خبر « اسرائيل تتجاهل معاداة السامية التركية على عمد »..يديعوت

الساعة 08:24 ص|17 يونيو 2011

بقلم: الداد باك - اسطنبول

                يعلم رفعت بالي أنه يخاطر مخاطرة كبيرة ببذله المقابلة الصحفية لـ "ملحق السبت" ولا سيما في الاسبوع الذي سجل فيه رئيس حكومته، طيب اردوغان، لنفسه فوزا تاريخيا لم يسبق له مثيل في انتخابات مجلس النواب. لا يُحب اردوغان أن ينتقدوه. فهو يبادر الى تقديم دعوى تشهير.

        لا يميز هذا التوجه زعيم الحزب الحاكم التركي، حزب "العدالة والتنمية" الذي فاز للمرة الثالثة على التوالي بالانتخابات العامة وعزز سلطته في الدولة تعزيزا كبيرا، فقط. فالاتراك لا يحتملون النقد. ففي فترة التحول الديمقراطي والاصلاحات ايضا، من يتجرأ على مهاجمة تركيا يجد نفسه في السجن أو غارقا في بقعة دم كبيرة في وسط الشارع.

        "إن الكثير من الناس في تركيا غير قادرين على أن يهضموا بسهولة كلامي وعلى قبوله"، يقول المؤرخ التركي اليهودي. "الناس لا تعنيهم الآراء خارج التيار المركزي والتي تُرى أنها متطرفة. لكن آرائي موضوعية ومنطقية جدا. هناك يساريون وليبراليون ونشطاء حقوق انسان ينصتون ويوافقون على جزء من كلامي لكنهم ليسوا صوتا قويا في الحياة العامة التركية يُمكّن من اجراء نقاش عام مفتوح للقضية".

        الموضوع الذي يقلق بالي، الذي ولد في اسطنبول، وهو عضو في مركز ابحاث ثقافة اسبانيا في جامعة السوربون في باريس، هو معاداة السامية التركية. نشر بالي ابن الثالثة والستين كتبا كثيرة تتناول هذه القضية ونظريات المؤامرة المنتشرة في المجتمع التركي عن محاولات اليهود واليهود الذين أسلموا السيطرة على تركيا والعالم. وهو يرى أن الصمت عن هذه الظاهرة الشديدة ما يزال موجودا بفعل غض اسرائيل والجماعات اليهودية في الولايات المتحدة عيونها عن ذلك.

        يحرص بالي على أن يُبين أن ليس الحديث عن ظاهرة نشأت في فترة حكم اردوغان وحزبه. فجذور معاداة السامية التركية التي تُملي اليوم السياسة نحو اسرائيل، مغروسة عميقا في اوساط كثيرة من المجتمع التركي منذ عشرات السنين. "الخط التركي الرسمي الذي يقبله الجميع هو أنه لا توجد معاداة سامية في تركيا"، يقول بالي. "وفيما يتعلق باسرائيل، لليساريين والليبراليين معاداة على نحو ما لها بحيث يوافقون على بعض آراء الاسلاميين في شأن اسرائيل والقضية الفلسطينية. والى ذلك، اشترك هذان المعسكران المتخاصمان في هدف سياسي مشترك هو تحويل تركيا الى الديمقراطية وتقليل تأثير الجيش في السياسة. ومع وجود هذا الحلف التكتيكي لا يستطيع اليسار والليبراليون مهاجمة الاسلاميين بسبب معاداتهم للسامية".

        تحالف على اسرائيل

        نلتقي في مكاتب بالي التي تشبه مكتبة ومعهد بحث مستقلا، في أحد الشوارع الجانبية في المركز التجاري لعاصمة الثقافة التركية. إن اسطنبول، ذات المناخ الاوروبي لم تحتفل في شوارعها بفوز اردوغان الكبير برغم أن أكثر سكانها، ولا سيما من الأحياء الشعبية، منحوه أصواتهم. برغم أن اردوغان في خطبة فوزه امتنع عن مهاجمة اسرائيل، لا يعتقد بالي أن العلاقات بين اسرائيل وتركيا ستسير قريبا في مسار تحسن ما لم تبادر اسرائيل الى ذلك.

        "توجه تركيا الأساسي هو أن على اسرائيل أن تعتذر رسميا عن المس بالمشاركين في القافلة البحرية الى غزة وأن تدفع تعويضات"، يؤكد بالي. "لن يوافق الاتراك على أقل من اعتذار كامل. فالامر أمر كرامة وعزة. وهكذا بغير لفتة من اسرائيل لن تتحسن العلاقات. وهناك ازمة اخرى هي القافلة البحرية المخطط لها التالية التي هي في انتظار".

        جُرت اسرائيل مرغمة الى المعركة الانتخابية التركية. فقد اتهمت الحكومة والمعارضة بعضهما بعضا بالتعاون مع اسرائيل. وعبّر عدد من معارضي اردوغان عن انتقاد لأن الحكومة ما تزال تحافظ على علاقات اقتصاد واعمال جيدة مع اسرائيل. بل اتُهم أحد الوزراء بتنظيم صفقات لأبناء عائلته مع جهات اسرائيلية. أما اردوغان من جهته فاتهم المعارضة العلمانية بأنها تتعاون مع اسرائيل على التحقيق في مساهمة حكومته في تنظيم الرحلة البحرية السابقة الى غزة.

        في الواقع السياسي المشبع بمعاداة السامية في تركيا يوجد من يزعمون ايضا أن اردوغان ووزير خارجيته "يهوديان بالسر" وهما من أبناء "الدونمة" الذين أسلموا. يقول بالي: "هذه تهمة شائعة جدا في تركيا. فالاسلاميون والقوميون والعلمانيون – الكماليون يستعملونها ويشتمون خصومهم بها. عندما يريدون قذف شخص ما يقولون إن له جذورا يهودية أو أرمنية أو يونانية. فالأصل غير المسلم يُعد شيئا سلبيا جدا في تركيا. يستعملون هذا على أنه شتيمة. وهكذا يقول منتقدو اردوغان إن له دما يهوديا. والمشكلة أنه لا يرد بقول إن هذه تهم عنصرية وانه لا مشكلة في الأصل اليهودي. بل يتبنى فقط توجها دفاعيا وينكر التهم".

        لا يعتقد بالي مع ذلك أن قضية العلاقات مع اسرائيل يستغلها اردوغان لحاجات داخلية. "يزعم كثيرون أن الخطابة المعادية لاسرائيل كلها عنده ترمي الى حاجات سياسية داخلية. صحيح أن من الشعبي جدا في تركيا مهاجمة اسرائيل وانتقادها – التوجه العام عند الجمهور التركي معادٍ لاسرائيل ومعادٍ للصهيونية – لكن اردوغان ذو شعبية كبيرة بحيث لا يحتاج الى مواقف معادية لاسرائيل كي يحصل على أصوات أكثر من المقترعين. موقفه في هذا الشأن يأتي من القلب. انه يُعبر عن مشاعر أصيلة وهذا الامر أشد خطرا.

        "جاء من خلفية اسلامية، ومن صفوف الحزب الديني – القومي "ملي غوروش" الذي ربّى نشطاءه وأنصاره على أفكار الاخوان المسلمين وعلى مواقف معادية لاسرائيل، وهكذا فان اردوغان يرى الفلسطينيين على الدوام ضحايا ويرى الاسرائيليين مضطهِدين. وكل اشتعال صغير في المنطقة يعزز عنده هذه المشاعر ويجعله يستشيط غضبا على اسرائيل".

        انتقام هرتسل

        أوضحت ابحاث بالي أن معاداة السامية عند الحركة الاسلامية في تركيا تقوم على نظرية مؤامرة قديمة تتصل بزيارة ثيودور هرتسل للاستانة في نهاية القرن التاسع عشر. طلب هرتسل آنذاك من السلطان عبد الحميد أن يمنح المهاجرين اليهود إذنا باستيطان ارض اسرائيل التي كانت جزءا من الدولة العثمانية، ورفض السلطان. بعد ذلك بعدة سنين في 1908، عزلت حركة "تركيا الفتاة" السلطان.

        "يرى الاسلاميون هذا العزل انتقاما من هرتسل والصهاينة"، يزعم باحث معاداة السامية التركي. "يرون أن اسقاط السلطان أفضى الى انحلال الدولة العثمانية وقد ارتبط هذا ايضا بمؤامرة صهيونية. يرى الاسلاميون فلسطين ارضا مسلمة احتلها اليهود. هذا شعور أساسي موجود عندهم ونشر بقدر أكبر منذ 1969 مع ولادة الاسلام السياسي لـ أربكان – وتلك حركة كان اردوغان عضوا فيها باعتباره سياسيا شابا.

        "تلقت جميع الطبقات السياسية المتصلة بهذه الحركة الالهام من هذه الأفكار التي يتم التعبير عنها في الصحف اليومية للتيارات السياسية الاسلامية وفي الأدبيات الشعبية التي تصدرها. هناك ثلاثة أجيال من الاتراك يقرأون هذه الاشياء – بروتوكولات حكماء صهيون، وكتابات معادية للسامية اخرى وافتراءات الدم. وكثير من الاتراك يصدقون حقا ما يقرأون".

        ألا يعتقد اردوغان أن لاسرائيل حقا في الوجود؟

        "ما كنت لأقول هذا. أعتقد انه أكثر براغماتية وحكمة من الطراز المعادي للسامية الاسلامي المتوسط. في لحظات انفعالية تخرج مشاعره الحقيقية الى الخارج. مع ذلك يؤمن بأن اسرائيل دولة ذات شرعية يجب أن تبقى. والى ذلك يريد أن يكون وسيطا ايضا".

        هل يمكن الاعتماد على وسيط كهذا؟

        "أعتقد أن لا من جهة شخصية. ففي رأيي أنه ليس محايدا بسبب جانبه العاطفي وبسبب عقليته الاسلامية".

        كان خطأ اذا أن يُطلب اليه في حينه الوساطة بين اسرائيل وسوريا؟

        "يجب تجريب أمور ومنح فرص. كل شيء ممكن في السياسة. لكنني أعتقد أن الاسرائيليين أدركوا أنه وقع هنا خطأ".

        يقول المقربون من اردوغان أن اهود اولمرت رئيس الحكومة السابق هو المسؤول عن التغيير الحاد لعلاقته مع اسرائيل. فقد زار اولمرت أنقرة عشية نشوب عملية "الرصاص المصبوب" كي يحث قُدما مبادرة الوساطة التركية بين اسرائيل وسوريا، بين جملة امور اخرى. طلب اردوغان الى اولمرت ألا يبادر الى أي اجراء عسكري يُفشل احتمالات التفاوض مع دمشق. وعاد اولمرت الى اسرائيل ولم يُبلغ اردوغان عن العملية المخطط لها في قطاع غزة.

        "لقد آذى اردوغان جدا أن اولمرت كان هنا ولم يقل له كلمة عن الهجوم المخطط له في غزة الذي بدأ بعد أن غادر تركيا بيوم"، يقول بالي. "لم يكن يجب على اولمرت بطبيعة الامر أن يُبلغه لكن هذا أثر في قلب اردوغان. فهو ووزير خارجيته احمد داود اوغلو متركزان حول ذاتيهما جدا. وهما شديدا الفخر بأنفسهما وبتركيا. وفي سياستهما الخارجية كلها تدخل مشاعر كثيرة".

        قبل ثلاث سنين عندما أصدرت المحكمة الدولية في لاهاي أمر اعتقال دوليا لرئيس السودان بتهمة المسؤولية عن جرائم في الانسانية، خرج اردوغان للدفاع عنه وقضى بأن "المسلم لا يمكن أن ينفذ مذبحة شعب". هذا الاسبوع هاجم اردوغان بكلام أشد النظام السوري بسبب العملية العسكرية "البربرية"، كما قال على التمرد المدني على حدود تركيا والتي جعلت آلاف اللاجئين يهربون الى بلاده. واستصوب اردوغان أن يقول إن النظام السوري لم يُفض الى أنقرة بالحقيقة عما يجري على الارض. يبدو هذا مثل شعور بالخيانة الشخصية كتلك التي جربها اردوغان مع اولمرت، لكن قد يكون القرار على إسماع الكلام الشديد الموجه على دمشق متعلقا ايضا بأن الموالين لنظام الاسد يقمعون بقبضة شديدة جدا نشطاء الاخوان المسلمين السوريين.

        "يرد اردوغان على ما يجري في سوريا على نحو أكثر هدوءا"، يُقدر بالي. "لم نر إزاء سوريا درجة الغضب التي أظهرها على اسرائيل. صحيح أنه ينتقد سوريا للاخلال بحقوق الانسان لكن هذا يتم بلا استشاطة كما كان على اسرائيل. سوريا دولة مسلمة ولهذا ليس في رده البُعد العاطفي".

        يزعم اردوغان انه لا توجد معاداة سامية في تركيا.

        "ليس الوحيد الذي يقول هذا. فالكماليون واليساريون ايضا يزعمون هذا. هذه احدى الأساطير عن تركيا أنها دولة متسامحة تفتح ذراعيها لكل التيارات من جميع الشعوب. لكن ليس صحيحا أن تركيا دولة متعددة الثقافات ومتسامحة. فهنا توجد معاداة سامية كما توجد في دول اخرى – في الماضي والحاضر".

        وهل ازدادت حدة على أثر الازمة مع اسرائيل؟

        "أعتقد انها أصبحت اليوم ظاهرة أكثر ظهورا. كان مستوى معاداة السامية متماثلا في عشرات السنين الاخيرة كلها تقريبا اذا استثنينا ارتفاعات واضحة في فترات التوتر العسكري: حرب الايام الستة، ويوم الغفران والانتفاضة، لكنه لم يكن في الماضي تويتر وفيس بوك ولم يروا ذلك حقا. وهو اليوم موجود مرئي في الانترنت. زادت وسائل الاتصال الحديثة معاداة السامية وتساعد في إشاعة التحريض".

        واليهود صامتون

        يرى بالي أن أفلام مسلسل "وادي الذئاب"، وهي أفلام عنف معادية للسامية تُبث في التلفاز التركي وفي دور السينما، دليل واضح على معاداة السامية الشعبية. "ما كانوا ليصنعوها لو لم يكن لها سوق. توجد معاداة سامية في دول اخرى ايضا لكن فيها على نحو عام رغبة من قبل المؤسسة السياسية والقضائية أو من قبل مفكرين في محاربة الظاهرة. وفي تركيا لا توجد أي رغبة كهذه ولا حتى من قبل المفكرين. فاليهود في تركيا وحدهم. لا يقف أحد الى جانبهم ويستطيع الناس مع روح الحرية الجديدة ان يقولوا ما يخطر لهم".

        هل يجعل هذا الحياة أصعب على اليهود في تركيا؟

        "عاش اليهود هنا دائما من غير أن يرفعوا رؤوسهم عالية جدا. فقد حافظوا على التواضع وحرصوا على عدم إثارة أمواج كثيرة. فهم جماعة صغيرة تشعر بأنها مهددة من الحركة الاسلامية. في 2003 رأينا أن هذه الحركة تستطيع أن تكون عنيفة ايضا مع العمليات التفجيرية في الكنس وقتل الطبيب اليهودي. الجماعة اليهودية لا تضج، وهي تحتج على التعبيرات عن معاداة السامية بدبلوماسية هادئة فقط لا على نحو معلن. لانهم اذا فعلوا ذلك سيجدون أنفسهم في زاوية لا مخرج منها وسيتهمونهم بأنهم صهاينة. ومن الجرائم الكبرى في تركيا أن تكون صهيونيا أو ذا صلة باسرائيل".

        يغادر اليهود تركيا في هدوء. يقول بالي: "كانت هجرة الى اسرائيل دائما، وزادت عندما حدثت هنا مشكلات اقتصادية وسياسية أو عندما لم ير اليهود الشباب مستقبلهم أو مستقبل أبنائهم في هذه الدولة. أنا شخصيا غير متفائل بالمستقبل. المشكلة الكبيرة هي أنه ليس في تركيا رغبة سياسية في محاربة معاداة السامية".

        وهل فضلت اسرائيل التغاضي عن معاداة السامية هذه؟

        "اجل، حتى المدة الاخيرة. وكذلك ايضا المنظمات اليهودية الامريكية التي حافظت تركيا على صلة وثيقة بها من اجل موضوع الاعتراف بمذبحة الشعب الأرمني. فقد ساعدت منظمات يهودية تركيا في الماضي على منع الاعتراف بذلك في مجلس النواب الامريكي. واعتقدت أن الحفاظ على علاقات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية جيدة بين اسرائيل وتركيا أهم من محاربة معاداة السامية التركية.

        "حتى اليوم، برغم التوتر السياسي، توجد علاقات اقتصادية جيدة بين الدولتين. اعتقد الاسرائيليون انهم اذا قالوا للاتراك الفخورين إن عندهم مشكلة معاداة السامية فلن يكون هذا هو التوجه الصحيح لصنع اعمال بمليارات الدولارات. لهذا لم يتحدثوا عن المشكلة علنا بل في الغرف المغلقة. وأجابت الحكومة التركية بأن اليهود مواطنوها ويحظون بحماية كاملة.

        "غير أننا اذا أردنا أن نحل المشكلة فلا يمكن أن نسلك هذا السلوك. يجب أن تثار على المائدة وأن يُطلب علاج وحلول لكنني لا أعتقد أن يحدث هذا أبدا. فالاسرائيليون مشغولون الآن بسؤال كيف يعودون الى "العصر الذهبي" للعلاقات بين الدولتين وبزيادة التعاون الاقتصادي. أما معاداة السامية فتظهر في أدنى برنامج عملهم. وهم يرون أنه اذا كانت لليهود الاتراك مشكلة فليهاجروا الى اسرائيل.

        "يجب على الحكومة التركية أن تفهم أن محاربة معاداة السامية مهمة لتركيا وإن لم يعش فيها يهودي واحد"، يلخص بالي. "لا تستطيع أن تكون فخورا بدولة تكون معاداة السامية فيها أمرا معتادا، ويمكن أن نجد في حوانيت الكتب الكبرى فيها نسخ من بروتوكولات حكماء صهيون. تُمكن مجابهة هذه المشكلة فقط بتغيير العقلية وبالتربية، لكن توجد حاجة في البدء الى رغبة سياسية والى جهاز قضائي يعمل على الناس الذين ينشرون الدعاية العنصرية. تستطيع الآن أن تجد نفسك في السجن اذا شتمت الاتراك لكن لن يحدث لك شيء اذا شتمت اليهود".