خبر غزة في صناديق الانتخابات التركية ..د. مصطفى يوسف اللداوي

الساعة 02:03 م|12 يونيو 2011

غزة في صناديق الانتخابات التركية ..د. مصطفى يوسف اللداوي

يفرض قطاع غزة نفسه بقوة على الشارع التركي كأحد أهم الأوراق الانتخابية، بما يجعله موازياً للورقة الاقتصادية، ولعلاقات تركيا الخارجية، وآفاق تطلعاتها للانتساب إلى مجموعة دول الاتحاد الأوروبي، فهو يساهم بدرجة كبيرة في تحديد إتجاهات وميول الناخبين الأتراك، الذين ارتبطوا بقطاع غزة ارتباطاً وثيقاً، لجهة إحساسهم بمظلومية سكان القطاع، وحاجتهم إلى نصيرٍ ومساندٍ دولي، لنجدتهم ورفع الحصار عنهم، وتخفيف معاناتهم الإنسانية، التي طالت كلَ بيتٍ وأسرةٍ فلسطينية، جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة عليهم، التي قتلت المئات من سكانه خلال عدوانها الأخير عليهم، ومن جانبٍ آخر لا ينسى الشارع التركي بكليته، وبكافة توجهاته الدينية، وميوله السياسية، وأحزابه العاملة، وجمعياته الإنسانية الناشطة، أن تركيا قد قدمت شهداء وجرحى من أبنائها على شواطئ قطاع غزة برصاص جنود الاحتلال الإسرائيلي، خلال حملتهم الإنسانية لرفع الحصار عنهم، والتخفيف من معاناتهم، وأنه كان له الدور الأكبر في تسيير حملات الإغاثة الدولية، وقوافل المساعدات الإنسانية، البحرية والبرية إلى قطاع غزة.

 

قطاع غزة حاضرٌ في الانتخابات النيابية التركية من خلال ملف العلاقات التركية – الإسرائيلية، إذ ساءت العلاقات بينهما إلى درجةٍ كبيرة، وشابتها مشاحنات وخلافات كثيرة ظهرت على سطح الحياة السياسية، ووقعت ملاسناتٌ حادة ومتبادلة بين العديد من المسؤولين الأتراك ونظرائهم الإسرائيليين، فضلاً عن المشادة الشهيرة التي تمت بين رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان ورئيس الكيان الإسرائيلي شيمعون بيرس خلال جلسات مؤتمر دافوس الاقتصادي، وكما ارتفعت أسهم أردوغان وحزبه كثيراً نتيجةً لهذه المشادة، وإثر انسحابه من الجلسة أمام مختلف وسائل الإعلام التركية والدولية، فقد أظهر أردوغان صورة تركيا الدولة والأمة، التي تحرص على صورتها وكرامتها وعزتها، وأنها تنتصر لهيبتها، وترفض المساس بصورتها، وكان ذلك كله بسبب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والفظاعات التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في القطاع، فرفعت غضبة أردوغان وغيرته على غزة وسكانها وأهلها من تأييد الشارع التركي له ولحزبه، فأيده في مواقفه وتصرفاته، وذهب معه في رد فعله ضد رئيس الكيان الإسرائيلي، وخرج بمئات الآلاف من أبنائه لاستقباله في مطار أنقرة الدولي، علماً أنهم لم يكونوا جميعاً من مؤيدي ومناصري حزب العدالة والتنمية، كما لم يكونوا جميعاً من المنتمين إلى الحركة الإسلامية، وإنما كانوا خليطاً يمثل النسيج التركي القومي العام، الذي يتطلع إلى دورٍ تركيٍ رائد في المنطقة والعالم، ويحلم باستعادة دور تركيا الإمبراطوري.

 

العلاقات التركية – الإسرائيلية التي أعاد قطاع غزة نسج خيوطها من جديد ستلعب دوراً كبيراً في صناديق الانتخابات النيابية التركية، إذ أن أعداداً كبيرة من الأتراك باتت تدرك عدوانية الكيان الإسرائيلي، وهمجيته في التعامل مع سكان قطاع غزة، وأنه يخلوا من كل معايير الأخلاق والقيم الإنسانية من خلال حصاره وتجويعه للفلسطينيين، فرأى قطاعٌ كبير منهم ضرورة إعادة تشكيل العلاقات التركية – الإسرائيلية وفق معايير جديدة، وضرورة عدم السماح لها بالتمادي في الظلم والاعتداء، وعدم تمكينها من استخدام علاقاتها مع تركيا في تغطية جرائمها الدولية، ودعوا حكومة بلادهم إلى عدم السماح لللإسرائيليين باستخدام الأراضي التركية في عمليات التدريب والاستطلاعات الجوية التجسسية والمعادية لبعض الدول العربية، ودعوا حكوتهم إلى تجميد الكثير من الاتفاقيات العسكرية والأمنية والاقتصادية المبرمة مع الحكومة الإسرائيلية، مادامت ماضية في سياستها العدوانية ضد الفلسطينيين، بينما قام قطاعٌ كبير من الشعب التركي بوقف تعاملاته مع الكيان الإسرائيلي، وامتنع عن تقديم الخدمات السياحية للمجموعات الإسرائيلية الزائرة إلى تركيا، وهو ما شعر به الإسرائيليون، مما دعاهم إلى الامتناع عن السياحة في تركيا، أو الاصطياف فيها، مخافة رد الفعل الشعبي التركي الناقم عليهم والغاضب منهم.

 

مناصرة رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان وتبنيه لقضية قطاع غزة ومعاناة سكانه، أكسبته وحزب العدالة والتنمية الحاكم قبولاً كبيراً في العالم العربي والإسلامي، الذين رفعوا صورته والعلم التركي، وهتفوا له ولتركيا الدولة والشعب، وأطلقوا اسمه واسم تركيا على عشرات الشوارع والمدارس والمؤسسات، الأمر الذي جعل من صورة تركيا دولةً وشعباً نصيراً للضعفاء، وسنداً لقضايا التحرر من الظلم والقهر، وساعدت في إعادة رسم الدور التركي في المنطقة، وأكدت على أهميته، وعدم قدرة المجتمع الدولي عن الاستغناء عنها، فهي لاعبٌ هام، تحظى بالقبول من الشعوب العربية، وتستطيع القيام بأدوار الوساطة بين الدول العربية وإسرائيل، كما تستطيع أن تكون بوابة أوروبا إلى العالم العربي والإسلامي، فكانت مكاسبها من مواقفها الصادقة مع قطاع غزة وسكانه مكاسبٌ كبيرة، على المستويات كلها، العربية والإسلامية والدولية ومنها الأوروبية التي تنتمي إليها جغرافياً، ومكاسبٌ داخلية لجهة استعادة الدور والثقة بالنفس، والاعتداد بالقدرات والامكانات.

 

قطاع غزة والقدس والمسجد الأقصى والضفة الغربية كما كل فلسطين، كلها قضايا أصبحت تهم الشارع التركي، ينشغل بها الأتراك ويتابعونها ويتقصون حقائقها، ويرصدون أبعادها وتأثيراتها عليهم وعلى المنطقة بصورة عامة، فهي تساهم كثيراً في تشكيل الرأي العام التركي، وتنعكس سلباً أو إيجاباً على تأييد الأحزاب السياسية المؤمنة بها والعاملة من أجلها، وهذا ما أدركته الأحزاب القومية التركية المنافسة لحزب العدالة والتنمية، التي رصدت حجم المكاسب التي جناها حزب العدالة والتنمية من مواقفه المدافعة عن قطاع غزة وسكانه، والمتصدية للسياسات الإسرائيلية المعادية للشعب الفلسطيني، والمعارضة لكل أشكال الحرب والعدوان المسلح على قطاع غزة، في الوقت الذي حصدت جميع الأحزاب القومية التركية ما جنته سياساتها السابقة المؤيدة والمساندة لإسرائيل، والداعمة لها ولمواقفها العدائية ضد العرب والفلسطينيين، تراجعاً في حجم المؤيدين لها، والمناصرين لسياساتها، بل إن الشارع التركي قد أقصى العديد من الأحزاب التركية، وأخرجها خارج الملعب السياسي نتيجةً لولاءاتها الإسرائيلية، ولو أنها فطنت إلى أن القضية الفلسطينية هي الصوت الذي يقودها إلى قبة البرلمان، وإلى رئاسة الحكومة التركية، ما كان لها أن تكون على هامش الحياة السياسية، وليس لها في قعر الصندوق الانتخابي سوى بضعة أوراق لا تؤهلها لأن يكون لها وجود وتأثير في مستقبل تركيا السياسي.