكتشف بمليارات السنوات الضوئية، في حين لا يساوي محيط الكرة الأرضية إلا جزءا من ثانية ضوئية، فالكرة الأرضية كلها لا تساوي بالنسبة للكون المكتشف إلا ذرة رمل واحدة من صحراء شاسعة، فعلم أن الأرض كلها لا تساوي بالنسبة لما رأى من عظيم ملك الله شيئا.

5. رأى جبريل على صورته الحقيقية، يملأ ما بين السماء والأرض، له ستمائة جناح، فعلم صغر أعدائه المعاندين الكافرين، وأنهم ليسوا شيئا يذكر بالنسبة إلى بعض خلق الله تعالى، وأن بمقدور مَلك واحد أن يقلب الأرض كلها رأسا على عقب.

6. رأى سدرة المنتهى، ولعلها الشجرة التي يسير الراكب على الجواد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها، فأين الأرض وكل من عليها من عظمة خلق الله تعالى!!!.

7. رأى النيل والفرات من أنهار الجنة، وفي هذا بشارة بأن هذه المنطقة هي منطقة سيظهر فيها الإسلام على غيره من الأديان، وكم لهذا من ارتباط قوي بما يرفعه الصهاينة من شعار لحدود دولتهم التي يريدون، وهو (حدود إسرائيل من الفرات إلى النيل) وهكذا فكل ما يحاوله أعداء الإسلام من حجب نور الله تعالى لن يفلح ولن ينجح {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}.

8. رأى نهاية المعركة مع الفساد والفاسدين حين رأى أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، فهل يبقى شك بعد ذلك بنصر الله وعونه؟

9. فرضت الصلاة في تلك الليلة خمس صلوات، فكانت إعدادا معنويا عظيما {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} فهي:

• معراج كل مسلم إلى الله بعقله وقلبه، بها يرتفع مستواه الفكري والإيماني والسلوكي والروحي.

• ومن خلالها يخاطب المسلم ربه، ويناجيه، ويسأله، ويستعين به، ويشعر بالاطمئنان والراحة النفسية بين يديه، ويحس بأنه يركن إلى القوة المطلقة والعظمة المطلقة، فيشعر بالعزة، فلا يذل لمخلوق، فالعبودية لله تعالى هي قمة العزة والكرامة أمام كل مخلوق.

• بها يشعر أنه ينتمي إلى الله، فهو جندي من جنوده، فلا يخاف ولا ييأس، ولا يقنط، ويوقن بالنصر والتمكين.

إن ذلك كله من بشارات النصر القريب إن شاء الله، فقد بدأت الأمة تعود إلى الله، وتلتزم بدينه، وتتخذ أسباب النصر، وبدأت تدرك أن ثمن النصر يدفع سلفا، فبدأت تدفع ثمن النصر من دمائها، وبدأت تثور على الظالمين الفاسدين، وإن الله لن يخلف وعده {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}.