خبر بطيخ جنين يعود الى الأسواق بعد غياب 25 عاماً

الساعة 06:53 ص|28 يونيو 2011

بطيخ جنين يعود الى الأسواق بعد غياب 25 عاماً

فلسطين اليوم-جنين

 "جنيني يا بطيخ" .. صدحت حناجر عدد من الباعة في أسواق المدينة، وهم يحاولون الترويج للفاكهة الصيفية التي اشتهرت بها محافظة جنين، وكانت تصدرها إلى أسواق الأردن وسورية ولبنان والخليج العربي لوفرة الانتاج، قبل انقراض هذه الزراعة تقريباً منذ نحو عقدين ونصف.

وغاب بطيخ جنين، الذي شكل لعشرات السنين واحداً من أهم مصادر الدخل للمزارعين في المحافظة، عن الأسواق الفلسطينية والعربية لأكثر من 25 عاماً، لأسباب اختلفت من مزارع لآخر، لكن جوهرها يكمن في إصابة التربة بمرض عرف باسم "فيوراسيوم" الذي يتسبب بذبول فيها، ويقضي على الثمرة وهي في مراحل نموها الأولى، إضافة إلى عدم توفر الكميات الكافية من مياه الري، وتوجه أعداد كبيرة من المزارعين للعمل داخل الخط الأخضر، وهي جملة أسباب أدت إلى انقراض هذا النوع من الزراعة.

وأمام رغبة عدد كبير من المزارعين، لجأت وزارة الزراعة إلى وضع خطة عمل متكاملة تستهدف إعادة إنعاش هذا النوع من الزراعة الصيفية في حقول محافظة جنين، فبدأت بزراعة نحو 260 دونما، على شكل تجربة حققت في المرحلة الأولى منها نجاحاً ملحوظاً.

إلا أن هذا النجاح، كما يقول المزارع الياموني، أبو عاصف فريحات، اصطدم بعدم مقدرة المزارعين على تسويق منتجات البطيخ في الأسواق المحلية، بسبب إغراق هذه الأسواق بكميات كبيرة من البطيخ الإسرائيلي الرخيص الثمن إذا ما قورن بالبطيخ الجنيني.

وبحسب فريحات، فإنه كان واحداً من بين عشرات المزارعين ممن قرروا دعم المبادرة التي أطلقتها وزارة الزراعة، قبل نحو عامين، والتي تقضي بإعادة زراعة البطيخ الجنيني، كمنتج وطني يتمتع بجودة عالية.

وقال، "كنت من أوائل المزارعين الذي تشجعوا لهذه المبادرة باعتبارها مبادرة وطنية من الدرجة الأولى، دون أن أفكر حتى بإمكانية الخسارة، ذلك لأنني أؤمن بضرورة إحياء زراعة البطيخ الجنيني، فخصصت نحو ثمانية دونمات لزراعتها بهذا النوع من البطيخ".

 

منافسة شرسة مع البطيخ الاسرائيلي

إلا أن الأمر المفاجئ بالنسبة لهذا المزارع الذي أمضى عدة سنوات في سجون الاحتلال، كما هو الحال بالنسبة لغيره من المزارعين المستهدفين بزراعة البطيخ الجنيني، كان عدم قدرتهم على تسويق الكميات الكبيرة التي ينتجونها من البطيخ، لأسباب متفرقة من أبرزها، إغراق الأسواق الفلسطينية بكميات كبيرة من البطيخ الإسرائيلي الذي يباع بأسعار زهيدة إذا ما قورنت بأسعار المنتج الوطني.

وأضاف فريحات، إن اختلاف الأسعار بين المنتج الوطني والمنتج الإسرائيلي لصالح الأخير، ناجم عن توفر الدعم للمزارعين الإسرائيليين من قبل حكومتهم، وهو أمر لا يتوفر بالنسبة للمزارع الفلسطيني الذي ليس باستطاعته تحمل أية خسائر مهما كان حجمها، وذلك بسبب إمكانياته المادية المحدودة.

وأمام معضلة التسويق هذه، لجأ عدد من مزارعي البطيخ، إلى الاعتصام قبالة مبنى مديرية الزراعة، وهم يهددون بإتلاف الكميات المنتجة التي اضطروا إلى الإبقاء على كميات كبيرة منها، في أرضها دون قطفها، بالرغم من نضوجها.

وبحسب ما أكده فريحات، فإن المزارعين توجهوا إلى أكثر من تاجر لشراء كميات البطيخ المنتجة، وأبدى معظم هؤلاء التجار، رغبة بتسويق هذا المنتج المطلوب في الأسواق، ولكنهم دفعوا في المقابل، مبالغ زهيدة من المال، لا تغطي الحد الأدنى من تكاليف الإنتاج الباهظة، وذريعتهم في ذلك، دفع ذات الثمن الذي يدفعونه مقابل شراء البطيخ الإسرائيلي.

وعبر عن اعتقاده أن المستهلك الفلسطيني، لا ينظر إلى جودة المنتج بقدر نظره إلى سعره، وهو ما يجعل مزارعي البطيخ، يواجهون تحدياً آخر يكمن بمحاولة تغيير ثقافة المستهلك المحلي الذي اعتاد على مدار أكثر من 25 عاماً، على استهلاك البطيخ الإسرائيلي الذي يجهل هذا المستهلك ماذا يحتوي، وكيف تتم زراعته، وما هي المواد الكيماوية أو المسرطنة التي يتم استخدامها في إنتاجه.

ويعتقد مزارعو البطيخ، أن هناك مسؤولية ملقاة على عاتق السلطة الوطنية، تقضي بتوفير الدعم اللازم لهم، حتى يتمكنوا من الاستمرار في إنتاج البطيخ الجنيني، وعدم تركهم وحيدين في تحمل الخسائر التي ليس باستطاعتهم تحملها، معتبرين أن توفير هذا النوع من الدعم، من شأنه أن يشكل الحجر الأساس في نجاح خطة وزارة الزراعة الزراعة، لإعادة زراعة البطيخ الجنيني.

وفي رده على مطالب المزارعين، قال مدير زراعة جنين، المهندس الزراعي وجدي بشارات، إن الوزارة حرصت منذ اللحظة الأولى لإطلاق مشروع إعادة زراعة البطيخ الجنيني المطعم على أصول مقاومة لأمراض التربة، على توفير كل أشكال الدعم والحماية للمزارعين.

وقال بشارات، إن مشروع زراعة البطيخ الجنيني نفذ في إطار مشروع يحمل سياسة وإستراتيجية وزارة الزراعة المرتكزة على ضرورة إيجاد محصول ومنتج وطني ومحلي بديل عن المنتج الإسرائيلي، وتم تنفيذه تحت شعار "إعادة زراعة بطيخ جنين"، ضمن مشروع تخضير فلسطين.

ورأى، أن هذا المشروع الوطني من الدرجة الأولى، حقق نجاحاً كبيراً، وتم من خلاله إدخال تقنية جديدة بإنتاج أشتال مطعمة على أصول مقاومة لأمراض التربة، وتدريب عدد كبير من المهندسين الزراعيين والمزارعين على إجراء المشاهدات، وزراعة المنتج الوطني، وإقناع المزارع بتبني هذا النمط الجديد من الزراعة.

وأفاد بشارات، أن نحو 65 مزارعاً من محافظة جنين، استفادوا من مشروع إعادة زراعة البطيخ الذي تمت زراعته على مساحة تزيد على 200 دونم، بدعم من وزارة الزراعة، ومساهمة بسيطة من المزارعين.

وذكر أنه تمت زراعة 50 دونماً زراعة بعلية، وبلغ معدل إنتاج الدونم الواحد منها، ثلاثة أطنان ونصف الطن من البطيخ، فيما تم استخدام 150 دونما زراعة مروية تراوح معدل إنتاج كل دونم منها، بين ستة ولغاية سبعة أطنان من البطيخ، وتم التركيز على صنفين من البطيخ الجنيني وهما الكرومسون والملالي.

ولفت بشارات، إلى أن وزارة الزراعة، بدأت منذ العام الماضي، بتنفيذ مشروع إعادة زراعة بطيخ جنين، عن طريق مشاهدات محصورة لاختبار مدى نجاح التجربة، وبعد التأكد من النجاح، تم تعميم هذه التجربة، خلال العام الجاري على حقول المزارعين المستفيدين من المشروع.

ورأى، أن وزارة الزراعة، قامت بالدور المطلوب منها في سبيل إنجاح هذا المشروع الذي بدأت بتسويقه إعلاميا بمشاركة عدد من المؤسسات، وذلك بهدف تشجيع المستهلك المحلي على الإقبال على شراء هذا المنتج الوطني، وتغيير الثقافة الاستهلاكية الحالية في الشارع الجنيني بشكل مبدئي.

وأضاف بشارات، إن وزارة الزراعة، حرصت على وضع العلامة التجارية الفلسطينية على كل بطيخة يتم قطفها من حقول البطيخ في جنين، واعتبار كل كمية لا تحمل هذا الليبل مخالفة للمواصفات الفلسطينية، ما يجعلها هدفا للمصادرة.

 

آليات حماية

وأكد أن الوزارة استصدرت قرارا قبل نحو عشرة أيام، وتحديدا قبل قطف بواكير محصول البطيخ الجنيني، يقضي بمنع إدخال أي منتج أجنبي للبطيخ إلى الأسواق، في محاولة منها لدعم المزارعين وتمكينهم من تسويق ما ينتجونه من كميات وفيرة من البطيخ تطمح الوزارة في مواسم لاحقة، لأن تغطي جميع محافظات الوطن، ومنها إلى الأسواق العربية، ليعود البطيخ الجنيني إلى ما كان عليه قبل نحو 25 عاماً، وهو أمر بمثابة الحلم كما وصفه بشارات بالنسبة للمزارعين ووزارة الزراعة على حد سواء.

وبين بشارات، أن وزارة الزراعة، لجأت إلى دفع مبلغ شيكلين ونصف الشيكل مقابل نصف شيكل يدفعها المزارع ثمن الشتلة الواحدة للبطيخ، وذلك ضمن سلسلة إجراءات اتخذتها الوزارة لحماية المنتج الوطني، وهي مهمة وصفها مدير الزراعة، بأنها وطنية من الدرجة الأولى.

وبالرغم من مشكلة التسويق التي اعترضت طريق مزارعي البطيخ في موسمه الأول، إلا أن بشارات، عبر عن تفاؤله بإمكانية نجاح هذه المبادرة التي أطلقتها وزارة الزراعة، معتبراً أنه بالإمكان مع مرور الزمن، وتغيير ثقافة المستهلك، وهي مهمة قد تستغرق وقتاً لا بأس به، أن يعود البطيخ الجنيني إلى سابق عهده.

وقال بشارات، إن بطيخ جنين بأنواعه: الجدوعي والبلدي والمللي، كان يزرع في سهول مرج ابن عامر بمساحات وصلت إلى أكثر من 20 ألف دونم، ولم يكن ينافسه أي بطيخ آخر في الأسواق العربية، لا في الحجم ولا في حلاوة المذاق، وما زال باعة البطيخ ينادون بأعلى أصواتهم "جنيني يا بطيخ" لإغراء الزبائن بالشراء.

وشهدت حقبة الستينيات وحتى مطلع الثمانينيات، الفترة الأكثر ازدهارا لزراعة البطيخ الجنيني، ولكن مع بدء تفشي مرض الذبول في التربة، وإقدام إسرائيل مع منتصف الثمانينيات على طرح أصناف يصفها المزارعون بأنها رديئة من البطيخ في السوق المحلية وبأسعار رخيصة، اضطر مزارعي المحافظة للتوقف عن إنتاج البطيخ، لعدم قدرتهم على منافسة الأسعار الإسرائيلية، خصوصا في ظل ارتفاع أسعار البذور والأسمدة والأدوية الزراعية، وشح المياه التي يحتاج هذا النوع من المنتجات، إلى كميات وفيرة منها.

وبعد هذه السنوات الطويلة من الانقطاع، أخذت وزارة الزراعة على عاتقها مهمة إعادة إحياء بطيخ جنين المركب على أصول فلسطينية، كان أكثرها نجاحا البطيخ المركب على أصل اليقطين، حيث تراوح حجم البطيخة ما بين ثمانية ولغاية 12 كيلو غراماً، وهي مشكلة أخرى واجهها المزارعون الذين يدركون جيداً، مزاج المستهلك الذي يرغب بتناول البطيخ الخالي من البذور، على العكس تماما من البطيخ المنتج حديثا في حقول المحافظة