خبر الاستراتيجية الفلسطينية وتحولات المستقبل.. عبد الزهرة الركابي

الساعة 10:16 م|28 يونيو 2011

في خضم الأحداث التي تجتاح المنطقة، قامت الدولة الصهيونية بإجراء مناورات عسكرية كبيرة، وذلك لاختبار جهوزية قواتها ومنشآتها في أسوأ الاحتمالات، بما في ذلك كيفية التعامل مع الحرب الكيماوية، وكذلك خوض حرب تجري على جبهات عدة في ذات الوقت وتحاكي احتمالية سقوط مئات الصواريخ على المدن والتجمعات السكنية “الإسرائيلية” تطلق من مواقع ومحاور قريبة وبعيدة.

لا شك أن “إسرائيل” في هذه المرحلة باتت في حال من الخشية لما ستسفر عنه الأحداث الجارية، وهي في كل الأحوال يسودها شعور جديد في ظل التحولات التي تشهدها بعض الدول العربية، وذلك بوجود إشكالية حقيقية تتعلق بتغيير واضح في موازين القوى في المنطقة التي تتجه شعوبها نحو مزيد من العداء لها.

وفي مقابل الاستعدادات والاختبارات “الإسرائيلية”، نجد أن المنطقة العربية منشغلة ومشغولة بأحداثها الداخلية والتي تعتبرها أهم التحديات المرحلية، وهي في هذا الوقت تضع أي تحسب بالنسبة إليها على رف التأجيل والانتظار، بيد أن سياسات المنطقة عموماً لا تُسقط من حسابها التحديات المستقبلية .

تحسب الدولة الصهيونية والمتمثل في المناورات المذكورة والتي درجت عليها “إسرائيل” بشكل مطرد منذ عام ،2007 يأتي في أعقاب حرب يوليو/تموز عام 2006 التي أخفقت فيها أمام المقاومة اللبنانية، حتى إن رئيس هيئة أركان الجيش “الإسرائيلي” بيني غنتس أعلن أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أن قوس التهديدات في ظل التغييرات في الشرق الأوسط قد اتسع كثيراً، بدءاً من السكين وحتى الأسلحة النووية . وقال إن تهديدات الماضي ما زالت قائمة، وتتطور تهديدات جديدة تتطلب قدرة على العمل في جبهات عدة بقوة وبحزم، ويجب حسمها في خلال فترة قصيرة.

وأمام هذا الواقع الآني والسائد، فإن الحراك السياسي بالنسبة للمنطقة العربية، سيظل مهتماً بالاستراتيجية الوطنية الفلسطينية والتي تتجه صوب الأمم المتحدة، بهدف أو بأهداف تتطلع من خلالها الى وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وبعيداً عن سياسة الأمر الواقع التي تمارسها الدولة الصهيونية، خصوصاً وأن المعنيين في المنطقة وكذلك الفلسطينيين يجدون أن الأمل قد تضاءل في جدوى عملية السلام، بعدما اكتمل هذا المشهد بالحراك السياسي بفعل الأحداث الأخيرة، والذي قد يقود لتغيير خريطة القوة في المنطقة، حيث أدت تلك العوامل مجتمعة الى تعالي الدعوات المنادية بإعلان الدولة الفلسطينية والكف عن المفاوضات غير الناجعة وغير المجدية، ومن الطبيعي أن مثل هذا التطور يحتاج لجيل جديد من القادة قادر على استشراف بدائل لمعضلة المفاوضات.

ولهذا، ليس من المستبعد في المستقبل المنظور وبناء على الاستراتيجية الفلسطينية، أن يتجه العرب وفي ضوء تحولات المنطقة الى تطوير هذه الاستراتيجية إذا ما تعذر حل الدولتين، الأمر الذي يتطلب بلورة استراتيجية عربية أعلى سقفاً من الاستراتيجية الفلسطينية الحالية، وذلك من مرد الإخفاق الذي أصاب عملية السلام في تحقيق السلام المنشود والحل العادل للعرب وللفلسطينيين على حد سواء، وهذه الاستراتيجية ليس من المستبعد أيضاً أن تكون مفارقة بالكلية لكل ما جرى في الماضي .

إذاً، الاستراتيجية الفلسطينية في هذا الوقت الاستثنائي والآني، يتحدد دورها ومهمتها في بناء سقف معلوم الارتفاع من ناحية ومن ناحية أخرى عدم استئناف مفاوضات السلام غير المجدية في ظل عدم موافقة “إسرائيل” على إعلان الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف على حدود ،1967 وربما يكون الاتجاه الى الأمم المتحدة لإعلان وقيام الدولة الفلسطينية حتى لو كان ال”فيتو” الأمريكي في انتظاره عند الاحتكام الى مجلس الأمن، يشكل تجسيداً أولياً لهذه الاستراتيجية التي تظل مهمة تطويرها إلى ما هو أعلى وأعمق، على عاتق القيادات العربية التي ستنبثق إبان مرحلة التحولات في المستقبل المنظور .

ويكفي الاستراتيجية الفلسطينية في هذه المرحلة، هو إصرار القيادة الفلسطينية على كسر الطوق الأمريكي وعدم الامتثال للضغوط الأمريكية والغربية في أكثر من جانب، وهذا يشكل بحد ذاته نجاحاً لافتاً في عملية اختبار القرار الفلسطيني الحر والرافض للتسويف والمماطلة والتغطية وكسب الوقت.