خبر حقيقة لا رواية..هآرتس

الساعة 08:25 ص|17 يونيو 2011

بقلم: شلومو افنيري

        في الاول من ايلول 1939 غزت المانيا النازية بولندة: هذه حقيقة لا رواية. وفي السابع من كانون الاول 1941 هاجمت طائرات اليابان ودمرت الاسطول الامريكي في بيرل هاربر: وهذه حقيقة لا رواية.

        ومن المفهوم انه توجد روايات ايضا: فعلى سبيل المثال كان عند الالمان دعاوى كثيرة على بولندة. أولا، أن القوى الغربية في معاهدة فرساي في 1918 اقتطعت من المانيا وضمت الى بولندة مناطق وفيها سكان ذوو أصول المانية كثيرون ("الممر البولندي") وأقرت مكانة دولية لمدينة دانتسيغ، وهي مدينة المانية منذ أقدم العصور. والى ذلك زعمت المانيا النازية أن السلطات البولندية تميز ذوي الأصول الالمانية داخلها. لم تكن جميع دعاوى الرواية الالمانية داحضة لكن الحقيقة واضحة: ففي الاول من ايلول 1939 هاجمت المانيا بولندة لا بولندة المانيا.

        وعلى الصورة نفسها ايضا توجد رواية يابانية: فالولايات المتحدة مع بريطانيا وهولندة فرضت على اليابان حظر تصدير الحديد والفولاذ والنفط كي تُصعب حربها للصين. عرضت اليابان تفاوضا في هذه الشؤون، لكن الولايات المتحدة رفضت، ورأت اليابان الحظر عملا عدوانيا عليها هدد باصابة اقتصادها بالشلل. كانت تلك دعاوى ثقيلة الوزن ولا يمكن تجاهل أن موقف الولايات المتحدة وبريطانيا كان مصحوبا بغبار عنصرية بيضاء موجهة على القوة "الصفراء" الصاعدة في شرقي آسيا. لكن الحقيقة هي أنه في السابع من كانون الاول 1941 كانت اليابان هي التي هاجمت الولايات المتحدة لا الولايات المتحدة اليابان.

        ما سبب أهمية هذا؟ في جدالات أُثيرت في المدة الاخيرة في شأن النكبة قيل احيانا انه توجد "روايتان"، اسرائيلية وفلسطينية وينبغي الاصغاء اليهما معا. هذا صحيح بطبيعة الامر: فالى جانب الدعوى الاسرائيلية الصهيونية عن الصلة بالوطن التاريخي للشعب اليهودي ومشكلة اليهود توجد دعوى فلسطينية ترى اليهود طائفة دينية فقط وترى الصهيونية ظاهرة استعمارية. لكننا اذا تجاوزنا هذه الدعاوى وجدنا الحقيقة البسيطة – وهي حقيقة لا "رواية" – وهي أن الحركة الصهيونية في 1947 قبلت قرار تقسيم الامم المتحدة، أما الطرف العربي فرفضها وخرج لمحاربتها: وكان للقرار على الخروج للحرب نتائج كما حدث حقا في 1939 أو في 1941.

        تثور أهمية هذا التشخيص من النظر في المقالة التي نشرها مؤخرا محمود عباس (أبو مازن) في صحيفة "نيويورك تايمز". يذكر عباس في مقالته قرار التقسيم لكنه لا يقول كلمة واحدة تتعلق بالحقائق – من قبله ومن رفضه – ويذكر فقط أنه على أثره "بدأت اسرائيل طردا جماعيا للفلسطينيين".

        هذا يشبه اولئك الالمانيين الذين يتحدثون عن فظائع طرد 12 مليون من ذوي الأصول الالمانية من شرق اوروبا بعد 1945 دون ذكر للهجوم النازي على بولندة، أو اليابانيين الذين يذكرون هيروشيما لكنهم لا يذكرون هجومهم على بيرل هاربر. ليست هذه "رواية"، هذا عدم قول للحقيقة لانه ينبغي عدم فصل النتائج عن الاسباب.

        ينبغي تفهم ألم الغير واحترامه، ومحاولة منع الفلسطينيين تذكر النكبة غير اخلاقي وحقير كما لا يمنع أحد أبناء اللاجئين الالمان من شرق اوروبا التوحد مع معاناتهم. لكن كما لا يخطر ببال أحد حتى في مدارس المانية أن يُدرس "الرواية" الالمانية المتعلقة بالحرب العالمية الثانية، ينبغي ألا تُدرس حرب 1948 باعتبارها صراعا بين روايتين لانه توجد في النهاية حقيقة تاريخية وهكذا يجب دون أن نتجاهل معاناة الغير أن نُدرس هذه الموضوعات الحساسة.