خبر شاليت وصفقات التبادل وحُلم الأسرى بالحرية..عبد الناصر فروانة

الساعة 06:15 ص|12 يونيو 2011

شاليت وصفقات التبادل وحُلم الأسرى بالحرية..عبد الناصر فروانة

للحرية مذاق آخر … وللأسرى المحرومين من الحرية حُلم يراودهم ... وأمل طال انتظاره ، أمل يتجدد مع شعاع شمس يتسرب إليهم كل صباح عبر الثقوب الصغيرة ، ليُغذي حلماً نشأ ولم  يَمُتْ ، باقِ رغم سنوات وعقود من القهر والحرمان .

الحرية ... أملٌ يراودهم منذ اللحظات الأولى لاعتقالهم ، يتسلحون به ، فهو مصدر قوتهم ومنبع إرادتهم ومبعث صمودهم ...

و حرية الأسير حق مشروع تتحقق إما بانتهاء فترة توقيفه أو مدة محكوميته ، أو تُنتزع بالقوة ضمن صفقات " تبادل الأسرى " ، فيما كان لـ " العملية السلمية " وإفراجات "حسن النية " دور في هذا الصدد منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو ، رغم ما اعتراها من أخطاء وما واكبها من ثغرات وما يمكن أن يُسجل عليها من ملاحظات .

والمؤلم أن حرية عشرات الأسرى كانت قد تحققت بعد وفاتهم في السجون جراء التعذيب أو الإهمال الطبي ، فعادوا محمولين على الأكتاف ( لا ) سيراً على الأقدام كما أقتيدوا لحظة اعتقالهم ، ونستحضر هنا مجموعة منهم على سبيل المثال لا الحصر قاسم أبو عكر ، اسحق مراغة ، راسم حلاوة ، علي الجعفري ، خليل أبو خديجة ، مصطفى عكاوي ، إبراهيم الراعي ، عمر القاسم ، عبد الصمد حريزات ومحمد أبو هدوان ...

 وكانت صفقات التبادل هي أمل الأسرى قبل أوسلو ، وبقيت هي الأمل الأكبر وربما الأوحد لدى الكثيرين من الأسرى ورموز المقاومة ، مما لا أمل لهم بالحرية بانتهاء فترات محكومياتهم خاصة وأنهم يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد لمرة أو لمرات عدة ، بمعنى مئات ولربما آلاف السنين.

هؤلاء ممن تصفهم " اسرائيل " باطلاً بـ " الأيادي الملطخة بالدماء " ، وممن تصر على استمرار احتجازهم في سجونها ومعتقلاتها ، انتقاماً منهم ومن ذويهم وشعبهم ومن المقاومة التي يمثلونها .

 وتبقى " صفقات التبادل " هي الأمل الوحيد أيضاً لأسرى القدس والـ 48 ذوي الأحكام العالية الذين تصر " إسرائيل " على أن تبقى قضيتهم في قبضتها حيث تعتبر اعتقالهم والأحكام الصادرة بحقهم شأنا داخلياً ، وترفض السماح لأي جهة فلسطينية أو عربية بالحديث حولهم أو المطالبة بحريتهم .

نعم .. هي معايير " اسرائيلية " ظالمة ومجحفة ، وغير مقبولة فلسطينياً ، بل ومرفوض الإقرار جملةً وتفصيلاً ، أو مجرد التسليم بها والسماح باستمرارها ، على اعتبار أن الأسرى قضية واحدة موحدة غير قابلة للتجزأة ، بغض النظر عن الانتماء أو التهمة أو طبيعة الحكم ومكان السكن ، فجميعهم ناضلوا واعتقلوا وأفنوا زهرات شبابهم وسنوات وعقود طويلة من أعمارهم من أجل قضية عادلة ومقدسة ، ومن  واجبنا كفلسطينيين وعرب ومسلمين السعي المتواصل لوضع حد لمعاناتهم  ولضمان حريتهم وعودتهم لذويهم.

وبنظرة تقييمية نجد أن " اسرائيل " وحكوماتها المتعاقبة  تبنت ولا تزال تتبنى مبدأ القوة كخيار استراتيجي لاستعادة جنودها ومواطنيها المختطفين أو المأسورين ، حتى ولو أدى ذلك إلى مقتل بعضهم أو جميعهم ، وحدث ذلك أكثر من مرة .

 و ترفض بدايةً مبدأ التبادل ، أو التفاوض من أجل التبادل ، وتراهن على قدراتها الأمنية والعسكرية وتكنولوجياتها المتطورة وعملائها في استعادة جنودها ومواطنيها ، وإذا فشلت في تحقيق ذلك ، تلجأ مجبرة  للتفاوض وصولاً لانجاز صفقة التبادل ، مع عدم إسقاطها أو تخليها عن مبدأ القوة  حتى في ظل المفاوضات .

وبالمقابل فهي كثيراً ما فشلت في تحقيق مآربها ، وعجزت عن استعادة جنودها ومواطنيها بالقوة ، وهذا مرهون بعوامل عديدة موضوعية وذاتية ، أبرزها طبيعة الظروف المحيطة بالقوى الآسرة وموقعها الجغرافي وكيفية تعاملها مع القضية ..الخ .

وفصائل المقاومة الفلسطينية كانت دوماً وفية لأسراها ، ولم تترك أسراها وحدهم يقارعون السجان ، وأدركت مبكراً بأن تغيير المعادلة وتحرير الأسرى يحتاج إلى ثقافة جديدة أدخلتها في قاموسها عنوانها " القوة في تحرير الأسرى ، عبر خطف الإسرائيليين واسرهم بهدف مبادلتهم بالأسرى الفلسطينيين والعرب المحتجزين في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، وفاءً للأسرى وتضحياتهم ، وتقديرا لنضالاتهم وتأكيدا على حقهم بالحرية ،  بالرغم مما يمكن أن يُسجل هنا من قصور في بعض مراحل الثورة الفلسطينية المعاصرة لا سيما بعد العام 1985 .

فأضحت ثقافة القوة والخطف وأسر الإسرائيليين ، هي جزء أساسي من أدبيات الفصائل الفلسطينية وفلسفتها ، و متجذرة ممارسةً لدى كافة الفصائل الفلسطينية منذ العام 1967 ، والتي استطاعت أن تسجل عشرات المحاولات ، جزء منها لم يكتب لها النجاح لأسباب موضوعية وذاتية ، وجزء آخر تُوجت بصفقات رائعة قادت لتحرير آلاف الأسرى ، فمن بدأها وأين بدأت ؟

وللشعبية الحق في أن تفخر بأنها أول من بدأتها ، والجزائر الشقيقة هي أول من احتضنتها

وسجل تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية حافل بالتجارب المتميزة ، التي تستحق الدراسة والتمعن ، بهدف التقييم والاستفادة ، ومن حق الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن تفخر بأنها أول من بدأتها فلسطينياً ، حينما نجحت إحدى مجموعاتها باختطاف طائرة إسرائيلية وإجبارها على الهبوط فوق أرض الجزائر واحتجازها واحتجاز من فيها من ركاب كرهائن ، وأفرج عنهم لاحقاً ضمن صفقة تبادل بإشراف الصليب الأحمر ضمنت إطلاق سراح ( 37 ) أسيراً كانوا معتقلين في سجون الاحتلال الإسرائيلي وذلك في 23  يوليو / تموز 1968 .

واذا كان من حق " الشعبية " أن تفخر بأنها أول من بدأتها ، فمن واجبنا كفلسطينيين أن نسجل تقديرنا للجزائر الشقيقة بلد الثورة والأحرار ، بلد المليون ونصف المليون شهيد التي احتضنتها وعلى أرضها تمت  صفقة التبادل الأولى في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة .

فيما حركة " فتح " أنجزت أضخمها  في نوفمبر عام 1983 ، والجبهة الشعبية القيادة العامة أنجزت أزخمها في مايو 1985 ، فيما ينتظر الشعب الفلسطيني صفقة تبادل جديدة مع الفصائل الآسرة لـ " شاليط " وفقاً للمعايير الفلسطينية لتحطم الشروط الإسرائيلية .

صفقة تكفل إطلاق سراح من رفضت وترفض " إسرائيل " إطلاق سراحهم وفي المقدمة منهم الأسرى القدامى ورموز المقاومة دون تمييز وبغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية ومواقع سكناهم .. وذلك وفاءً من المقاومة لرموز المقاومة .

 فبعد نجاح الفصائل الآسرة في احتجاز " شاليط " في قطاع غزة  على مدار خمس  سنوات بالتمام في مساحة جغرافية صغيرة جدا لا تزيد عن 360 كم2 وهي عبارة عن شريط ساحلي ضيق ساقط من الناحية الأمنية، وفشل " إسرائيل " بأجهزتها الأمنية المختلفة وتكنولوجيتها العصرية وقوتها العسكرية من الوصول إليه واستعادته بالقوة ، وتمسك الفصائل الآسرة بمطالبهم وفقا لتصريحات قادتها ، يبقى الأمل قائما لدى الأسرى وذويهم باتمام صفقة مشرفة .

 بل ومع مرور الوقت يتعاظم الأمل في انجاز تلك الصفقة وتحطم المعايير الإسرائيلية على غرار صفقة التبادل عام 1985 التي سُميت بـ " عملية الجليل " ، و التي اكتسبت بُعداً فلسطينياً وقومياً وأممياً ، وكانت الأكثر ألماً ووجعاً للاحتلال وأجهزته المختلفة ، وشكلّت في حينها انتصاراً تاريخياً ورافعة قوية لمعنويات الجماهير ورجال المقاومة والحركة الأسيرة .

يذكر أن ثلاثة فصائل فلسطينية هي ( حركة حماس وجيش الإسلام وألوية الناصر صلاح الدين ) قد نجحت بتاريخ 25 يونيو / حزيران 2006 بأسر الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " في عملية " الوهم المتبدد "  في قطاع غزة ، التي استشهد خلالها الشهيدان محمد عزمي فروانة وحامد الرنتيسي ، ولازالت تلك الفصائل تأسره بانتظار إتمام الصفقة الكبرى والحاسمة .

واليوم ومع اقتراب الذكرى الخامسة لأسر " شاليط " ، وفي ظل استمرار تعنت " إسرائيل " ، وتهربها من استحقاقات " العملية السلمية " ، نُسجل فخرنا لمن شارك في أسر " شاليط " وفي المقدمة منهم الشهداء ، كما ونُسجل جُل احترامنا وتقديرنا للفصائل الأسرة ، ونحلم ويحلم معنا الأسرى وذويهم بأن يتوج ذلك بصفقة ناجحة ومشرفة على غرار صفقات التبادل السابقة .

صفقة  تكفل عودة الأسرى لبيوتهم وأحبتهم ، لتستقبل القدس والجليل والمثلث وباقة الغربية ومدن وقرى الضفة والقطاع  ومخيمات الشتات وهضبة الجولان المحتلة ، أبنائها الأسرى المحررين العائدين أحياء وسيراً على الأقدام لبيوتهم وأهلهم وأحبتهم .

وليحتضن الشعب الفلسطيني أسراه الأبطال نائل وفخري البرغوثي وأكرم منصور وفؤاد الرازم وسامي وكريم وماهر يونس ووليد دقة ومخلص برغال وسليم الكيال وأبو حصيرة والحسني وعبد الهادي غنيم ،.

ولتستقبل الجماهير الفلسطينية العاشقة للمقاومة رموز المقاومة أحمد سعدات ومروان البرغوثي وإبراهيم حامد وثائر حماد وناصر عويس وأحلام التميمي وحسن سلامة وآمنة منى ودعاء جيوسي وعلام كعبي ويحيى السنوار وأمير ذوقان ، حمدي قرعان وعاهد أبو غلمة  وغيرهم الكثير .

فهل سيتحقق هذا الحُلم قريباً ..؟ أم سيبقى بعيد المنال ؟ و ستبقى فصائل المقاومة ترصد عن بُعد السنوات والعقود التي يمضيها أسراها وقادتها ورموز المقاومة في سجون الاحتلال الإسرائيلي ؟

 

وما بين الجزائر العظيمة وغزة الصامدة ، ما بين بداية الحكاية وحُلم اضافة فصل جديد للحكاية ، يبقى  الأمل  سلاح الأسرى ، يكبر ويكبر مع إشراقة شمس كل صباح .. أمل الحرية والعودة لبيوتهم وأحبتهم ... ويبقى للحرية مذاق آخر