خبر لحياة السفن التي في الطريق- هآرتس

الساعة 08:41 ص|19 يونيو 2011

لحياة السفن التي في الطريق- هآرتس

بقلم: جدعون ليفي

ستوكهولم – الوقت هو ساعة متأخرة من الليل في سودر، وهي ضاحية جنوبية نموذجية من ستوكهولم، والاكوافيت، وهو المشروب الوطني يُسكب كالماء. هناك راحة حلقوم من اليونان، وأجبان من ايطاليا ولُقص سويدي على المائدة، وحوله جماعة متيقظة ومتنوعة جدا. فهناك محاضر سويدي معروف في تاريخ الأديان، ومحاضر في التاريخ الاقتصادي، وشاب عراقي كان مسجونا في عهد صدام حسين في سجن أبو غريب وهو الآن يعمل في المحكمة العليا في السويد والى جانبه جالٍ من البصرة.

والبيت هو بيت الاسرائيلي سابقا، درور بايلر، والمكان – جلسة لجنة التفكير السويدية للقافلة البحرية الى غزة. هذا البيت مشحون بالتاريخ: فقد استُعمل في القرن الثامن عشر مكانا لاعداد الجعة واستُعمل بعد ذلك مشفى للمرضى النفسيين. فهنا عولج هيرمان غرينغ، الذي أدمن المورفيوم بعد جرحه في الحرب العالمية الاولى بأمر من زوجته السويدية، كارين فون – روزن؛ وهنا مكث ايضا فلاديمير ايليتش لينين في طريقه الى الثورة في روسيا. ويقولون إن قبعته الشهيرة اشتراها من زاوية في الشارع. ويسكن الآن هنا الفنان بايلر الذي لم يعد يُسمح له بزيارة أمه الطاعنة في السن في كيبوتس يد حنا بعد أن طُرد من اسرائيل في القافلة البحرية السابقة الى غزة.

يحب بايلر ان يسترجع التجارب العاطفية من خدمته في الكتيبة 50 في أواخر الستينيات وهو يجلس الى رفاقه في القافلة البحرية. يزعم البروفيسور ماتياس غاردل الذي شارك هو ايضا في القافلة البحرية السابقة أن القتيلين الأولين أُطلقت النار عليهما قبل أن يهبط الجنود الى "مافي مرمرة" وأن جميع من ركبوها فُحص عنهم بأجهزة الكشف عن المعادن. وهم الآن يسألون في مزيج من الخوف والسذاجة: كيف ستتصرف اسرائيل معهم هذه المرة؟ مع طبيبة سويدية – يهودية ابنة لناجيين من المحرقة منهم غاريا متزوجة من اسرائيلي، والمصدر السويدي للكتاب الناجح هاننغ مانكل، الذي سيعود هو ايضا في القافلة البحرية القادمة، وهم يخططون الآن تحت جنح الظلام لمغامرتهم التالية – القافلة البحرية التي يحبون في اسرائيل عرضها على أنها تركية وفظيعة، ويريدون هم وصفها بأنها دولية وباحثة عن السلام.

لا يمكن ألا تتأثر بهذه الجماعة ذات التصميم. سيحملون 500 طن من الاسمنت، ومشفى متنقلا وسيارة اسعاف في سفينتهم، وهي واحدة من عشر بحسب الخطط. وهم يعلمون أن هناك سبلا اخرى لنقل هذه الحمولة لكنهم يريدون تذكير العالم بمصير غزة. هذا حقهم أو ربما واجبهم. لولا أن اسرائيل تصرفت بحماقة كبيرة جدا وهاجمت القافلة البحرية السابقة ولم تدعها تصل الى سواحل غزة فلربما لم تكن هذه القافلة لتوجد أصلا؛ وعلى كل حال ما كانت عيون العالم لتنظر اليها كما تنظر اليها الآن.

قلت لهم إن اسرائيل عازمة على المهاجمة. اشترى واحد منهم درعا واقية، يعلمون في اسرائيل جيدا أن هؤلاء الناس لا يُعرضون اسرائيل للخطر وأنه لن تُهرب أية وسيلة قتال في سفنهم ومع كل ذلك تهدد اسرائيل وتتدرب الوحدة البحرية. والنتيجة أن طلب ركوب السفن أكبر كثيرا من المكان الضيق على متونها.

ظل الاكوافيت يُسكب في الكؤوس. عندما تلتقي هذه الجماعة تدرك أي ضرر دولي فظيع تسبب اسرائيل لنفسها بسلوكها العنيف. وكم كان من السهل (والعادل) تمكين طالبي الخير هؤلاء من بلوغ بغيتهم وكم كان يكون حكيما. وفي مقابل ذلك كم هو أحمق وعنيف ولا داعي له أن يُغرى المحاربون بالانقضاض عليهم.

"لحياة هذه الليلة الباردة المتينة، وحياة المخاطرة والتعب، وحياة السفن الصغيرة أيها الكابتن، وحياة السفن التي في الطريق"، تُنغَّم كأنما من تلقاء ذاتها "خطبة رد لربان ايطالي" بقلم نتان ألترمان. لكن هنا خطبة رد لربان سويدي (أو تركي): لحياة السفن التي في الطريق التي لا تقل عدلا، ومع أمل أن تسلك اسرائيل سلوكا حكيما، وأن تفاجيء بخطوة حكيمة من اجل التغيير، وأن تدعها تبلغ غايتها. لن يستنقذوا غزة ولن تتضرر اسرائيل بخطرهم المتوهم. من جزيرة سويدية لا تغرب الشمس فيها الآن تُكتب لذلك الدعوة الاخيرة الى من سيصدون القافلة البحرية: تصرفوا ولو هذه المرة بحكمة بحسب القانون الدولي والعدل البسيط. يجوز لهؤلاء الناس أن يبلغوا غزة ولا يجوز لاسرائيل أن تمنع ذلك.