خبر حزب الكتلة الكبرى..هأرتس

الساعة 08:18 ص|17 يونيو 2011

بقلم: ألوف بن

رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو زار هذا الاسبوع روما لدى صديقه ونظيره سلفيو برلسكوني لتجنيد اصبعه ضد الاعلان المرتقب في الامم المتحدة على اقامة الدولة الفلسطينية. ولم يكن نتنياهو بحاجة الى جهد كبير كي يقنع برلسكوني الذي تأييده لموقف اسرائيل كان مضمونا مسبقا، وهكذا مرت الزيارة بسلاسة. ولكن رئيس وزراء ايطاليا، المتورط على عادته في قضايا جنس، شبهات بالفساد وعواصف سياسية، لا يمكنه أن ينقذ اسرائيل من "التسونامي السياسي" الذي يكمن لها في ايلول. وحتى لو ضم نتنياهو الى عربته زعيم اوروبي او اثنين آخرين، فان هذا لن يجديه نفعا حقا.

        لنتنياهو يوجد سبيل أكثر نجاعة لاحباط الخطوة الفلسطينية في الامم المتحدة، لجر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للعودة الى المفاوضات ولاخراج اسرائيل من العزلة الدولية – وهو التغيير السياسي من الداخل. صرف وزير الخارجية افيغدور ليبرمان من الحكومة واستبداله بتسيبي لفني. ضم كديما الى الائتلاف بدلا من الحزبين اليمينيين المتطرفين اسرائيل بيتنا والبيت اليهودي، سيعطي اشارة للعالم بان نتنياهو يقصد بجدية تصريحاته المتكررة عن "الدولتين للشعبين". وستبدو اسرائيل محبة للتسوية، وليست رافضة للسلام وطامعة للمستوطنات، وسيتعين على عباس أن يثبت جديته.

        لفني شريكة في هذا التقدير وتريد الانضمام الى نتنياهو في "حكومة انقاذ وطني". في مقابلة منحتها في نهاية الاسبوع الماضي كررت اقتراحها "لخلق دراما سياسية لاقامة ائتلاف بديل ينقذ دولة اسرائيل". وحسب اقوالها، فانها مستعدة لان تأخذ جانب المخاطرة "في أن يكون هذا الامر الاخير الذي افعله في السياسة". والان تتوقع مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء. وزير الدفاع ايهود باراك هو الاخر يؤيد ضم كديما الى الحكومة.

        الدراما السياسية التي تصفها لفني ستمنح شركائها ربحا سياسيا فوريا. نتنياهو سينقذ من رعب التسونامي السياسي ولفني من المنافسة مع شاؤول موفاز في الانتخابات التمهيدية. فاذا ما عينت وزيرة للخارجية ونفي موفاز الى وزارة البنى التحتية، او الى وزارة الامن الداخلي، فانه سيجد صعوبة في التغلب عليها. وفي كل الاحوال، فان المنافسة بينهما ستؤجل وذلك لان الائتلاف الجديد سيبقى في الحكم حتى نهاية الولاية في تشرين الثاني 2013.

        لفني تريد وباراك يؤيد من الجانب، ولكن نتنياهو يتنكر لهما ولا يتصل. منذ خطابه في الكونغرس الامريكي في الشهر الماضي كسر رئيس الوزراء نحو اليمين، حل ضيفا لدى قادة المستوطنين المتطرفين في مدرسة "مركاز هراف" ودعا اعضاء الائتلاف الى عطلة نهاية اسبوع مشتركة في صفد غنوا فيها "لا تخافوا ابدا". وسلوكه يدل على أنه يحاول التمترس خلف ائتلافه اليميني والدفاع عن نفسه بواسطته ضد ضغوط الرئيس الامريكي براك اوباما لقبول صيغة "خطوط 1967 مع تبادل للاراضي" كاساس لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين. ولكن في هذه الاثناء كله حكي. نتنياهو لم يتخذ أي خطوة لا مرد لها، تمنعه من أن يلقي بشركائه في التراص الاجتماعي في صفد الى المعارضة. حرية العمل لديه محفوظة، مثلما يحب.

        لترددات نتنياهو يوجد سبب مفهوم: فهو يخاف من ان يحتفل ليبرمان على حسابه في الخارج، ويبني نفسه من المعارضة كالزعيم التالي لليمين. كل خطوة تقوم بها حكومة نتنياهو – باراك – لفني للتوافق مع الفلسطينيين، ستشعل فقط الحملة المضادة لليبرمان، والذي سيعرض رئيس الوزراء كيساري وكخرقة بالية في يد رئيسة كديما. من مثل نتنياهو يعرف بان مثل هذه الرسائل تشعل حماسة ناخبي اليمين. كما أنه يذكر كيف أنه في الانتخابات قبل الاخيرة، في 2006، الليكود برئاسته سبق اسرائيل بيتنا بـ 116 صوتا فقط.

وعليه، لا  تكفي نتنياهو الخطوة الجريئة بحد ذاتها لتغيير الائتلاف مما يمنحه هدوءا على المدى القصير ومن شأنه أن يسقطه في الانتخابات القريبة القادمة. ضد الضغط السياسي المتعاظم من الخارج، ومنافسة ليبرمان من الداخل، عليه ان يفكر بتحول أكثر اهمية بكثير في الخريطة السياسية لاسرائيل: توحيد الليكود، كديما والاستقلال في كتلة مشتركة، تتمتع بتأييد 60 نائبا في الكنيست الحالية، وتتنافس ككتلة واحدة في الانتخابات للكنيست القادمة.

زمن الوحدة

        الكتلة السياسية الموحدة سترص صفوف احزاب الوسط الصهيونية حول برنامج سياسي مشترك وصفه نتنياهو بانه "مواقف الاجماع الواسع" في خطابه في الكنيست في 16 ايار، عشية سفره الى تلة الكابيتول ومرة اخرى في خطابه في الكنيست اول أمس، والذي دعا فيه كديما الى تأييد سياسته. نتنياهو تحدث هناك عن تقسيم البلاد الى دولتين، فيما تحتفظ اسرائيل في ايديها بالكتل الاستيطانية وبالقدس موحدة، وتطالب بترتيبات امنية متشددة في فلسطين، والفلسطينيون يوافقون على انهاء النزاع، ويعترفون باسرائيل. عباس لا يقبل هذه المطالب، ولكن يمكن ان يتم بلورة الليكود، كديما والاستقلال حولها.

        الوحدة الداخلية ستكون الرد الاسرائيلي على التحولات وانعدام اليقين في الدول العربية وفي السلطة الفلسطينية، وستعزز الموقف الاسرائيلي في المفاوضات مع الفلسطينيين. تجاه الداخل، حزب الكتلة سيعبر عن العودة الى الرسمية البنغوريونية التي استندت الى قوة حزب مباي بصفته الحزب السائد.

        الكتلة الموحدة ستتمتع باغلبية كبيرة بين الجمهور وستكون غير قابلة للهزيمة في الانتخابات التالية. حتى لو انتقل بعض من مصوتي اليمين الى ليبرمان، الى الاتحاد الوطني او البيت اليهودي، وجزء من مصوتي اليسار ممن ايدوا لفني تركوها عائدين الى العمل والى ميرتس، فستبقى نواة كبيرة من ناخبي التيار الرئيس ممن سيصوتون في صالح قائمة نتنياهو – لفني – باراك. لا ليبرمان، لا يئير لبيد ولا حزب العمل المتجدد، يمكنهم ان يتحدوا قائمة الكتلة في الصراع على قيادة الدولة.  بدلا من المنافسة ضد ليبرمان على الاصوات الهامشية في اليمين والانجرار الى مواقف متطرفة، يمكن لنتنياهو ان يقف على رأس مباي الجديد ويدخل التاريخ بصفته ثوريا سياسيا وموحدا للامة، وليس فقط كسياسٍ يسعى الى البقاء، جمع ساعات أكثر من الاخرين في رئاسة الوزراء.

        في فكرة الوحدة لا يوجد تجديد كبير. تاريخ أحزاب اسرائيل شهدت موجات من الاتحاد والانشقاق حتى قبل اقامة الدولة. في الجولة الاخيرة انشق الليكود قبل خمس سنوات ونصف السنة، وتفكك حزب العمل قبل بضعة اشهر. غير قليل من رؤساء الوزراء تنقلوا بين الاحزاب. دافيد بن غوريون كان نائبا عن مباي، رافي، والقائمة الرسمية. شمعون بيرس كان في مباي، رافي، العمل وكديما. ايهود باراك كان في العمل وفي الاستقلال. ارئيل شارون في الليبراليين، شلومتسيون، حيروت وكديما. ايهود اولمرت في حيروت، المركز الحر وكديما.

والان هو الزمن للموجة المضادة، موجة الوحدة. اسحق بن اهرون، دعا في 1963 الى توحيد "احزاب العمال" الثلاثة – مباي، احدوت هعفودا ومبام – لمنع صعود اليمين الى الحكم. في مقاله "جرأة التغيير قبل المصائب"، الذي ظهر في ذات اليوم في صحف الاحزاب الثلاثة، شرح بان الحركات المنفصلة "ليست ملكا لبن غوريون، تافينكن ويعاري"، والمصلحة المشتركة يجب أن تتغلب على الخلافات الفكرية والشخصية. يمكن ان نوجه اليوم دعوة مماثلة لنتنياهو، لفني وباراك، تحت عنوان "الجرأة للتغيير قبل تسونامي". العبرية تتغير، ولكن ليس السياسة.

في اللحظة التي تبنى فيها نتنياه مبدأ "دولتين للشعبين" شطب الفارق الايديولوجي بينه وبين لفني وباراك. الاتفاق بينهم أكبر بكثير من الاتفاق بين نتنياهو والجناح اليميني في حزبه، الذي يرفض اقامة دولة فلسطينية. لفني ومعظم رفاقها في قيادة كديما جاءوا من الليكود ويمكنهم ان يعودوا اليه، بالضبط مثلما عاد احدوت هعفودا ورافي الى مباي في الستينيات واقاموا معا حزب العمل. الاسباب التي ادت الى انشقاق الليكود واقامة كديما لم تعد ذات صلة: احد لا يتحدث اليوم عن انسحاب احادي الجانب من الضفة.

ضد البيت

ليس فقط الليكوديون السابقون من كديما يمكنهم ان يشعروا بارتياح في رحلة مشتركة مع نتنياهو، سلفان شالوم، بوغي يعلون وجدعون ساعر. فالممثلة الاخيرة لحزب العمل التاريخي في قيادة كديما، داليا ايتسيك، هي الاخرى ستقبل الوحدة. ايتسيك هي المؤيدة الاكثر ثباتا لحكومة الوحدة الوطنية، منذ كان كديما في الحكم، ومؤخرا التقت مع باراك ومع شالوم سمحون كي تحث الخطى لاقامتها.

اقامة كتلة موحدة ستلزم لفني بالتنازل عن التنافس مع نتنياهو في الانتخابات القادمة وقبول زعامته، على فرض أن عودتها الى وزارة الخارجية وقيادة المفاوضات مع الفلسطينيين تدفع بها الى الامام في صراعها على الخلافة. نتنياهو سيتمتع بانتخاب شبه مؤكد لولاية ثالثة، ان لم يسقط في تورط غير مرتقب. وهو سيحرر من رعب المستوطنين واليمين المتطرف، وسيتمتع بحرية عمل هائلة من خلال الاغلبية المطلقة في الكنيست.

هل نتنياهو قادر على مثل هذه الخطوة؟ حتى اليوم، كان في ذروته حين اصر على موقفه في وجه حازمين واقوياء، وتصرف خلافا لميله العادي لارضاء محيطه. هكذا كان حين صوت في صالح الانتخاب المباشر لرئاسة الوزراء وخرق الانضباط الكتلي الذي فرضه سيده السياسي اسحق شمير في 1992. هكذا كان عندما صارع اتفاقات اوسلو ووقف على رأس معارضة شابة وعديمة التجربة امام جبابرة الفترة، اسحق رابين وبيرس.

هكذا كان عندما تنافس ضد الهستدروت، اللجان الكبرى والبنوك كوزير للمالية. وهكذا كان في زيارته الاخيرة الى واشنطن، والتي صارع فيها اوباما ونال الشعبية الذروة في اسرائيل. فهل سيتجرأ ايضا على الوقوف ضد "البيت" السياسي خاصته وابناء عائلته، من اليمين المتطرف، ويقيم حركة الوسط الجديدة؟

شارون زار برلسكوني في تشرين الثاني 2003. وكرست الزيارة اساسا لمحادثات عابثة وعناقات صداقة، مثلما في زيارة نتنياهو هذا الاسبوع. ومثل نتنياهو الان، شارون ايضا كان في حينه تحت ضغط كبير للمبادرة الى خطوة سياسية والكف عن الجلوس على الجدار.

في ظلمة الليل، عندما خرج اعضاء الحاشية والصحفيون لتناول الطعام وقضاء الوقت في روما، التقى في جناحه مع الموفد الامريكي اليوت ابرامز، وروى له بالسر عن نيته لاخلاء كل المستوطنات من قطاع غزة. هكذا ولدت خطة فك الارتباط، التي غيرت المصير السياسي لشارون وتاريخ اسرائيل. مشوق أن نكتشف في المستقبل، هل ولد في روما التحول الاكبر لنتنياهو – أم أنه تمترس اكثر فأكثر فقط خلف المتراس اليميني.